«السلسلة» إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية

هتاف دهام

طارت سلسلة الرتب والرواتب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التي لن تحصل قبل 25 آيار. فلبنان ليس على جدول أعمال اللقاء السعودي الإيراني المرتقب، كما يقول الوزير سجعان قزي لـ»البناء». لأنّ السعودية منشغلة اليوم بالملفين اليمني والبحريني، وبالانتخابات العراقية.

لن تنعقد الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لدرس مشروع السلسلة في 27 الشهر الحالي. القوى المسيحية لن تحضر وأعلنت مقاطعتها الجلسات التشريعية الى حين انتخاب رئيس الجمهورية، فالفراغ الرئاسي لن يتركه المسيحيون في بعبدا بل سينقلونه إلى المجلس النيابي. فهل سيَحمّل المسيحيون مسؤولية عدم إقرار السلسلة التي طارت كما يقول رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان مع تطيير صيغة اللجان المشتركة في منتصف نيسان؟

لم يأبه النواب إلى اعتصامات هيئة التنسيق النقابية رغم أنّ صداها وصل إلى القاعة التي كانوا داخلها في فترات متلاحقة يصولون ويجولون، يضحكون، يعقدون نقاشات جماعية كانت أبعد ما تكون عن النقاشات، فوشواشات النواب الغير آبهين بحقوق الشعب ومطالبه استدعت تعليقات صحافية من الإعلاميين مثل: «شو مفكرين حالهم بقهوة».

شهدت الجلسة مساع واتصالات لإعطاء المعلمين والعسكريين والعاملين في القطاع العام حقوقهم الا انها فشلت. اليوم الماراثوني الذي بدأ عند العاشرة والنصف في جلستين صباحية ومسائية استمرّت الى الحادية عشرة والنصف سعياً إلى تسوية لسلسلة الرتب والرواتب سقط في الامتحان أمام الاساتذة والمعلمين، فبعد ان اجتمعت اللجنة النيابية الى رئيس الحكومة تمام سلام أول أمس بحضور وزير المال علي حسن خليل، ووافقت على لسان النائب جورج عدوان، على مشروع الحكومة، لم تنجح الاتصالات التي واكبتها ليل الثلاثاء- الاربعاء وصباح امس في إقناع الرئيس فؤاد السنيورة بذلك، فطرح على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أن يبادر داخل الجلسة إلى الدعوة للعودة إلى مشروع حكومته السابقة، إلا أنه رفض ذلك.

لم يستغرب أحد عدم إقرار السلسلة. فالأجواء منذ الصباح توحي بذلك. بدأ رئيس المجلس الجلسة بالقفز فوق البند الأول في الإيرادات والمتعلق بالـTVA إلى المادة الثانية. وكرّت سبحة المواد إلى أن وصلت المادة 13 المتعلقة بالغرامات على الأملاك البحرية، فوقع المشكل. وبعد نقاش مطوّل تركت هذه المادة الى الجلسة المسائية، بعدما شكلت لجنة من وزيري المال علي حسن خليل والاشغال غازي زعيتر، والنواب جمال الجراح وجورج عدوان وعلي فياض وآلان عون لدرس آلية لفرض هذه الغرامة وتحديد قيمتها. لم تنعقد اللجنة المفترض أن تبدأ اجتماعها عند الخامسة، لا بل التأمت عند الخامسة والنصف، فالجميع على يقين بأنّ السلسلة لن تبصر النور، وأنّ الغرامات على الأملاك البحرية لن تمرّ ببساطة، ولكي لا تقرّ هذه المادة سارع النائب سامي الجميّل إلى الطلب من المجلس إدخال عبارة «البرية» على النص الذي تلاه الوزير خليل، في محاولة من نائب «الكتائب» بتأييد من «المستقبل» و»القوات»، أن تشمل الغرامات بيوت الفقراء التي بُنيت بطرق غير شرعية، توازياً مع الغرامات على المؤسسات السياحية، غير آبه بما يسبّبه هذا الطرح العشوائي من مشكلة اجتماعية، ولذلك رفضه نواب كتلة الوفاء للمقاومة.

ونصّت الصيغة على أنّ يفرض على كلّ من شغل ويشغل أملاكاً عامة تسديد غرامات من دون أيّ إبطاء، وأن يكون عن كلّ سنة من تاريخ الإشغال منذ 7/1992 أو عن كامل فترة إشغاله للأملاك البحرية، على ان تحدّد قيمتها بما يعادل ثلاثة أضعاف قيمة الرسوم. وفي حال عدم الالتزام يتوجب عليها فوراً رفع الأشغال عن الاملاك العامة البحرية والنهرية، وتفرض عليه الغرامات. ويعتبر كسر الشهر شهراً كاملاً، ويتوجب على صاحب العلاقة إخلاء العقار. وتحدد قواعد ودقائق تطبيق هذا الأمر بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.

وأمام السجال الذي تجدد في الجلسة المسائية والذي عبّرت عند مداخلات النواب فؤاد السنيورة، جورج عدوان، سامي الجميّل، انطوان زهرا، علي فياض، ووزير المال، لجهة وضع معايير محددة للتخمين في شكل يترافق مع تغيير الأسعار، وضعه الرئيس بري جانباً إلى حين الانتهاء من المواد الأخرى، التي أقرّ المجلس منها في ما يتعلق بالإيرادات زيادة رسم الطابع المالي على رخص البناء، وبلغ واحد ونصف في المئة، زيادة الرسم على انتاج الاسمنت، فيما لم يبت بزيادة الرسوم على المشروبات الروحية، بعد معارضة شديدة من النواب هادي حبيش وسيمون أبي رميا وسامي الجميّل، الذين طالبوا بأن تكون الزيادة نسبية، فلم يحسم الأمر مثلما حصل مع زيادة الرسم على التبغ. وكان الرئيس نبيه بري ووزير المال علي حسن خليل من أبرز المدافعين عن عدم رفع الزيادة، لكون ادارة « الريجي» هي التي تقرّر عادة زيادة الرسوم، اذن… لا لزوم لهذه المادة. الا انه وبعد النقاش، ترك أمر هذه المادة جانباً. وأقرّت المادة المتعلقة بزيادة الرسوم على معاملات يجريها كتاب العدل وفرض الرسوم على المسافرين عن طريق البر والجو للرحلات التي تتعدّى مسافتها 1250 كلم. وبعد إصرار من النائب سامي الجميّل على فرض الرسوم على من يتنقلون بطائرات خاصة عبر دفع مبلغ 400 الف ليرة، أضيف هذا التعديل على المادة، وأقرّت.

وصدّقت المادة المتعلقة بتقرير اللجنة الفرعية المنبثقة عن الهيئة العامة التي تتعلق برسم اليانصيب الوطني، وصدقت معدلة المادة المتعلقة بقانون ضريبة الدخل فبدل 8 في المئة أصبح الرسم 15 في المئة. وصدقت المادة المتعلقة بالرسم العقاري، وطلب بري شطب المادة السابعة عشرة المتعلقة برسم الانتقال، ودعا إلى وضعها مع الإصلاحات، وصدقت المادة المتعلقة بالضريبة على أرباح شركات الأموال لتشطب المادة 23 لأنّ هناك قانوناً شبيهاً بها. وكذلك المادة 24 وقد تحدث عن سبب شطب هذه المادة الوزير محمد فنيش.

أنهى رئيس المجلس مناقشة الإيرادات، وانتقل إلى السلسلة. رئيس المجلس المصرّ كما نقل عنه النواب على إقرار السلسلة، لم ينجح في ذلك، فإصراره قابله وجود نية عند تيار المستقبل بعدم إعطاء الحقوق لأصحابها، الذين كانوا يعتصمون في ضواحي ساحة النجمة، والذي ارتأى النائب علي عمار أمام المذبحة التي ستلحق بهم أن ينسحب من الجلسة من دون التنسيق المسبق مع كتلته، لاستظلال الشمس الحارقة معهم.

لم يستطع الرئيس بري إقناع عمار بالعدول عن الانسحاب، بقيَ مصراً على الخروج ونصرة القطاعات النقابية والعمالية والموظفين. هذه القطاعات التي انضمّ إليها أيضاً وزير التربية الياس بو صعب بناء على طلب رئيس المجلس للطلب من رئيس هيئة التنسيق حنا غريب من دون أن يسمّيه الاعتذار عن الكلام الذي قاله بحق النواب، وإلا فإنه سيرفع دعوى مباشرة ضدّه، ليعود بو صعب بعد قليل حاملاً الاعتذار خطياً إلى الرئيس بري. والسؤال من سيعتذر ممّن بعد الذي حصل يوم أمس. هل سيطلب الرئيس بري من النواب الاعتذار من تلك القطاعات؟ أم أنه يدرك أن لا جدوى من ذلك؟ فالشعب اللبناني بات يدرك من يقف معه لتحصيل حقوقه، ومن يسعى إلى انتزاع هذه الحقوق المشروعة منه.

لقد كانت جلسة الامس أشبه بكباش بين حزب الله وتيار المستقبل، الذي يتحمّل وفق نواب كتلة الوفاء للمقاومة المسؤولية عن كلّ ما جرى، لا سيما لجهة إصراره على الانتقاص من رواتب العسكريين وحقوق المعلمين والدرجات الستة للأساتذة.

وفي السياق أكد النائب علي فياض لـ»البناء»، بعد انتهاء الجلسة أنّ الوفاء للمقاومة لم تقف عقبة أمام أحد، فكل ما نريده يتمثل بأن يحصل العسكريون والمعلمون على حقوقهم كاملة، وحيث اقتضى التدخل لتصحيح بعض المواد تدخلنا، لافتاً إلى «أنهم كانوا إيجابيين في النقاشات على أساس تحسين وضع السلسلة، فليس بإمكاننا الموافقة كيفما كان على المواد الواردة في المشروع.

واعتبر فياض في مؤتمر صحافي عقده في المجلس «أنّ إقرار سلسلة عادلة تستجيب للحقوق الكاملة من شأنها أن تساعد على تحقيق أهداف اجتماعية، وتساعد اقتصادياً على زيادة معادلات النمو المرتقبة في ظلّ التوقعات السائدة لمعدلات نمو منخفضة في العامين المقبلين. وشدّد على أنه «ينبغي مقاربة الأمور برؤية اقتصادية اجتماعية شاملة، وليس بعين محاسبة بحتة، وهذه الرؤية يفترض أن تستند الى خلفية تحدّد دور الدولة بوصفها دولة راعية اجتماعياً واقتصادياً وليس دولة مرفوعة اليد ومجرّد حارس كما يريدها البعض في السلطة».

وفي السياق نفسه، أكد النائب نواف الموسوي لـ»البناء» أنّ حزب الله لن يقبل بحقوق مجتزأة أو مبتورة للقطاعات النقابية، كما انه لن يقبل بتهريب أصحاب الرساميل تحت عناوين مختلفة، مؤكداً انهم لن يكونوا جزءاً من أي تسوية. وانسجاماً مع ذلك حضر رئيس الكتلة النائب محمد رعد الاجتماع الذي ضم رئيس المجلس إلى ممثلي الكتل النيابية والذي انعقد في مكتبه، انسجاماً مع موقفهم بأنهم سيبقون خارج التسويات.

نجح نواب الوفاء للمقاومة في البقاء خارج البازار التسووي الذي لم يوصل الكتل التي شاركت فيه إلى أي نتيجة. فالنقاش في سلسلة الرتب والرواتب الذي لم يقفز فوق المادة الاولى التي صدقت، على عكس ما حصل في الايرادات، فعلقت المادة الثانية المتعلقة بتمويل سلاسل جداول الموظفين في الملاك الإداري العام، حيث أثار موضوع الاسلاك العسكرية جدلاً واسعاً لجهة التوازن مع الموظفين، الأمر الذي أدى الى تعليق الجلسة ربع ساعة، لتقرّ المادة الثالثة المتعلقة بالمدرّسين معدلة باستثناء المفتشين التربويين. كما أقر خفض العطلة القضائية الى شهر وجعل الدوام الرسمي للموظفين من الثامنة صباحاً الى الخامسة بعد الظهر، ليفقد النصاب عند المادة 28 عند الساعة الحادية عشر والنصف، أي قبل 30 دقيقة من انتهاء من مهلة التشريع التي تنتهي منتصف ليل 15 آيار، فترفع الجلسة.

هذا، ولم تخل الجلسة من بعض اللقطات، فالوزيرة أليس شبطيني رُصدت وهي منشغلة بحلّ «الكلمات المتقاطعة» وبتناول الشوكولا، فيما انشغل الوزير بطرس حرب بترقب الساعة أكثر من مرة.

كما برز كلام للنائب علي عمار في الجلسة المسائية بعد عودته عن انسحابه عند مناقشة العطلة القضائية بالقول هذا الأمر كان يجب أن يناقش بحضور الوزيرة شبطيني فضحك النواب بصوت عال، ليردّ الرئيس بري عليه كان أحلى لو ما رجعت. أما الأهضم فكان الوزير وائل أبو فاعور الذي عندما سئل مساء إن كان سيغادر بالقول: «أدينا قسطنا للعلى، جئت إلى الجلسة للتصفيق للوزيرة شبطيني التي سألت عند مناقشة الأملاك البحرية ماذا لم تتناولوا العقوبات الجزائية لضمان تنفيذ هذا القانون؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى