مختصر مفيد
مختصر مفيد
الحرب التي تعيشها سورية لا تقاس بالسؤال إلى متى، بل إلى أين. فـ«إلى متى»، هو السؤال الذي يطرحه الواقفون على ضفة الهزيمة، لأنه يخفي هزيمتهم بالاستنتاج المنطقي لسؤالهم، أنّه كفى، فيصير الانهزام فضيلة بذريعة التخفيف على الناس من معاناتهم، ومن السائل ومن المجيب؟ هما من صنع المعاناة والمأساة، لكنه في وقت الهزيمة يخترع لها مصطلحاتها، من شعار الانسحاب التكتيكي إلى شعار نهائي، ليس المهمّ من ينتصر اليوم، فكلّنا مهزومون لأنّ البلد والناس من يدفعون الثمن، والسؤال لماذا لم يكن هذا الحنان على البلد والناس يوم كانت في يدهم المبادرة، والحرب تميل كفّتها لمصلحتهم، أما سؤال «إلى أين»، فهو السؤال الجدّي الذي يطرحه أصحاب القضية سواء كانوا في حال نصر أو هزيمة، لأنه سؤال العلم الذي يجمع الفيزياء والكيمياء بالسياسة، حيث يصير وقت استهلاك التحوّل تفصيلاً من صفاته، لا العنوان الأبرز فيه. وعبر سؤال «إلى أين»، نستيطع أن نرسم البانوراما التي ترينا المشهد وخلفياته.
يرحل الأخضر الإبراهيمي وهو صاحب مهمة لا رسول سلام، فشل في المهمة أو صار تحقيقها مستحيلاً فيرحل، كما تنسحب الأساطيل، لا داعية خير فشل في مسعاه فيئس وقرّر الرحيل حزيناً على الضحايا والخراب. يرحل الإبراهيمي بعد تلويحه بالرحيل منذ رحلت الأساطيل وبدأت علامات الفشل تلاحق مهمته، فتبدّلت المهمة من استثمار الضغطين العسكري والسياسي لإملاء شروط الاستسلام والرحيل على الرئيس بشار الأسد، إلى استثمار فتح باب العملية السياسية في جنيف لإجهاض الانتخابات الرئاسية. ولمّا فشل الإبراهيمي في الإثنتين، وصارت تسوية حمص علامة النهاية العسكرية المحتمة، وبدت الانتخابات الرئاسية آتية لا ريب فيها، رحل الإبراهيمي. وعندما يصير الحسم الدستوري ملاقياً الحسم العسكري، يصير المطلوب مهمة دبلوماسية من بوابة سورية لاختطاف الاستحقاق الرئاسي اللبناني قبل أن تسترد عافيتها لتسترد دورها.
الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعض من معادلات المنطقة الحساسة، لأنّ الرئيس قادر على التحوّل إلى شوكة مزعجة في خاصرة المقاومة، أو مصدراً للتكامل معها، أو مجرّد شرطي سير للخلافات حولها، أو رجلاً لكلّ ميزان قوى شعار ومهمة. وبمقدار اهتمام الدول الغربية والعربية بأمن «إسرائيل»، فهي معنية بهوية الرئيس ونظرته إلى المقاومة. من هنا يحسم الجواب على مستقبل الاستحقاق، ما لم يقع تفاهم كبير واستراتيجي لا يبدو في الأفق، لا يبقى فيه للمقاومة وتعامل الرئاسة معها ما لها اليوم. لن يكون العالم الخارجي حيادياً تجاه هوية الرئيس العتيد إقليمياً، وسيبقى الميل إلى رئيس قادر وقابل ومقدور عليه لمهمة محددة هي تدوير الزوايا، وسيبقى العائق المسيحي اللبناني بالإصرار على رئيس من وزن المرشحين الزعماء مقابل الرغبة الخارجية برئيس ينقصه اللون الواضح، سبباً كافياً لبقاء الفراغ، ولذلك على اللبنانيين المؤمنين بمواصفاتٍ وصفاتٍ لرئيس بلادهم، أن يقولوا: «نحن لا نخشى الفراغ».
المعادلة الدولية تبدو بعيدة عن صنع تسويات شاملة لتكون منطقتنا جزءاً منها، إذ يصير التعايش مع الفشل أقلّ إحراجاً من منح الشرعية لنصر الخصوم. وهذا يعني بين روسيا وأميركا في أوكرانيا وسورية مواصلة الاشتباك، ويعني في أفغانستان مواصلة التعاون، وفي الساحة الاقتصادية اختبار عضّ الأصابع، وفي الملف النووي الإيراني الإسراع في الحلول، وفي المفاوضات الفلسطينية ـ «الإسرائيلية» إدارة الفشل، وفي التعاون الاستخباري تبادلاً مكثّفاً للمعلومات.