هل تُعتبر المرأة مواطناً من الدرجة الثانية؟
لمياء عاصي
خطونا في الألفية الثالثة خمسة عشر عاماً، وما زلنا نطرح قضايا أساسية للنقاش، كما لو أننا في العصور الوسطى. أصبحنا في العام 2015 وما زلنا نناقش حقّ المرأة في نقل الجنسية إلى أطفالها على قدم المساواة مع الرجل، وما زالت القوانين التي تحكم هذا الموضوع تخالف المبادئ والاتفاقيات الدولية، لا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة «سيداو»، التي صدرت عن الأمم المتحدة 1979، وقد أصبح عدد الدول الموقعة على الاتفاقية في حدود 180 دولة. والجدير بالذكر أنّ هذه الاتفاقية هي لمناهضة «أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
ما زال قانون الجنسية في سبع وعشرين دولة معظمها عربية أو إسلامية، غير منصف للمرأة، ولا يعطيها الحق في منح جنسيتها لأطفالها، وهذا يعتبر انتهاكاً واضحاً لاتفاقية السيداو ولأبسط مبادئ حقوق الإنسان التي تساوي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.
إذاً، النقطة الجوهرية هي التمييز بين المرأة والرجل في القوانين، حيث تُعطى للرجل حقوق تمنع المرأة من التمتع بها، بذرائع وحجج واهية مختلفة، حيث تمنح المرأة الأجنبية الجنسية السورية بمجرد زواجها برجل سوري، بينما لا تستطيع المرأة السورية إعطاء الجنسية لأولادها أو لزوجها الأجنبي.
إنّ هذا التمييز هو مخالفة واضحة للدستور السوري 2012، الذي ورد في المادة 23 منه:
«توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع».
وورد في المادة 33 من الدستور: «المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
التناقض واضح بين ما ورد في الدستور السوري 2012، وقانون الجنسية الذي يميز في المعاملة بين الرجل والمرأة على أساس الجنس. وهذا التناقض للأسف موجود في معظم الدساتير العربية حيث وردت مواد ونصوص تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة، لا سيما في ما يتعلق بحقوق المواطنة، بينما الفجوة ما زالت كبيرة بين النصوص الدستورية والقوانين التي تترجم هذه النصوص على أرض الواقع.
مضت ست وأربعون سنة على إقرار قانون الجنسية السوري الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969م، ويحرم هذا المرسوم يحرم المرأة السورية المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأولادها، فقد ورد في المادة الثالثة الفقرة ا : يحصر حقّ منح الجنسية السورية حكماً بالميلاد بمن ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري، دون إعطاء هذا الحقّ للمرأة، بدون ذكر الأسباب، على خلاف المادة الرابعة من المرسوم التشريعي والذي، بموجبه، تأخذ الأجنبية الجنسية العربية السورية بمجرد زواجها من سوري.
كانت المرأة السورية الأولى بين النساء العربيات في حصولها على حقّ الانتخاب والترشح للمجلس النيابي وذلك في عام 1949، تلتها المرأة اللبنانية عام 1952، وفي المقابل، ما زالت المرأة السورية حتى يومنا هذا ضمن نساء 27 دولة يتم التمييز ضدّهن من خلال قانون الجنسية، مع أنّ قانون الجنسية تمّ تعديله في بعض الدول العربية ومنها مصر عام 2004، والجزائر عام 2005 والمغرب 2007، في إطار الالتزام بالمعايير العالمية لتطبيق المساواة بين المرأة والرجل، كما وردت في اتفاقية «سيداو».
قامت منظمات المجتمع المدني بجهود كبيرة، لتحريك هذا الموضوع الشائك والمثير للجدل منذ عشرات السنين، وقدم مشروع قانون «تعديل قانون الجنسية ومنح المرأة السورية الجنسية إلى أطفالها» إلى البرلمان أكثر من مرة، ولكن كانت هناك دائماً أصوات تنادي بالتريث لعدة أسباب، الأول: الذي اعتبر كحجة أساسية، ما يتعلق بأبناء المرأة السورية من رجل فلسطيني وأنّ إعطاء الأولاد هذا الحقّ يعتبر بمثابة نوع من التوطين، وسورية ملتزمة بقرارات الجامعة العربية التي تنصّ على عدم توطين الفلسطينيين في أيّ بلد عربيّ. أما السبب الثاني، فهو أنّ حصول المرأة السورية على هذا الحقّ سوف يؤدّي إلى زيادة زواج السوريات من أجانب، أو قبول السوريات بزيجات موقتة، أما وزارة الداخلية، فقد تحفظت على مشروع القانون، معللة ذلك بأسباب اجتماعية واقتصادية، فمنح الجنسية يُرتّب على الدولة مسؤوليات كثيرة.
هذه الحجج أو الأسباب كانت تساق قبل الأزمة التي بدأت عام 2011، أما الآن فقد بدأت أصوات أخرى تعلو مناهضة لحقّ السورية في إعطاء جنسيتها لأولادها، بدعوى أنّ أطفال من سُمينَ بــ مجاهدات النكاح أو اللواتي تزوجن موقتاً من إرهابيين، سيحصلون على الجنسية السورية، وأنّ الدولة السورية لا يمكن أن تمنح الجنسية لأطفال قدم آباؤهم للقتال والقيام بأعمال الإرهاب في سورية.
إنّ الحجج التي يتمترس خلفها دعاة عدم إعطاء المرأة هذا الحقّ، يمكن دحضها بسهولة، إذ أنّ هذه المحاذير تنطبق على المرأة و الرجل على حدّ سواء، ولا يمكن مناقشة مبادئ عامة أقرّت من قبل دول العالم، من خلال الدخول في تفاصيل حالات محدّدة أو محتملة، بل إنّ المناقشة يجب أن تكون من خلال إقرار حقوق المرأة كإنسان متساوية مع الرجل في كلّ الحقوق والواجبات.
إنّ إعطاء الجنسية للأولاد هو حقّ للإنسان لاعلاقة له بالدين أو الجنس. هو حقّ إنساني له علاقة بالمواطنة كحقوق وانتماء. وأي انتقاص في المساواة الحقيقية بين المرأة والرجل فيه انتقاص من حقوقها كمواطنة. فهل يمكننا القبول بفكرة أنّ المرأة مواطن من الدرجة الثانية؟
للإجابة بالنفي على هذا السؤال، لا بدّ من تعديل قانون الجنسية وإقرار التساوي بين الرجل والمرأة، لجهة منح الجنسية للأولاد والأزواج. وحتى يمكن تلافي الثغرات أو النقاط السلبية التي يمكن أن تنشأ عن موضوع منح المرأة الجنسية لأطفالها والتي تقلق الكثيرين، يمكن تعديل قانون الجنسية وإعطاء المرأة والرجل حقوقاً متساوية مع ترك القرار النهائي للسلطة السياسية، والمهم أن تنتهي عملية التمييز بين المرأة والرجل من حيث المبدأ.
وختام القول، إننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى أن تحسم الدولة أمرها باتجاه الانخراط في النظام الدولي وتبني المعايير الدولية، كخطوة أولية وأساسية للنهوض والسير بالاتجاه الصحيح. إنّ أي مناقشة لهذا الموضوع يجب أن تستند إلى المبادئ العالمية والدستور الوطني، لا يمكن أن نبقى في حالة مراوحة، بذريعة الأوضاع الخاصة والظروف الحساسة وما شابه ذلك من حجج لا أساس لها، سوى الإمعان في التمييز ضدّ المرأة وإعاقة قدرتها على المساهمة في الوطن، جنباً إلى جنب مع الرجل.