المهم أن يتّسع صبر عون وصدره
روزانا رمّال
لطالما دعا العماد ميشال عون إلى سلسلة إصلاحات وتحديثات باتت ضرورية لإعادة إنتاج صيغة حكم تتوافق مع الظروف الراهنة التي يعيشها لبنان، مكرّراً الحديث عن المراحل الذي قطعها وعن كلّ ما تغير، وخصوصاً من مرحلة ما بعد الخروج السوري من لبنان، إضافة إلى إثارته موضوع اتفاق الطائف وحقوق المسيحيين وغير ذلك مما بقي وسيبقى موضوع نزاع طويل بين الطوائف.
اعتاد اللبنانيون أنّ كلّ زعماء الطوائف يلجأون دائماً إلى خطاب المظلومية للإيحاء بالتضحيات المقدمة، مقارنة بتنعم سواهم بعائدات النظام والحكم، فيسمعون مثلاً طرفاً شيعياً يشير إلى زهده في السلطة، مذكراً بأنه لا يطلب وزارات ولا مناصب، ومارونياً ينشد حقوقه الضائعة، وسنياً يتحدث عن معاناته من عدم القدرة على ممارسة صلاحيات منحه إياها الدستور، ودرزياً يدعو إلى مراعاة خصوصيته، كونه ينتمي إلى أقلية.
هذا يعني أن لا أحد في لبنان راض عن ما انتجه اتفاق الطائف الذي جاء كحلّ لوقف الحرب الأهلية، ولا عن الدستور الذي يصبغ نظام الحكم في لبنان، وبالتالي فإنّ الجميع يوافق العماد ميشال عون، بطريقة أو بأخرى، بأنّ هناك ما يجب إصلاحه.
ليس مضموناً أنّ تقابل دعوات عون بالإيجابية، وخصوصاً في ما يخصّ تعديل الطائف، وقد ردّ الرئيس تمام سلام باتهام العماد عون بالهروب، قائلاً: نرفض الطروحات القائلة إنّ الأزمة الراهنة سببها قصور في اتفاق الطائف، والدستور ليس المسؤول عما نحن فيه، بل القوى السياسية كما أنّ إلقاء الموضوع على بنية النظام وتكوينه وعلى الدستور هو في رأيي هروب من المسؤولية».
يريد عون من جهة أخرى أيضاً، إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية على أساس قانون جديد يؤمن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، كما يريد إجراء انتخابات من الشعب أو استفتاء أو انتخابات نيابية قبل الرئاسية وهذا ما لا يمكن اعتباره ممكناً أيضاً، وخصوصاً طرح فكرة قانون جديد في هذه الظروف، ما يتطلب وقتاً أطول يزيد على الفراغ الرئاسي فراغاً أطول، عدا عن أنه لا يلوح في الأفق أي مؤشر على أنّ الفرقاء سيتفقون على قانون بديل ومرضٍ .
يبدو أنّ التيار الوطني الحر، وبعد إطلاق حزب الله المنتصر في القلمون موقفه الداعم له عبر ما قاله أمينه العام السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير المتمثل بأهمية الوقوف عند مبادرات وطروحات العماد عون جدياً، أعطى زخماً بدأت نتائجه في الظهور، سواء في التأييد أو المعارضة، لكن في الحالتين جعل المبادرة في التداول.
وبالنسبة إلى البطريرك الراعي، تفيد مصادر بكركي بأنّ البطريرك كان إيجابياً حيال حركة المبادرات العونية، بعد لقائه نواب التغيير والإصلاح، وأنه مؤيد لكلّ ما يجمع عليه اللبنانيون، وبالتالي يبدو أنّ هذا الموقف ليس سوى تنصلاً من القدرة على التأثير أو مساندة عون كطرف، ما يعني أنّ بكركي التي لن تخرج بأي دعم واضح لطروحات عون لحلّ الأزمات الوطنية، حتى وإن صبت تلك الطروحات في مصلحة الاستحقاقات «المسيحية»، هي نفسها بكركي التي اضطرت بعد كلام السيد نصرالله إلى عدم إهمال مبادرات عون .
لهذه الأسباب، يستطيع العماد عون، وهو يتلقى الانتقادات لمبادراته أو التخلي عنها، أن يفرح لكونه جعلها جزءاً من المشهد السياسي، وطالما أنه لم يفصح عن تقديم قانون انتخابي بعينه كشرط مسبق، صار في إمكانه أن يعتبر أنه إذا كان السعي إلى إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية في لبنان وارداً، فلا بدّ أن تكون على أساس القانون الحالي أي القانون القديم.
تشير المعطيات إلى أنّ التحولات التي ستطرأ على الداخل اللبناني، نتيجة لاستثمار نصر حزب الله في الداخل، سيكون لرئاسة الجمهورية منها النصيب الأكبر، وبالتالي فالمنطقي أمام الطريق المسدود أن نتوقع من العماد عون وحزب الله التواصل المكثف والسعي مع باقي الأفرقاء الحلفاء أولاً والخصوم ثانياً، إلى الدعوة إلى انتخابات نيابية قبل الرئاسية على أساس القانون القديم الذي لن يزعج 14 آذار ضمناً، حسب المصادر.
المأزق الذي سيقع فيه الجنرال عون في حال قبوله الترشح ليتم انتخابه من قبل المجلس النيابي الممدّد له، سيكون مادة نيل من مصداقيته يقدمها مجاناً إلى خصومه الذين سيرون في ذلك حجة للنيل من مواقفه، وسيعتبر بطبيعة الحال تناقضاً مع كلّ دعواته الرافضة للتمديد للمجلس النيابي وللقادة الأمنيين.
حزب الله المنتصر اليوم والمعني أصلاً بترجمة مفهومه لمضمون مكانة الرئاسات من الزعامات الطائفية، في رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، إضافة إلى تسديد الدين الذي يحتفظ به للعماد عون منذ حرب تموز، معني بصرف رصيد المتغيرات القادمة بعد انتصاراته المتلاحقة خلال الأشهر القليلة القادمة وما يترافق معها على مستوى الملف النووي الإيراني، ولعلّ المكان الذي يتسع لمثل هذا التوظيف هو مستقبل الرئاسة في لبنان، ومن أحقّ وأوثق من عون، يقول حزب الله؟
الجرعة الأولى لخطاب السيد أدت وظيفتها، بانتظار الجرعة الثانية وما فيها عن قانون الانتخابات، وبتوقيت يتزامن مع جرعة نصر جديد.