الباش: سورية تدفع ثمن موقفها ضدّ المشروع الصهيوني ومخيم اليرموك سيبقى رمزاً لقضية فلسطين

حاوره: سعد الله الخليل

سبع وستون عاماً، ولا تزال نكبة الشعب الفلسطيني متواصلة. في ذكرى النكبة يؤكد الدكتور حسن الباش المتخصّص في تاريخ القدس وفلسطين، أنّ المشاريع الصهيونية باتت واضحة وتحمل مسألة فكرية خطيرة لأنها تتم بغطاء إسلامي وعربي، تزامن مع ظهور تيارات تزعم رفع شعار الإسلام في مسعى لضرب المشروع الوحدوي، وخلق تيارات تدّعي الإسلام، كأداة لتفتيت الأمة.

واعتبر الباش، في حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز»، أنّ الضرر الذي لحق بمخيم اليرموك رغم كلّ الدمار جزئي وسيبقى رمزاً لقضية الشعب الفلسطيني».

مشروع استعماري

وأكد «أنّ المشروع الصهيوني لإقامة ما يسمى الكيان الصهيوني على أرض فلسطين لا ينفصل عن المشروع الاستعماري الذي بدأ بعد الحرب العالمية الأولى، فاتفاقية «سايكس بيكو» بين بريطانيا وفرنسا وبعض الدول المتحالفة معها عام1919، هي مشروع استعماري كان الجزء الأخطر فيه هو إقامة ما يدعى وطناً قومياً لليهود في فلسطين».

ولفت إلى «أنّ هناك أسباباً دفعت الحركة الصهيونية إلى اختيار فلسطين من بين الخيارات التي كانت مطروحة وتشمل قبرص أو أوغندا أو الأرجنتين، وأهم هذه الأسباب دور الحاخامات الذين أصروا على تغطية التوراة لقيام الدولة عبر «الوعد الإلهي» في فلسطين».

وتابع : «الدول الاستعمارية درست المسألة ببعدها الاستراتيجي، وليس الديني، لتجد أنّ إقامة كيان يهودي في فلسطين مهم جداً، يحقق غايات عدة منها استغلال موقع فلسطين في المنطقة الوسط بين أفريقيا وآسيا وبين المشرق العربي والمغرب العربي وبين الدول العربية الآسيوية والأفريقية، وبالتالي يحدث شرخاً في الأمة العربية بين مشرقها ومغربها. النقطة الثانية هي أنّ هرتزل يقول في مذكراته إنه طرح على الدول الغربية في عام 1901، أنّ هذه الدولة إذا ما أنشئت في فلسطين ستكون سداً منيعاً أمام ما زعمه «البربرية العربية» التي تهدّد الحضارة الغربية».

وأضاف: «إنّ التغيير في مقومات النكبة مرّ بمراحل عدة والنكبة الفلسطينية»، معتبراً «أنّ هذه النكبة لا يمكن فصلها عن نكبة الأمة العربية، التي تطور فيها المشروع الاستعماري نحو التفتيت أكثر فأكثر، وهو غاية مشروع «سايكس بيكو» التقسيمي. فهناك بعض الدول العربية أخذت منحى فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً متطوراً في مصر وسورية، ما أدى إلى بدء مشروع التفتيت منذ حوالي 5 سنوات».

وأكد الباش «أنّ الكيان الصهيوني هو المستفيد الوحيد الآن من تمزق العرب، لأنّ سورية ومصر منذ ما قبل نكبة 1948 تُعتبران قطبي الرحى في وجه مشروع الكيان الذي يُقصد به تدمير هذه المناطق»، مشيراً إلى «أنّ التدمير الحاصل يستهدف الدول التي تساند وتحمل همّ القضية الفلسطينية».

وأشار إلى «أنّ المشاريع الصهيونية أصبحت واضحة وتحمل مسألة فكرية خطيرة، كونها تتم بغطاء إسلامي وعربي تزامن مع ظهور تيارات تدّعي أنها ترفع شعار الإسلام، فالاستعمار عمل على عدة مراحل من تفتيت وضرب المشروع الوحدوي وخلق تيارات تدعي الإسلام، كأداة لتفتيت هذه الأمة».

وعن غياب المشروع العربي أمام وضوح المشروع الصهيوني، قال الباش: « يجب النظر إلى غياب المشروع العربي بعد عام 1917، بالتزامن مع وعد بلفور وغياب الدول العربية في ظلّ الهيمنة والتقسيم والاحتلال الغربي، وفي ظلّ تهيئة آل سعود في الجزيرة العربية عبر قتل آل الرشيد في منطقتي حائل والقصيم. فالمشروع العربي غائب فعلياً، بل كان هناك مخاض لصالح الاستعمار الغربي».

وأضاف الباش: «المشروع العربي فكرياً وسياسياً تجلّى بعد عام 1952 في سورية ومصر، مع امتداد الفكر القومي من هاتين الدولتين، وكانت الوحدة بينهما عام 1958 تجسيداً لهذا الفكر العربي، لكنّ هذه التجربة لم تعش لأكثر من ثلاث سنوات، نتيجة تآمر الدوائر الصهيونية والبريطانية وبعض الدوائر العربية، وعلى رأسها السعودية التي قسّمت ظهر هذه الوحدة، لتعود كلّ من مصر وسورية وحيدة، فالمؤامرة كبيرة جداً ونصف أدواتها من «الزعماء» العرب الرجعيين، ليبقى المشروع الوحدوي تحت نضال الكثيرين مثل الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي كان دائماً يسعى إلى الوحدة، ونتيجة هذا السعي كانت حرب تشرين التحريرية بالتعاون بين مصر وسورية، بالرغم من انحياز أنور السادات الذي حوّل حرب التحرير إلى حرب «تحريك» لتستمر حرب الاستنزاف 83 يوماً، استمر خلالها الجيش السوري في دفاعه حتى استعاد القنيطرة عبر اتفاق معين، لكنّ تخلي السادات عن المشروع العربي واللحاق بـ«كامب ديفيد» مع العدو هو ما أخرّ المشروع القومي العربي.

معاناة بشرية تاريخية

وحول البعد الإنساني للنكسة وما كرسته من معاناة بشرية، قال الباش: «كلّ أمم وشعوب العالم تعيش في موطنها باستثناء الشعب الفلسطيني، فالإحصاءات تقول إنّ تعداد الشعب الفلسطيني 13 مليوناً يعيش منهم على أرض 1948 مليون ونصف فقط، وفي الضفة مليونان وفي غزة مايقارب المليونين». وتابع: «إنّ المفتاح الذي يحمله الشعب الفلسطيني هو تعبير عن الإصرار على العودة، فالقضية ليست قضية تراب بل قضية هوية وانتماء، وكلما مرّت الأيام كبر هذا الوعي والإصرار، وبعد 67 عاماً ما زال هذا الوعي والإصرار، وهذا أكدته مظاهرات الضفة منذ أيام، حتى أنّ بعض القيادات «الإسرائيلية» بدأت تسأل حكوماتها عن أرض السلام الموعودة التي لم تظهر حتى الآن، بالإضافة إلى ظهور النائبة حنين الزعبي في الكنيست لتقول: «أنتم غرباء» علناً، فهذا يؤكد الإصرار على العودة إلى الوطن الأم ومحو ما يسمى النكبة».

واعتبر الباش «أنّ ما يجري وما جرى من مؤامرة على سورية ومصر وليبيا، سوف نشهد مقابله في السنوات المقبلة تغيراً فكرياً وسياسياً كبيراً، فما حصل في المنطقة درس لنا جميعاً، أما ما نراه من قيادات رجعية في دول الخليج فلن يدوم وهذا ما أثبته التاريخ منذ عهد صلاح الدين الإيوبي، وهذا ما يعد بصحوة الأمة العربية تجاه العدو الحقيقي الذي هو إسرائيل».

وأضاف: «العدو الصهيوني، عبر ما يفعله في شعب فلسطين، يريد القول إنه متمسك بكلّ قوة بالأرض التي احتلها، في مقابل مواجهة الشعب الفلسطيني الحي والمقاوم حتى استعادة أرضه المغتصبة. النهوض العربي قادم جراء ما يحدث في فلسطين والمنطقة العربية». وقال: « هذه محنة لا بدّ منها وهناك دول عربية تدفع الثمن ولكن سيكون هناك ثمن تدفعه الدول الاستعمارية عاجلاً أم آجلاً مع الكيان الصهيوني «، مستذكرا «مشهد القمع والإرهاب بالتزامن مع مشهد شعب مقاوم ما زال يقوم بعمليات دفاعية تُثبت أنّ فلسطين أرض الآباء والأجداد».

وعن الفرق في التعاطي مع قضية الشعب الفلسطيني بين حكومات اليمين واليسار الصهيوني، أجاب: «هناك مسألة بديهية لا بدّ من الإشارة إليها وهي عدم وجود فرق بين يمين ويسار ووسط في الكيان الصهيوني، فالجميع مجمع على شعار واحد «أرض إسرائيل» والخلاف بينهم هو على القضايا الاقتصادية والاستيطان، لجهة سرعة التنفيذ، فاليسار المتمثل بحزب العمل أقام الكيان من بن غوريون إلى غولدا مائير. أما اليمين فهو الليكود مع الأحزاب الدينية، وهذا ما يؤكد التوافق في الشعار الرئيسي بينهم، فالخلاف تكتيكي وليس استراتيجياً».

ودعا الباش «منظمة التحرير الفلسطينية» إلى إيقاف ما سمي اتفاقية «أوسلو والتي شطب منها العدو ثلاثة عشر بنداً على رأسها بند الكفاح المسلح»، مطالباً إياها «بالرجوع إلى خط المقاومة لأنّ طريق أوسلو لم يجد نفعاً منذ 22 عاماً، فالاعتداء والاعتقال والقتل مستمر حتى الآن، فأي دولة فلسطينية مع استمرار الاحتلال والاستيطان، فالمستوطنون في الضفة وشرق القدس أصبح عددهم 350 ألفاً، ولهذا لن يتوقف، رغم كلّ الاتفاقيات والمفاوضات».

تياران في العالم العربي

في الشأن العربي، أشار الباش إلى «أنّ الصراع بين التيار الرجعي والعروبي المستمر منذ زمن بعيد، أصبح واضحاً الآن بشكل فج»، لافتاً إلى أنّ «الانقسام الحاصل في الأمة العربية من المستحيل أن يمهد لتحرير فلسطين، وهذا الفرز أوجد فئات تريد المدّ القومي العربي الذي يحرّر فلسطين وهناك فريق منخرط في الاستعمار الأمر الذي يغيّب مؤشرات نهوض للأمة لكنّ المستقبل يحمل الآمال، وهذا المخاض سيخلق جيلاً جديداً يعرف من هو العدو ويركز عليه».

وذكّر الباش بأنّ «التآمر على هذه الأمة لم يحدث على الدول الخليجية وعلم درس حقيقياً لإدراك الفرز بين نظام ونظام، وبين قيادة وقيادة». وتابع: «من يؤمن بالعروبة يقف إلى جانب الوحدة ومن لايؤمن فهو إلى جانب الرجعية فلا بدّ من أن يحقّ الحق، وعلى المثقفين إدراك أنّ الأمة لايمكن أن تسير اتجاه الوحدة إلا إذا أفرزت نفسها».

واستذكر لقاء عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأميركي روزفلت عام 1934 «حين قبل عبد العزيز بوطن قومي لأولاد عمه اليهود في فلسطين»، وقال: «حين أبلغه روزفلت بأنهم شعب مشاغب ردّ عبد العزيز إنّ دواءهم هو السيف. فالقناعة الخليجية اتبعها الأردن بإنشاء إمارة شرق الأردن، وفي العراق دولة ملكية كان ملكها فيصل الأول، فهذا فعل الاستعمار باختيار القيادات المرغوب بها، وهو ما يجب النظر إليه بدقة لما تنفذه هذه الدول الرجعية من مشروع أخطر من النكبة ويُراد به إحداث نكبة كبيرة «.

المؤامرة ضدّ سورية فلسطينية الأهداف

أما في الشأن السوري، فقد أكد الباش «أنّ موضوع التآمر على سورية لايمكن فصله عن موضوع التآمر على فلسطين، فسورية بجزء منها تدفع الثمن العروبي ضدّ مشروع الصهيونية لأنّ التيار العروبي عبر التاريخ يخرج من سورية وهذا ماجعلها هدفاً، وكذلك العراق العمق الاستراتيجي لسورية. هذا ما يجعل هذه الدول أهدافاً كونها عمق المشرق وحضارة الأمة وهو ما يشكل تطوراً في نمو الفكر القومي والوحدوي المستهدف أيضاً».

ورأى أنّ «استهداف مخيم اليرموك له جذور تاريخية منذ عام 1982 إبّان الاجتياح الإسرائيلي حين قاتل أبناء المخيمات السورية مع المقاومة الفلسطينية، وآنذاك قال آرييل شارون «لك يوم يا مخيم اليرموك»، وهو الذي يشكل رمز عاصمة الشتات في المخيمات الفلسطينية لأنه يحوي عدداً كبيراً من المثقفين». وأضاف: «ما تمّ تهجيره من فلسطينيي سورية هو 165 ألف فلسطيني بينهم 54 ألفاً من مخيم اليرموك، وهذا هدف تسعى إليه أوروبا التي تزايدت فيها أعداد الكهولة فأصبحت تحتاج إلى جيل شاب فعملية التهجير ممنهجة حتى يسقط حقّ العودة إلى أرض 1948 وهذا لن يتحقق».

ولفت إلى أنّ «تطورات مخيم اليرموك منذ سنتين ونصف السنة تشير إلى مؤامرة إسرائيلية ومع دخول داعش تبين وجود مؤامرة كبيرة تضغط باتجاه زيادة التهجير من المخيم، فالهجرة مستمرة إلى الخارج ومناطق الجوار مثل يلدا وبيت سحم، وهناك حوالى 3 آلاف نسمة عالقة في المخيم، نناشدهم عدم الخروج حتى لا يتم تخريب المخيم من قبل الإرهاب».

وختم الباش: «الوضع الإنساني في المخيم صعب جداً لجهة الأمن والأمان وسلب الحريات وقطع الرؤوس فهذا تطبيق لمنهج الغابة، أما الوضع المعيشي فهو ضيق بسبب الحصار، رغم بعض المساعدات الصغيرة من قبل المنظمات، وأنا أستبعد أي مصالحة مع الإرهاب التكفيري والحلّ الوحيد هو اتحاد الشعب الفلسطيني والمنظمات الفلسطينية تحت خيار الحلّ العسكري، بما لا يلحق الضرر بالمخيم الذي سيبقى رمزاً لقضية كلّ فلسطين».

يُبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة مساءً ويعاد بثه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» تردّد 12034

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى