السعودية تدعو إيران… من الذي تغيّر؟
فيصل عبد الساتر
المطّلع على العلاقات السعودية – الإيرانية يدرك أنّ التعنّت السعودي لم يأتِ من فراغ، وإنما هذا ردّ متأخر على السياسات كافة التي كانت تتبعها المملكة السعودية تجاه إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979 وتبنّيها ودعمها حرباً فرضت على إيران من قبل نظام صدام حسين لسنوات ثمانٍ، والسعودي كان أحد أهمّ الداعمين لهذه الحرب.
مرّت العلاقات السعودية – الإيرانية منذ تلك الفترة بفترات كانت تتراوح بين محاولة لرأب الصدع ومحاولة لاستعادة العلاقات إلى أن تكون علاقات شبه جيدة، وصولاً إلى أن تكون العلاقات جيدة في فترة من الفترات، لكنها فشلت في الفترة الأخيرة بعد وصول الرئيس أحمدي نجاد، لأنّ السياسة السعودية كانت دوماً سياسة سلبية حيال كلّ ما كانت تقوم به إيران في المنطقة.
كانت السعودية ترفع دوماً شعاراً أنّ إيران تشكل سياسة عدوانية حيال دول الخليج ومنها السعودية، وإصرار السعودية على ذلك لإثارة حماسة بعض الدول الخليجية الأخرى واستجابة للشروط الأميركية التي كانت تطلب من السعودية رفع مستوى التوتير في الخطاب السياسي حيال الإيرانيين.
بعد جولة طويلة من المواجهات خاضتها السعودية ضدّ إيران في أكثر من منطقة، أدركت السعودية أنها لم تعد قادرة على المضيّ قدماً في سياسة المواجهة المفتوحة مع الإيرانيين، لأنّ الإيرانيين يتبعون سياسة النفس الطويل ويحصدون النقاط الرابحة في أكثر من مكان.
لو استعرضنا ساحات المواجهة بين البلدين على أكثر من صعيد لرأينا أنّ السعودية أصيبت بالصدمة نتيجة سياستها التي لم تتسم بأيّ أفق، إنما كانت ذات أفق ضيّق في نظرتها إلى العلاقة مع الإيرانيين، وكانت تظنّ أنّ العلاقة بين الإيرانيين والأميركيين والحلف الغربي قد تصل الى حائط مسدود، وبالتالي يمكن أن تتوّج بضربة عسكرية أو بالمواجهة المفتوحة على خلفية الملف النووي الإيراني والكثير من الملفات الأخرى مثل دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، إلى أن جاء ما يُسمّى بمشهد «الربيع العربي» والذي ربما أضاف الكثير من التعقيدات على أجواء العلاقات بين البلدين.
ثمة تساؤلات عديدة تطرح نفسها: لماذا اختارت السعودية أن تكون مع بعض ما يُسمّى «الثورات» في مكان، وانقلبت على «ثورات» عربية في مكان آخر؟ ولماذا كانت ترفع سيف الدفاع عن الديمقراطية في مكان، وتكون ضدّها في مكان آخر؟ ولماذا لم تعمل على نشر ما تسمّيه ديموقراطية الشعوب وتبدأ بنفسها أولاً؟
لا شك في أنّ الساحة العراقية كانت المختبر الأساسي للعلاقات السعودية الإيرانية، فمنذ سقوط نظام صدام حسين كانت السعودية تدفع بجميع المقاتلين من جنسياتٍ متعدّدة كالأفغان العرب وغيرهم من روافد «تنظيم القاعدة»، إلى رفع السيف الطائفي في العراق في وجه السلطة الجديدة والعملية السياسية برمّتها طيلة عشر سنوات، ولا تزال تقوم بهذا الدور، وتعتبر أنّ السلطة موالية لإيران، وكانت التصريحات السعودية ترد على لسان أكثر من مسؤول رسمي وغير رسمي وفي الصحافة السعودية المنتشرة في العالم العربي بأنّ العراق ذهب إلى حضن الإيرانيين، وبالتالي كانوا يتباكون على عاصمة هارون الرشيد وحاولوا تغيير المعادلة من سورية والتعويض عن خسارتهم للعراق «عاصمة الرشيد» بالفوز بـ«عاصمة معاوية».
هذا الإيغال في المنطق التاريخي الذي لا يثير إلاّ الحساسيات بين المجتمعات العربية والإسلامية، ربما ذهبت إليه السعودية محاولة بذلك رفع المنسوب الشعبي لدى العديد من الدول والأنظمة العربية على خلفية العداء للمشروع الآخر الذي تتهمه بأنه مشروع ينطوي على مذهبية فاضحة أو على قومية فارسية مقابل قومية عربية، وفي كلا المنطقين كانت تجافي الحقائق والمنطق التاريخي وطبيعة العلاقات التي كانت تنادي بها إيران منذ انتصارها عام 1979 والتي كانت تحاول مدّ الجسور مع سائر العواصم العربية والإسلامية، وقد يئست من الاتصالات المتكرّرة والرسائل الإيجابية في اتجاه مصر طوال عهد حسني مبارك، وصولاً إلى عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي، وصولاً إلى الفترة الحالية، وتجنّبت الكثير من الممارسات السعودية التحريضية ضدّها.
الآن نشهد إشارات جديدة في السياسة السعودية حيال الإيرانيين، خاصة أنّ أهمية هذه الإشارات تأتي مما يُسمّى صقور السياسة المتشدّدة في السعودية، فعندما تأتي دعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من نظيره السعودي سعود الفيصل لزيارة السعودية، ما يعني وجود أكثر من إشارة إيجابية.
المتابعون والمراقبون للواقع العربي المأزوم لا بدّ في أن يرحبوا بهذا التعاون إذا كان مبنياً على قاعدة صدق النوايا والإرادات في رأب الصدع وفتح صفحة جديدة تكون لمصلحة الشعوب والدول العربية والإسلامية، وليس على قاعدة محاولة تحريض إضافية أو مقايضة بالملفات من ساحة إلى ساحة مثلما يتوهّم البعض.
لمعرفة من تغيّر، إيران أم السعودية، يجب أن نستعرض نقاط الربح والخسارة لكلّ من البلدين:
السعودية مُنيت بخسائر متعددة في أكثر من منطقة عربية، ليس في اليمن والعراق وسورية ولبنان فحسب، إنما في الكثير من الساحات الأخرى.
وفيما لا تزال السعودية تتعرّض لخسارات معنوية وسياسية كبيرة، تتابع إيران تقدمها في جميع الملفات التي تحملها، بدءاً بالملف النووي الذي قد يحمل اليوم أو غداً الكثير من الانفراجات بمعزل عن النتائج النهائية المرجوة من هذا الاتفاق، لكن على الأقلّ لا يستطيع أحد في هذا العالم أن يرغم الإيرانيين على التراجع عن حقهم في تخصيب اليورانيوم أو امتلاكه، بل استطاعوا الثبات في مواقفهم السياسية، لا سيما في دعم سورية والرئيس السوري، وكانوا كذلك أهمّ الداعمين للعملية السياسية في العراق، وها هو الرئيس نورالمالكي يفوز بمقاعد في البرلمان أكثر مما حصل عليه في الدورة السابقة، رغم أنّ السعودية كانت تخوض حملة عنيفة عليه في الداخل العراقي.
في لبنان أيضاً تراجعت السعودية من دولة كانت مقرّرة على الساحة اللبنانية وتحظى باحترام جميع الفئات اللبنانية، إلى دولة باتت تملك دوراً تعطيلياً فحسب.
اذاً، في عملية حصاد موضوعي للنقاط كافة نرى أنّ هذه الإشارة الإيجابية من السعودية إنما هي إشارات تعبّرعن تغيير في السياسة السعودية ستظهر بشكلٍ أوضح في القريب العاجل.