قمة «كامب ديفيد»: إنجاز معنوي محدود لأوباما… واحتواء موقّت للمخاوف الخليجيّة

تحوّل اهتمام مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأميركية المختلفة، إلى مراقبة نتائج قمة «كامب ديفيد» بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه التفاوضي رفيع المستوى، وبين «قادة» دول مجلس التعاون الخليجي.

يستعرض قسم التحليل حيثيّات القمة ووقائعها ونتائجها، والتي التأمت تحت عنوان توفير الأمن ومحاربة الإرهاب، وتعويل دول الخليج على قدرتها في انتزاع قرار أميركيّ يرفع سقف علاقاتها الثنائية إلى مرتبة معاهدة رسمية، أسوة بدول حلف الأطلسي مع بعض التعديلات. الرئيس الأميركي وفريقه أنجزا ما كان يرميان إليه: «جرّ» دول الخليج لتأييد الاتفاق النووي مع إيران، واستغلاله إلى أبعد الحدود في المشهد السياسي الداخلي ضدّ الخصوم الجمهوريين.

قمّة «كامب ديفيد»

اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنّ تخلف العاهل السعودي عن القمة يؤشر إلى نموذج تصرّف جديد يتحدّى قرار الرئيس «من دون الخشية من العقاب». موضحاً أنّ الحادثة تستنسخ «سلوك الكونغرس وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي». وحذّر من أنّ جنوح بعض القادة في الداخل والخارج إلى تحدّي الرئيس، «يشكّل تحدّياً كبيراً للأمن القومي الأميركي، وقد يحفز القادة الإيرانيين للقيام بالمثل». وأضاف أن المعضلة لن تشهد حلّاً سريعاً، إنما الأهم أن «تدرك الأوساط المعنية تلك التحدّيات».

حذّر «معهد كارنيغي» من تفسير غياب العاهل السعودي عن القمة وتحميله أكبر مما يحتمل، منبهاً إلى أنّ «الهدف طويل الأمد ينبغي ألّا يصبّ في الانخراط الأوسع مع إيران، إنما استغلال العلاقة المتجددة مع إيران كسلّم نجاة للخروج من التورّط مع السعودية». ولفت انتباه دول مجلس التعاون التي يتعيّن عليها إدراك أهداف الولايات المتحدة بعيدة المدى في منطقة الخليج تتمحور حول الحفاظ على التوازن الإقليمي، والحؤول دون السماح لهم بالخروج منتصرين في صراعهم مع إيران. وطالب الادارة الأميركية باستغلال أجواء قمة «كامب ديفيد» كأفضل سبيل لإيصال تلك الرسائل للضيوف. وأوضح أنه يتعيّن على الرئيس أوباما الطلب من قادة دول مجلس التعاون التحلّي بسلوك مسؤول والتزام أكبر بالتعاون، بدلاً من طمأنتهم بدعم أميركي مستدام لأمنهم. وخلص إلى القول إنّ زمن الرعاية قد ولّى، وفي ما يتعلق بالعلاقات الدولية، فإن للمجون والسلوك غير الاخلاقي مزاياهما.

في المقابل، اعتبر «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أنّ قمة «كامب ديفيد» امتداد للمحادثات التي جرت في كل من الرياض وباريس، التي ترأسها وزير الخارجية جون كيري. وحذّر الادارة الأميركية من المضي في مسارها باعتبار الاتفاق النووي سيؤدّي إلى تليين الموقف الإيراني، لا بل من شأنه التأكيد على صوابية مخاوف دول مجلس التعاون حول التهديد الإيراني. واستدرك بالقول إنه «في ذهنية دول الخليج، أيّ التزام من الرئيس أوباما شخصياً يعمّده بمصافحة مباشرة، قد يوفّر البعد المطلوب لجسر الخلافات بينهما. وأشار إلى أن الحكم على نجاح مؤتمر القمة سينحصر في اتفاقية محدودة بدلاً من التوصل إلى اتفاق تاريخيّ.

تهديد الميليشيات

أشار «معهد كارنيغي» إلى تعاظم دور الميليشيات المسلحة في الإقليم منذ اندلاع «الربيع العربي». والتي، على رغم توفيرها بعض الشعور بالأمن للحكومات المحلية، إلا أنها تتصرف باستقلالية كبيرة. وحثّ المعهد الدول الإقليمية على استيعاب تلك الميليشيات ضمن قوات الحرس الوطني. يرافقه التفاوض معها حول إشراكها في السلطة. وأضاف أنّ توجّه الحكومات إلى إجراء تعديلات دستورية من شأنه تعزيز العلاقة والثقة المتبادلة مع القوى المسلّحة وأعوانها، والتي ينبغي تأطيرها أيضاً عبر إيماءات غير رسمية لضمان ولاء المقاتلين لسلطة الدولة بالتزامن مع التزام الحكومة المركزية الاستثمار في إنعاش الاقتصاد المحلي.

سورية

حثّت «مؤسسة هاريتاج» الادارة الأميركية على إدراج «الازمة السورية» على جدول أعمال قمة «كامب ديفيد»، «نظراً إلى مشاعر عدم الثقة التي تكنّها دول مجلس التعاون لإدارة الرئيس أوباما. والتي تشاطر إسرائيل في قلقها لسرعة اندفاع الرئيس أوباما للذهاب إلى احتضان إيران». وأضاف أن الدول الخليجية أعربت عن امتعاضها من سلوك الادارة بتخفيض مستوى تمثيلها إلى القمة «بخلاف بنيامين نتتنياهو الذي لجأ إلى انتقاد السياسة الأميركية بصورة علنية». واستدرك بالقول إنه «من غير المرجح أن تعدّل الادارة بوصلة استراتيجيتها في المفاوضات النووية مع إيران، بيد أنه باستطاعتها إنقاذ قمة كامب ديفيد من الفشل، عبر اتخاذ موقف أكثر تشدّداً حيال إيران، وأيضاً نحو أزمات إقليمية أخرى وزيادة مستوى الدعم المقدّم للمعارضين السوريين».

تونس

أعرب «معهد ويلسون» عن اعتقاده بأن مستقبل الديمقراطية في تونس ينبئ بتحوّلات إيجابية «من منظار الإحصاءات لخريطة الديموغرافيا السياسية». وأوضح أنّ المرحلة السياسية الانتقالية في تونس تعادل مستويات تجارب الديمقراطية الليبرالية في الشطر الجنوبي من أوروبا في عقد السبعينات. كما جرى في إسبانيا والبرتغال واليونان، وأماكن أخرى في أميركا اللاتينية حديثاً، كالبرازيل وتشيلي والارجنتين.

إيران

استعرض «معهد المشروع الأميركي» تاريخ فكر إيران الاستراتيجي، في شقيه العسكري والأمني، منذ الثورة عام 1979. وتناول الدوافع التاريخية والحضارية للاطلالة على آلية اتخاذ القرار في طهران، وحساباتها الاستراتيجية، في محطات ثلاث: حرب ناقلات النفط، والغزو الأميركي للعراق، والازمة الراهنة في سورية. وخلص إلى القول إن قادة إيران توصلوا إلى نتيجة مفادها أن التطوّرات الإقليمية تشكّل تهديداً وجودياً لأمن إيران واستقرارها، ما دفعها إلى تطوير أساليبها العملياتية داخل صفوف قواتها العسكرية، وحفّز التفكير الاستراتيجي بين قادتها. وبصرف النظر عن مصير التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران، يتعين على صنّاع القرار في الدول الغربية الإقرار باستمرارها في المجابهة والصراع الكوني مع الولايات المتحدة وحلفائها، وإن بوتائر منخفضة وسرية، يرافق ذلك جهود حثيثة طويلة الأمد لتطوير سبلها لردع القوة العسكرية التقليدية للدول الغربية.

تشكيلة الحكومة «الإسرائيلية»

اعتبر «معهد أبحاث السياسة الخارجية» أن الوقت حان لإصلاح النظام الانتخابي في «إسرائيل»، والذي يعطي الاحزاب الصغيرة والمتطرّفة سلطة تفوق حجمها وتأثيرها. وأوضح انه درجت العادة أن يتوسّل الحزب الفائز في الانتخابات طلب ودّ الاحزاب الصغيرة والدخول في ائتلاف حكومي معها، وهي التي تمارس الابتزاز إلى أبعد الحدود.

أوباما الرابح الوحيد

كان جلياً موقف الطرفين الأميركي والخليجي من بعضهما التئام القمة، كما الطلبات المتبادلة. بيد أنّ النتائج العامة لم تواكب قراءة الساسة الأميركيين وتوقعاتهم فحسب، بل شكلت خيبة كبيرة لآلية فهم دول مجلس التعاون الخليجي الذي استولدته ظروف الحرب الباردة ليتجاوز إطار الجامعة العربية، على رغم هشاشتها، يشكل بديلاً عنها ويفرض أجندته عليها.

بذلت دول الخليج جهوداً واسعة قبل المؤتمر بغية الحصول على التزام أميركي حازم بحمايتها، تكون له صفة التعهّد الرسمي، والأفضل خطياً. وما تعدًى ذلك من طلبات أسلحة حديثة وترتيبات أخرى لا تتجاوز تفاصيل فرعية معروفة سلفاً. الرئيس الأميركي أيضاً رمى للحصول على التزامات خليجية، منفردة وجماعية، على عدة مستويات: ضمان دعم الفريق الخليجي للاتفاق النووي مع إيران وطمأنته بدعم الولايات المتحدة، من ناحية وضمان عدم تعريضه الاستراتيجية والمصالح الأميركية لأخطاء جيواستراتيجية من جرّاء مغامرة السعودية في اليمن، من ناحية أخرى، عقب ارتباك قادة العدوان وسوء إدارة الأزمة سياسياً وعسكرياً على رغم التأييد الأميركي المفتوح، سياسياً وعسكرياً ولوجستياً، والخشية من تعمّق مأزق حلفائه.

تخلّفُ العاهلِ السعودي وآخرين عن حضور القمة شكّل «صدمة» لدى البعض قبل انعقاد المؤتمر، خصوصاً لناحية الجهود المميّزة والمكثفة التي بذلها وزير الخارجية جون كيري مع المسؤولين السعوديين في الرياض وعواصم أخرى لاستمزاج توجهاتهم، وأكّدوا له الاستجابة للدعوة الأميركية. المسألة عينها طغت على مسائل هامة كثيرة، بعد التيقن من عدم حضور الملك سلمان. وسارعت الادارة إلى استيعاب تداعياتها بشنّ حملة إعلامية مكثفة على أعلى المستويات لتأكيد الثوابت في العلاقة التاريخية مع المملكة السعودية.

لا بل اعتقد البعض أن غياب الملك سلمان كان مفيداً، كما جاء على لسان الخبير الاستراتيجي الأميركي، أنتوني كوردسمان، بقوله: «إن حقيقة عدم حضور الملك سلمان أثبتت في المحصلة أنها أكثر فائدة»، نظراً إلى الرسالة الكامنة بين طيّاتها بأنه يتعين على كافة الاطراف والدول إدراك أنها بحاجة إلى بذل جهود أكبر للتعاون بغية إرساء توجّه مشترك لتحدّيات الأمن، والتعامل مع إيران، والتوصل إلى حلول شاملة للحروب الفاشلة في اليمن وسورية والعراق.

حصيلة المؤتمر

إن تقييماً دقيقاً لنتائج المؤتمر ينبغي أن يستند إلى مرحلة التمهيد والتدقيق في تصريحات المشاركين ورفع سقف مطالب البعض، للاستفادة الاعلامية على الاقل. نصائح الدوائر الأميركية المختلفة، قبل انعقاد المؤتمر، شدّدت على ضرورة إدراك دول الخليج التحوّلات الهامة في الإقليم، في المدى المنظور على الاقل. يومية «فورين بوليسي» «الرصينة» والمقربة من البيت الابيض، 12 أيار، طالبت الدول الخليجية بصريح العبارة «بإدراك أن هدف الولايات المتحدة في منطقة الخليج يتمثل في الحفاظ على توازن القوى الإقليمية، لا بتمكين دول الخليج من النصر في صراعها مع إيران».

كما التزمت اللغة الصريحة ذاتها في ما يتعلق بالرئيس أوباما «الذي يتعين عليه مطالبة قادة دول الخليج بانتهاج سلوك أكثر مسؤولية وإبداء مزيد من التعاون بدلاً من طمأنتهم مجدّداً في شأن الالتزام الأميركي الدائم تجاه أمنهم». وأعربت عن توقعاتها بأن تنصت الولايات المتحدة لمخاوف دول الخليج حول إيران، بيد انها ستوضح لها بكل وضوح وجلاء أنها ليست بصدد إبرام اتفاقية دفاع جديدة مع مجلس التعاون، ولا بصدد توفير ضمانات أمنية شاملة.

في حال قمة «كامب ديفيد»، جاء البيان الختامي المشترك «صادماً» لتوقعات الضيوف. ووُصِفت دول الخليج بأنها «تعود إلى ديارها خالية الوفاض»، وفق تعبير يومية «بوليتيكو»، 15 أيار. وأوضحت اليومية أن «تأكيد جميع الأطراف سير أعمال المؤتمر على ما يرام، يدلّ على أن القمة لم تحرز أي نجاحات كبرى… ولكن من الواضح أن الخلافات الجوهرية بين الجانبين لا تزال قائمة».

أما كوردسمان، الذي يتابع الشؤون الخليجية العسكرية ويحافظ على علاقة وثيقة بمشيخات الخليج عموماً، لا سيما مع الامارات، فسعى إلى تلطيف الاخفاق قائلاً: «بالنسبة إلى دول مجلس التعاون، أثبتت القمة أن الولايات المتحدة حليف استراتيجي ذو دلالة، لكنها ليست في وارد أن تلعب دور الجواب السحري لفشل الدول العربية، أو لكل أزمة أمنية في الإقليم، أو التوسّط للانقسامات داخل مجلس التعاون والعالم العربي».

وذهب كوردسمان إلى الاشادة بدور عُمان وابتعادها عن دول المجلس الأخرى، كما أنّ قطر أثبتت أنها أدنى من معدل صقور النظامين السعودي والبحريني، لكن ليس من الثابت بعد أن القيادات المتعددة في دولة الامارات استطاعت التوصل إلى إجماع واضح بين بعضها، وفي ما يخص العلاقة مع السعودية.

كما حظيت عُمان بإشادة يومية «بوليتيكو» ورضاها، لإقامتها علاقات ودّية مع كافة الاطراف حتّى إيران. أما دولة الامارات ـ لا سيما إمارة دبي ـ فتجني فوائد كبيرة من الاستثمارات الإيرانية.

«مؤسسة راند»، بالغة التأثير في صنع القرار السياسي، اعتبرت الاتفاق النووي مع إيران المسألة الجوهرية بين الجانبين، والذي عند ابرامه «سيشكل فرصة لتخفيف التصعيد بين إيران والسعودية، عوضاً عن السياسة الصفرية لتسيّد المنطقة من قبل السعودية وإيران.

وأوضحت المؤسسة أنّ مأزق السعودية في الإقليم بأن أحد جوانبه يشمل عدم قدرتها على تجنيد أي من الدول الإقليمية ـ باستثناء «إسرائيل» ـ لجانبها.

تجدر الاشارة في هذا الصدد إلى انتشار حجم التعاون بين السعودية و«إسرائيل»، تداولته وسائل الاعلام الأميركية، قبيل انعقاد قمة «كامب ديفيد»، ما يشير إلى تلقّي «إسرائيل» هدية مالية من الرياض بلغت 16 مليار دولار للانفاق على جهود الضغط على سياسة الادارة الأميركية. بيد أنّ بعض تلك الاموال وجدت طريقها في بناء المستوطنات غير الشرعية في الاراضي المحتلة. كما أنّ القاعدة العسكرية الأميركية الأولى في الاراضي العربية أنشئت في الظهران، شرق الجزيرة العربية.

بماذا تعهّد أوباما

حسم أوباما المسألة من دون أي إشارات مبهمة في مؤتمره المشترك عقب انفضاض المؤتمر، قائلاً: «إنني أؤكد مجدّداً التزامنا الصارم أمن شركائنا الخليجيين»، معرباً عن استعداده لاستخدام القوة العسكرية الأميركية للدفاع عنهم ضدّ أي هجوم خارجي يتعرضون له. لم يذهب أوباما أبعد من ذلك، بل أعلن بدء إجراءات وترتيبات «متواضعة» مع دول المجلس تشمل إقامة مناورات عسكرية مشتركة ترمي إلى تحقيق التكامل بين أنظمة الدفاع الصاروخية المتعدّدة لدى الترسانة الخليجية، وتعزيز أمن الشبكات الالكترونية وضمان حرية الملاحة العالمية ومكافحة الارهاب.

مساعد أوباما لشؤون الأمن القومي، بن رودس، أكد التزام واشنطن بألّا تتطوّر الأمور إلى مرحلة سباق تسلّح نووي في الشرق الاوسط. واضعاً بذلك حدّاً فاصلاً لتصريحات الامير السعودي تركي الفيصل المتعددة بعزم بلاده اقتناء الطاقة النووية، والذي ربما حفّزه نتنياهو لإحراج أوباما… كما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز».

كوردسمان، مرة أخرى، اعتبر ما حققته الدول الخليجية في ما يتعلق بإيران لا يتعدّى مجموعة عامة من الضمانات الأميركية، مقابل تأييد واسع النطاق لاتفاق نووي مع إيران.

بعبارة أخرى، حققت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة السعودية التزاماً أميركياً لفظياً يتلخص بمفردة «سوف»: «سوف تدرس أميركا استخدام القوة العسكرية .. إلخ». أما إعلان إجراء المناورات الموسّعة مع دول الخليج فقد وصفها «البنتاغون» بأنها ستكون الاضخم من حيث نوعيتها منذ عقود. وما زالت قيد البحث ولم يتحدّد موعدها بعد.

خيبة كبيرة في الملفّات الخلافية

أدركت دول الخليج، متأخرة، أنّ مفهوم «الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة لا يعادل اتفاقاً استراتيجياً روّجت له طويلاً وأخفقت في حثّ الجانب الأميركي لرفع سقف الشراكة إلى مستويات أرقى». على رغم توحيد مصادر ترسانات السلاح الخليجية. أما الملفات الساخنة في الإقليم، إيران وسورية واليمن، وبدرجة أقل ليبيا، فلم يفلح قادة الخليج في التأثير على الموقف الأميركي الداعي للالتزام بالحل السلمي والتفاوضي، على رغم انقضاء سنوات دامية أربع على اعتماد الحل العسكري من دون جدوى.

إيران

مراكز القرار السياسي الأميركي تجزم أن لدى إيران رغبة حقيقية في تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، وإن بشكل تدريجي، الأمر الذي يتطلب احتواء التوترات الراهنة والحؤول دون نشوب أزمات أخرى. وتردّد مراراً في وسائل الإعلام أنّ إيران تستخدم جولة المفاوضات النووية كمحطة لاختبار تجاوب الطرف الآخر ومدى صدقيته.

ربما لم تلتفت دول الخليج إلى التحولات الاستراتيجية الأميركية في ما يخصّ إيران تحديداً، إذ تبيّن أن لدى البيت الابيض خطة معدّة لاحتواء إيران. وبدء عهد جديد معها. قائد هيئة الاركان الأميركية السابق، مايك مولن، أوضح في مقال نشره في «بوليتيكو» 16 نيسان 2015، أنّ «الاتفاق النووي المزمع عقده، من شأنه أن يعيد التوازن إلى النفوذ الأميركي في المنطقة. سياسة الانفراج مع إيران قد تسهم ايجاباً في موازنة جهودنا المبذولة على اتساع خريطة الانقسام الطائفي». وكأنه يقول نيابة عن الادارة الأميركية إن حلفاءها الإقليميين عازمون على دفع واشنطن إلى صدام مستدام مع إيران. محذّراً في الوقت نفسه من سطحية الخيار العسكري الذي لن يوقف مسار إيران النووي، بل يبطئ سير حركته بعض الشيء.

السفير الأميركي الأسبق لدى الرياض، روبرت جوردان، ذكّر أصدقاءه في الخليج بأنّ تحول السياسة الأميركية باتجاه آسيا لا يعني بالضرورة تخلّيها عنهم إبان وقوع أزمات. وأعرب جوردان عن شكوكه وقلق أصدقائه من فعالية «بسط أميركا مظلتها الأمنية لتشمل منطقة الخليج»، التي تعدّ الانجاز الأهم لقمة «كامب ديفيد»، وربما هي قفزة بعيدة المنال.

الرئيس أوباما لم يشأ استمرار الغموض حول سياسته الإيرانية، إذ قال في ختام قمة «كامب ديفيد» بحضور ضيوفه الخليجيين إنه يرحّب بإيران التي من الممكن أن تلعب دوراً مسؤولاً في الإقليم، والتي باستطاعتها اتخاذ خطوات عملية ملموسة لبناء الثقة وحلّ خلافاتها مع جيرانها بالسبل السلمية والامتثال للقواعد والاعراف الدولية.

استدارة الاستراتيجية الأميركية، أو إعادة توازنها كما يحلو للبعض، جاءت ثمرة جهود مراجعة مضنية داخل أوساط المؤسسة الحاكمة، كما يوحي بذلك مايك مولينز وآخرون. وخلصت المراجعة إلى أن السياسة الأميركية تعاني من مآزق ثلاثة: تداعيات الحرب غير المشروعة في العراق ميثاق توفير الحماية الأمنية للملكة السعودية مقابل تدفق النفط وعدم القدرة على محاسبة «إسرائيل»، كما ورد في الأصل. إذ ساهمت كلها مجتمعة في الحدّ بشدة من النفوذ الأميركي في الشرق الاوسط.

رسالة أوباما لدول الخليج وغيرها كانت قاطعة الوضوح في البعد الاستراتيجي لناحية أن بلاده تسعى إلى عدم إمساك قوة إقليمية بمفردها زمام الهيمنة السياسية والاقتصادية أو العسكرية على باقي المنطقة. بعبارة أخرى، أعرب عن جهوزية الولايات المتحدة، في مرحلة استدارتها، إلى العمل مع كافة القوى والاطراف لأجل تخفيض حدة التهديدات الأمنية، على رغم تباين مصالح القوى كافة.

لا يخفى على المرء والمراقب معاً ما يضمره الرئيس أوباما من استغلال أجواء قمة «كامب ديفيد» لحساباته السياسية الخاصة، لا سيما بعد تمكّنه من ترويض «تحفّظات الخليجيين»، والتصدّي لخصومه الجمهوريين بعزيمة أكبر بعد اطمئنانه لدعم دوليّ لجهوده، لا سيما من دول الخليج، وتعزيز فرص انتصاره في التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران.

سورية

جاء البيان المشترك ليعبّر عن الموقف الأميركي الذي «استدار وتخلّى» عن الحلّ العسكري المباشر. بالطبع هذا لا يجوز أن يقودنا إلى القول إن العمليات العسكرية لتدمير الدولة السورية قد انتهت، بل أضحت أكثر كلفة لمشغليها. وعلى رغم الاشارة إلى أن الرئيس بشار الأسد لن يكون له دور في صوغ مستقبل سورية، كما تردّد دول الخليج، إلا أنّ البيان المشترك أكد التزام القادة استمرار العمل للتوصل إلى حلّ سياسيّ مستدام في سورية يضع حدّاً للحرب، ويؤسّس لبروز حكومة تشمل الجميع.

الخبير الاستراتيجي كوردسمان انتقد الاستراتيجية الأميركية لفقدانها وضوح الهدف أبعد من ثمة قصف مدفعي متفرّق. ووعد بتدريب نحو 15.000 عنصر من المتمرّدين. وأضاف أنه من غير المرجّح أن تفضي مساعي الولايات المتحدة أو جهود دول مجلس التعاون إلى بلورة استقرار دائم أو توفير الأمن في سورية.

اليمن

تبلور إجماع لدى معظم الأوساط والمؤسسات الأميركية الفاعلة بأن العدوان السعودي على اليمن يراوح مكانه، كما أن الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج الأخرى، لا تتوفر لديها إجابات واضحة لحسم المعركة بالقوة العسكرية.

تتزايد مساعي مستشاري الرئيس أوباما، في هذا الشأن، للدلالة على عدم نضوج ظروف الحسم بالوسائل العسكرية، بعد انقضاء ما يزيد على الشهر من القصف السعودي المركّز وأيضاً لخشية السعودية من عدم استمرار تأييد بعض دول المجلس لمخططاتها هناك.

وحذّر بعضهم من أنّ اليمن يشكل عبئاً كبيراً ليس باستطاعة السعودية تحمّله، فضلاً عن عدم توفر الدعم المحلي للإدارة الأميركية، للانخراط المباشر من أجل تعديل ميزان القوى لمصلحتها هناك.

الإجماع الأكبر لدى المستشارين والمراقبين على حد سواء، أنّ محادثات مؤتمر القمة لم تسفر عن تبلور أيّ تقدّم حقيقيّ حتى في بعد المحظور من التداول. ووصفت يومية «فورين بوليسي» 12 أيار، المحادثات بأنها عكست تباين مصالح دول الخليج عن المصالح الأميركية بشكل متزايد حول قضايا إيران وسورية. محصلة الأمر، أن نتائج العدوان لن تسفر عن بروز طرف منتصر، لا بل من المستبعد أن تستطيع المملكة السعودية إخضاع اليمن لمشيئتها بعد اليوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى