«المُراوغة فن أميركي» والسياسة الأمنية صناعة هوليودية

لمى خيرالله

«المُراوغة فن أميركي»، والسياسة الأمنية صناعة هوليودية اعتادت واشنطن استخدامها لشرعنة ذرائعها في الشرق الأوسط عقوداً من الزمن، فمنتجع كامب ديفيد أحد المنتجعات الأميركية التي كان لها باع طويل في رسم ماهية خريطة الشرق الأوسط، فكان توقيع معاهدة التسوية التاريخية بين مصر و«إسرائيل» عام 1978، فيما حاول الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون صنع معاهدة سلام جديدة في الشرق الأوسط، تنهي الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني عام 2000. تاريخياً نجحت القمة الأولى فيما فشلت الثانية، فما هي حال القمة الثالثة؟

مرة أخرى، تعود الإدارة الأميركية إلى استخدام «خطر إيران» كواحدة من مفردات ترويج صناعتها العسكرية في دول الخليج التي تنساق وراء النظريات الأميركية وفق سياسة القطيع، فالأسر الخليجية الخائفة من انهيار حكمها، ملزمة بالموافقة على نشر الدرع الصاروخية، ولا يستبعد أن يكون الهدف من «كامب ديفيد» ترقيع الخزينة الأميركية بمليارات تحتاجها إدارة أوباما في الوقت الحالي، من خلال دفع تكاليف الدرع الصاروخية وفق صفقات عسكرية ضخمة.

وفي هذا السياق، أطلّ الرئيس الأميركي باراك أوباما وفي مؤتمر صحافي بعد انتهاء القمة الخليجية ـ الأميركية في كامب ديفيد، قائلاً: «إن واشنطن متفقة مع شركائها الخليجيين على أن اتفاقاً شاملاً مع إيران يخدم مصلحة الدول الخليجية». كما أصدر البيت الأبيض بياناً مشتركاً عقب انفضاض أعمال المؤتمر أكد فيه الجوانب الأمنية والعسكرية التي تم تداولها، معلقاً آمالاً كبيرة على «الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الجانبين لتطوير جهود التعاون الأمني» المنبثقة عن لقاء القمة. وأوضح البيان أن الجانبين استعرضا الاتفاق النووي مع إيران مؤكدين أنه يخدم «المصالح الاستراتيجية لأعضاء مجلس التعاون وكذلك للولايات المتحدة والمجتمع الدولي».

لم يكن خافياً موقف «وطلبات» الطرفين الأميركي والخليجي من بعضهما بعضاً قبل التئام القمة، بيد أن النتائج العامة لم تواكب قراءة الساسة الأميركيين وتوقعاتهم فحسب، بل شكلت خيبة كبيرة «لآلية فهم وإدراك» دول مجلس التعاون الخليجي الذي استولدته ظروف الحرب الباردة ليتجاوز إطار الجامعة العربية، على رغم هشاشتها، وليشكل بديلاً منها ويفرض أجندته عليها. فالحوار الذي أجراه الرئيس الأميركي مع صحيفة «الشرق الأوسط» عشية «كامب ديفيد» عكس مساعي الإدارة الأميركية، في إزالة التوتر مع دول الخليج، على خلفية مخاوف الأخيرة من اتفاق النووي الإيراني مع المجموعة السداسية، وفي وقت تغيّب الملك سلمان بن عبد العزيز عن القمة – وهو الأمر الذي فسره خبراء بأنه اعتراض على سياسات أميركا تجاه طهران – بدا حديث أوباما مع الصحيفة السعودية، مُراوغاً ومحاولة لاسترضاء الخليج بالكلمة من دون ترجمة حقيقية لتلك الوعود، مؤتمرٌ حمل بين طياته «حقنة طمأنة» أميركية لدول الخليج الحليفة، بأن واشنطن لن تتخلّى عنهم وتميل إلى إيران فيما رآه آخرون أشبه بـ«معرض لبيع السلاح» بكمية أكبر لتلك الدول الخائفة على أمنها. فكلام أوباما في كامب ديفيد «أوامر» جديدة على الخليج لا بد من الاعتياد عليها وسط خلط أوراق المنطقة وزيادة تأزمها في الشرق الأوسط، خصوصاً أن حلفاء الحرب وأدواتهم في دول الخليج، أيقنوا بأن فوضى أوباما الخلاقة باتت تؤتي ثمارها بارتدادات عكسية، في ظل إدراك أوباما أن شرق أوسط جديداً بخليج مستقر رهان ليس بالضرورة أن يكون ناجحاً ولن يخدم سياستها الساعية لإرسائها في المنطقة بعد وجود عملاق إقليمي جديد اسمه إيران.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى