دونمة المجازر… دونمة التقسيم 3
د. نسيب أبو ضرغم
في المقالتين السابقتين، تطرقنا إلى الصهيونية والطورانية لجهة علاقتهما ببعضهما بعضاً، وبيَّنا أن الفكرة الطورانية هي بنت الفكر الصهيوني، وضعت بفضل أدمغة صهيونية عددناها تفصيلاً في المقالتين اللتين قد سبقتا.
وإنه استكمالاً للبحث، لا بدّ من الإشارة إلى نقاط التشابه والالتقاء بين الطورانية والصهيونية، قبل أن نبدأ بمقاربة الضلع الثالث من المثلث الجهنمي، ألا وهو الوهابية.
فما هي نقاط التشابه والالتقاء؟
أولاً: عقدة التفوق عند كليهما:
أ- الصهيونية تقول بشعب الله المختار.
ب- الطورانية تقول: إن الترك هم أعظم أمة في العالم، اختارتها الأقدار لسيادة الأمم.
ثانيا: نظرة كل منهما كنصير متوائم مع الآخر، على أساس أن العلاقة بينهما هي صلة رحم ونسب ودم.
ثالثاً: اتباع أسلوب الغدر والخداع.
رابعاً: تشابه في مخططات الإبادة الجماعية.
خامساً: التشابه في القسوة والإجرام.
سادساً: التشابه الجوهري العنصري العدواني الغاشي.
سابعاً: تشابه في عملية الإبعاد والنفي.
ثامناً: تشابه في الهدف والرؤية تجاه العرب والأرمن.
1 – وتفصيلاً للنقاط الواردة أعلاه، لا بدّ من التوققف عند وقائع ثابتة إضافة إلى محصلات منتوجة من هذا الالتقاء الجهنمي:
أ- إعتبرت الطورانية أن زوال الأرمن وأرمينيا ضرورة أساسية لقيام «دولة طوران الكبرى».
ب- اعتبرت الصهيونية أن زوال فلسطين والعرب قاطبة وعلى وجه الخصوص السوريين في سوريا الطبيعية، ضرورة أساسية لانتصار صهيونيتهم وقيام «إسرائيل الكبرى» – من الفرات إلى النيل.
وهذه «الإسرائيل» الصهيونية التوراتية، لا تقف حدودها عند النيل والفرات بل تتعدى ذلك إلى أعالي أرمينيا: هاكم ما يقوله مناحيم بيغن عام 1985: «إن أراضي كراباخ الجبلية، «هي أرضٌ يهودية»».
ويقول في ذات الصدد المؤرخان اليهوديان: دايفيد أيزنبارت وإيرئيل وايزمن: «إن كرباخ هي الموطن الأصلي لليهود منذ فجر التاريخ».
يستنتج من ذلك تلاقي المصلحة الطورانية واليهودية في إبادة الأرمن من موطنهم الأصلي والتي تشكل كراباخ جزءاً منه.
2 – لقد قامت كل من تركيا و«إسرائيل» على قواسم مشتركة تمثلت بـ:
أ- التشابه في الولادة: حيث أن الرقعة الجغرافية المسماة «تركيا» لم تكن موجودة تاريخياً، وهي ظهرت على مسرح الجغرافيا والتاريخ عبر معاهدة لوزان عام 1923، المعاهدة التي مزق عبرها الحلفاء الإمبراطورية العثمانية، وخانوا الشعوب الأرمنية الكردية واليونانية والعربية. عبر وثيقة سيفر S vres ، حيث اعترفوا لتركيا بالحدود الحالية، الحدود التي تضم أراضي هي لأقوام غير تركية1.
ب- تشابه في العنصرية ونزعة التفوق العرقي.
ج- تشابه في الاغتصاب وابتلاع الأرض.
د- تشابه في التنسيق المبرمج والمنظم لطمس الجرائم والمجازر المشتركة ضد العرب والأرمن.
ه- تشابه في الدعم والتمويل والاندماج في المنظومة الغربية والاعتماد عليها.
و- تشابه وتوحيد في الموقف من القضايا المصيرية المطروحة في المنطقة.
ز- سوء العلاقة الدائمة مع جيران كل منهما، وبالتالي طابع العداء المستحكم.
ح- تشابه في التغني الدائم بأن كلاً منهما هو واحة للديمقراطية.
ط- تشابه في بناء الدولة، فـ»إسرائيل» تعمل على بناء «وطن قومي يهودي» من الفرات الى النيل تحت اسم «إسرائيل» الكبرى، وتركيا تسعى إلى تحقيق دولة طورانية تمتد من البحر الأدرياتيكي إلى أقاصي آسيا وصولاً إلى بحر اليابان تحت اسم «تركيا الكبرى».
ي- تشابه بالأطماع في البلدان المجاورة. «إسرائيل» تطمع بالسيطرة على أراضي أرمينيا ومياه وخيرات الدول العربية المجاورة، وكذلك تركيا، تطمع بالسيطرة على الأرض والخيرات والمياه في كل من سوريا والعراق وإيران وبلغاريا ورومانيا وجورجيا واليونان.
ك- تشابه في مصادرة الأملاك وقوننتها، حيث أنه بعد تهجير الأرمن، عمدت السلطات التركية إلى مصادرة أملاكهم بموجب قانون أصدرته بتاريخ 16 آيار 1915، باعتبارها أملاكاً لا مالك لها. وهذا ما فعلته «إسرائيل» بعد ترحيل الفلسطينيين عام 1948، حيث أصدرت قانوناً، صادرت بموجبه الأموال والأرض المتروكة، معتبرة إياها أملاك غائبين2.
ل- ضرب القرارات الدولية والرأي العام الدولي.
م- معاداة السلم والسلام وحب الحرب.
هذه هي أهم نقاط التلاقي والتشابه، بين كيانين، الأول مجاور لسوريا في الشمال ومقتطع منها أعز أراضيها، والثاني مزروع في جنوب سورية، غُدةً سراطانية تستهدف الفتك بكامل الجسم القومي.
لقد أظهرنا خطورة رأسين من رؤوس المثلث الجهنمي- الصهيونية والطورانية، وفي المقالة التالية سوف نتطرق إلى الرأس الثالث، ألا وهو الوهابية. والتي سنتكلم عنها مركزين على الأساسيات منها، ذلك أننا سننشر في القريب العاجل دراسة مفصلة عن الوهابية منذ نشأتها وحتى اليوم.
مَن هو محمد بن عبد الوهاب، وكيف ظهر في جزيرة العرب، مَن احتضنه، من شجعه ومن ساعده في نشر مذهبه، وبشكل خاص، ما هو مذهبه وما هي تداعيات هذا المذهب؟
1 – «الموسوعة الفلسفية العربية»- مجلد 2- ص 832.
2 – «مخاطر الدور التركي في المنطقة العربية»
د.صالح زهرالدين- ص 21.