السفاح الجديد
شهناز صبحي فاكوش
أطلق السفاح العنان لرغبته الدموية الجامحة… فهي تتملّكه وتقبض على رقبته في حقد إرثي على العرب كحبل المشنقة، التي علّق عليها عشرات الرجالات في سورية ولبنان زمن رفض الاحتلال العثماني.
ضاق الشعب من تشديد الخناق عليه، حتى كاد يتفجّر موتاً من ضغط المحتلّ، فثار في وجهه، مطالباً بحريته، فكان الردّ من «جمال باشا السفاح» حبل المشنقة.
يقول المثل الشعبي العرق دساس ، ويتبدّى امتداد هذا العرق اليوم في أردوغان الذي يستثير عروقه الدموية السفاحية فيضخّها إلينا عبر المجاميع الإرهابية…
يقول العائدون من تركيا هرباً من ضيق المشهد وقبحه… أنّ الداعشيين يتنقلون وينتشرون في شوارع اسطنبول أكثر من الأتراك. وهم يقفون في أرتالٍ طويلة، على كوات المصارف، كلّ له رصيدٌ بالعملة الصعبة، مغمّس بالدم السوري، يستجرّ منه ما يشاء.
يزداد حقن المبالغ تباعاً، فلا يفرغ الرصيد، لكن ما المقابل؟ هو يتحرك بحرية أكثر من الأتراك أنفسهم، الرصيد يرتفع بازدياد قطفه لأرواح الأبرياء… وقطعه لجدائل الصبايا… وخطفه لأرواح الأطفال والفتيان بغير رحمة…
تتراكم الأموال مصرفياً، كلما حرق الورود وغطى وجه الأرض بالرماد… عندها، يصفق له السفاح بحرارة أكبر، ويرمي في حجره الأعطيات… مجزلاً أثمان الموت.
ليس مهمّاً لديه إنْ رمى الحزن بجلاله على نفوس الأهل والأحبة، في ألم فراق الأبرياء… وتهجيرُ القتَلَةِ أناساً أكثر من بيوتهم، ليمنحها للغزاة الغرباء، أو صادر أموالاً وأملاكاً أكثر، كلما سبى نساءً أكثر، ثمن الحزن زيادة الرصيد عند السفاح.
سفاح الأمس العثماني قضى مقتولاً بعد نحو سنوات ست من ليلة نصب مشانق الأبطال… أيظنّ سفاح اليوم أنه سيظلّ ينعم بدمائنا إلى أن يطفو رقم الشهداء في قائمة القتل، ليكون متفوّقاً على جدّه الطوراني، بئس التفوّق لمن تبت يداه!
الأرض تبدّل بياض الزهر فيها أحمر، موشىً بلون وجنات الصبايا، المصطبغة بحناء دم الشهداء، لن تهدأ ولن ترقد الأرواح بسلام، إلا بقصاص الطوراني الأرعن، دم السوريين أغلى من أن ينتهكه سليل أبا لهب الجاهلية، أو سفاح العثمانية.
تراتيل الصفصاف ودم الرمان الأقحوان الذي يستحي من بياضه في لقاء شقائق النعمان… كلها تعزف على قيثارة الحزن لحن الشهيد، مشبعاً بزغاريد الخنساوات، في وداع الشباب الأغلى.
كواكب تتلألأ في سماء الوطن، تنال ضياءها من قناديل زرعت في الشوارع والساحات، أنبتت حواضر من الجنة، بعد أن غمرها التراب الطاهر، وسقتها دموع الثكالى واليتامى، أرواحاً توضّأت بماء الكوثر، وشربت من كفّ النبي هنيئاً مريئاً حيث لا ظمأ بعده.
بينما تستحم الأرض بدموع السماء الأغلى انهماراً، ينال رصاص القتلة من أجساد الأحرار… ويصمّم الصحب على المضيّ لتحرير الأرض وحفظ العرض من دنس الغازين، الشوك الذي يملأ البوادي لا يدمي إلا أقدام وأيدي العابثين.
هذا الشوك يسحقه البوط العسكري حتى يصبح سماداً للأرض، فينبت عشباً أحنّ من الحرير على أجساد المقاتلين المدافعين، عن سيادة الأرض وحصانة العرض، في مواجهة القتلة والغزاة، شباب يرخص الروح بحثاً عن الخلود والحرية الحقة.
تضرم الحمرة أفق الشمس عند الغروب، وهي تعكس ضياء الأرض الموشّى بدم الأحرار والأبرياء، وتمرّ الغيمات لتحضنها بحنان كما احتضان التراب لجثامين الطاهرين، يصلي القمر عليها الصلاة الأخيرة قبل الأفول… مكللة بالياسمين.
تبرق الرسائل من أرواحهم أبداً، هي الأرض لنا والدرب سلكناه أسوة بالخالدين، لم نهب موتاً وهب لنا حياة الخلود. الجنة تزهو بنا فنحن محطة اللقاء بين الله والبشر، لا تقفروا الدرب مهما كان طويلاً، فليس لنا ولكم إلا النصر أو النصر لننعم معاً.
فتنة الورد تمحو فتنة الطائفية، التي يحاولون زرعها فينا، كي تنبت شوك الفرقة والجاهلية… ظنا أنه يدمينا، ناسين أنه يسحق بأقدام الأباة، و بصطار المنذورين للدفاع عن الوطن ومتطوّعيه… رجال الجيش العربي السوري.
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، الجنة تزهو تحت ظلال سواعدهم، حيث يزهر الجلنار والنخل والعنب في حاضنة الخلود، وخز الشوك لا يدمي الأيدي الطهور التي لا تحبّ القتل، أما تلك التي استمرأت بث الموت فهو يسكنها، لتزداد قيحاً ودمامل.
ما كان للسفاحين من حياة تطول، والتاريخ يشهد ويصمهم بالملعونين… دم الأرمن الأبرياء، والعرب الأتقياء، ورجالات الحرية، وأطفال فلسطين القضية، كلها لها لعنة تطوّق أعناقهم، حتى تتدلّى فوق نحورهم، من هول وثقل ما تحمل، وهي ما تزال تضيق وتضيق حتى تزهق أرواحهم… ثأراً للأبرياء.