معرض «بيروت ـ بغداد… رسالة محبّة»… جسور ألفةٍ شُيّدت من تماسك اللون في بوح الأصابع

لمى نوّام

الفنّ التشكيليّ، آفاق بلا حدود. وحتى لو عانت الأوطان وتألمت الشعوب وتوالت الانتكاسات، يبقى الفن التشكيليّ لغة البوح، ومن الوجع ينبت الإبداع. فالفنان سيرسم ولن يتوقف. ريشته يغمسها في روحه ويطلقها في مساحات لوحاته. أما نحن، فما علينا إلا أن نشير إليه ونسمع صوته.

الفن التشكيليّ ظاهرة حيوية، وهو صدق في التعبير، وهو الغلاف والمحتوى اللذان يعكسان رسالة الحضارة وينقلانها إلى الاجيال وإلى العالم. لذا، إنّ آفاق هذا الفنّ مفتوحة وستبقى.

وإذا كانت بيروت وستبقى ملتقى للمبدعين من الدول العربية ومن العالم أيضاً، فإنّ قصر الأونيسكو، يبقى الصرح الأكثر استقطاباً لفعاليات الفن التشكيليّ، من معارض وندوات، وما إلى ذلك. ففي أروقة قصر الأونيسكو، أقام المركز الثقافي العراقي في بيروت، بالتّعاون مع «مؤسّسة نجوى قلعاني»، معرضاً مشتركاً عنوانه «بيروت ـ بغداد… رسالة محبّة»، ضمّ خمسين عملاً فنيّاً متميّزاً، لنخبة من ألمع الفنانين التشكيلييّن في العراق ولبنان.

قصّت شريط الافتتاح القائمة بالأعمال في السفارة العراقية بري خان شوقي، وتجوّلت في أروقة المعرض مبديةً إعجابها بالأعمال الفنيّة المعروضة. مباركةً للمركز الثقافي العراقي في بيروت جهوده في الانفتاح على المؤسّسات الثقافية، سواء كانت من العراق أو لبنان، من أجل تقديم المشهد الثقافي العراقي بأرقى صورة تعكس الفن والثقافة العراقيَّين على ساحة لبنان.

المعرض تضمّن أكثر من خمسين لوحة لعشرة فنانين تشكيليين مبدعين من لبنان والعراق، وهم من العراق: ليلى كبة كعوش دبلوم في الفنون والتصميم ، محمود شُبّر دكتور فنون ورسم ، قاسم السبتي بكالوريوس فنون تشكيلية ورئيس جمعية الفنانين التشكيليين في العراق ، حسام عبد المحسن ماجستير أكاديمية الفنون الجميلة ، وسالم الدّباغ خريج أكاديمية الفنون الجميلة العليا ومتخصّص في الرّسم والغرافيك . ومن لبنان: الياس ديب دكتور في الفنون وعلوم الفنّ ورئيس نقابة الفنانين التشكيليين والنحاتين اللبنانيين ، عادل قديح باحث في الفنون التشكيلية والتربية الفنية ، هند الصوفي دكتوراه في فلسفة الفن وعلوم الفن ، آسيا مسابكي ماجستير في الرسم والألوان ، وديما رعد ماجستير في الرسم والتصوير وعلم الآثار .

لوحات الفنانين حملت رسائل الحرب والطفولة والوجع، وكان النداء عبر اللون والحركة الصامتة، وجميعهم وقفوا مع دائرة الحياة وهموم الوجود.

معرض «بيروت ـ بغداد… رسالة محبّة»، الذي اختُتم أمس الأربعاء، هو باكورة التعاون بين المركز الثقافي العراقي في بيروت و«مؤسّسة نجوى قلعاني». وحظي بحضور حاشد من المثقّفين والفنانين التشكيليين وأساتذة الجامعات ووسائل الإعلام المختلفة، إذ أبدى عدد منهم إعجابهم باللوحات المعروضة التي تُظهر تقاسم الخبز والملح، عبر أنامل لبنانيّة وعراقية، وبنى جسور محبّة شيّدت من تماسك اللون في بوح الأصابع، فأيقظت منازل الضوء، ونسجت في الخيال قصائد اللون والظلال.

مدير المركز الثقافي العراقي الدكتور علي عويّد العبادي تحدّث إلى «البناء» قائلاً: أن هذا المعرض لهو رسالة محبّة انطلقت من بيروت الفنّ والجمال إلى بغداد الثقافة والأدب، وعلى رغم كلّ الجراح التي تثخن العراق، تبقى الثقافة أسمى رسالة يقدّمها المبدعون في بلاد الرافدين إلى العالم».

وقالت نجوى قلعاني رئيسة «مؤسّسة نجوى قلعاني»: «في ظلّ الأحداث التي تعصف بالمنطقة، أردنا أن يكون هناك ضوء وفسحة بيضاء في زمن لا يعرف إلا الأسود والدّم. وهل أجمل من بغداد وبيروت في سحرهما؟ المدينتان كانتا وما تزالان حلم العاشق، وإلهام الشاعر، وروح الفنان. وبما أننا أردنا أن يكون النشاط معرضاً تشكيلياً، لذلك اعتبرنا أنّ كلّ لوحة هي رسالة ولغة. والمحبّة هي الجسر الذي يربط تلك المسافات، إنما باللون والنور والظلال».

وعن تعاونها مع المركز الثقافي العراقي في بيروت قالت قلعاني: «المركز الثقافي العراقي في بيروت شمس لا تحتجب. فهو في خضمّ حركة ثقافيّة مستمرة ولافتة، وقد كنت من متابعي كلّ حدث فيه. والدكتور علي عويّد العبادي رئيس المركز رجل عرف كيف يُغْني المركز بالنشاطات العراقية، فأضاء الليالي الكثيرة بلقاءات عراقية متنوّعة المواضيع، إلى أن كان الاتفاق على إقامة نشاط مشترك بين بيروت وبغداد عن طريق مؤسّستنا، فكان هذا المعرض المشترك».

وأضافت: «مؤسّستنا حديثة العهد، إذ أُسّست منذ أشهر، وهي تهتم بكل إنتاج فكريّ ثقافي فنّي، كإقامة المعارض، وتسليط الضوء على المثقفين. كما أنها تهتم بالأمور التجارية، وهمّها الأوّل الإشارة إلى الحِرَف اليدويّة، فتشتري ما تنتجه الأنامل في القرى والبلدات وتسوّقه، وبذلك تشجّع صاحب الحرفة على الاستمرار في العمل، وتؤمّن له مورداً مادياً. كذلك تضيء على حِرَفٍ صارت على شفير الهاوية أو الانقراض بعدما دخلت التكنولوجيا حياة الناس. وتسعى المؤسسة إلى تشجيع الإنتاج اليدوي لذوي الاحتياجات الإضافية، ليكون العمل أكثر عطاء. ومع العطاء الإنساني نصل إلى فرح حقيقيّ».

وختمت قلعاني: «الآن معرض بيروت بغداد رسالة محبّة، والمشروع المقبل لا يقلّ أهمية عن هذا، وسيكون مهرجاناً كبيراً يُعلَن عنه في حينه».

وقال التشكيليّ محمود شبّر: «شاركتُ بخمسة أعمال بقياسات مختلفة، وتناولت مواضيعها الأوضاع: السياسي والاجتماعي والفكري في المنطقه العربية بعد «الربيع العربي» المزعوم، وولادة الفكر الداعشي المتطرّف الذي ينهش في جسد الأمّة».

وأضاف: «المركز الثقافي العراقي ومؤسسة نجوى قلعاني فتحا آفاقاً جديدة للحوار الجمالي بين بغداد وبيروت، وبرؤية تعدّت البروتوكولات الرسمية، وبخطاب مختلف عن تلك العلاقات المميّزة بين لبنان والعراق».

وقالت الفنانة ليلى كبّة كعوش، إنّ هذا المعرض يعدّ فعلاً مهرجاناً ورسالة محبّة ما بين بغداد وبيروت. وقد تميّز به المركز الثقافي العراقي في إقامته بالتعاون مع «مؤسّسة نجوى قلعاني». لذلك، نقول مبارك للعراق هذا الإنجاز الثقافي الكبير.

وتحدّث الفنان الياس ديب عن مشاركته في المعرض قائلاً: شاركت في المعرض بخمس لوحات تحت عنوان «رباعيّات الحنين»، هذه الأعمال كانت منفردة لكنني جمعتها فأصبح لدينا معادلة مركبة ومتجدّدة. المضامين التي حاولت طرحها في اللوحات مضامين إنسانية، ووجّهت عبر هذه المجموعة تحيّة إلى بيروت وبغداد لأنني أعتبر أنّ بيروت وبغداد مدينتان أصيلتان غزيرتان في التراث والعراقة، لكننا اليوم نشهد حالةً من الوهن والتعب والارتباك، ونحن نوجّه رسالة من خلال أعمالنا لنعود إلى الحالة الصحيّة الثقافية الفنيّة، وليستفيق المجتمع من كبوته.

وقالت الفنانة ديما رعد: شاركت بخمس لوحات بقياسات كبيرة، استخدمت فيها الاكريليك. ومضامين اللوحات تتحدّث عن فترة ما بعد حرب تموز، إذ تحوّل أسلوبي في الرسم من الحبّ إلى القلق الإنساني. في اللوحات يبرز القلق وتُظهر الوجوه ملامحها المتوجهة نحو اللامكان. هناك نوع من التساؤل والمتاهة، الحرب لم تبقِ أحداً طبيعياّ في شكله، كأن الناس في حلم واستفاقوا منه.

وقال الفنان عادل قديح: شاركت في المعرض بأربع لوحات، وهي عبارة عن حالة وسيطة بين التعبيري والتجريدي، هذه الحالة الوسيطة نشأت عن طبيعة الأحداث التي جرت ابتداءً من حرب تموز 2006، الحرب التي أثناءها عجزتُ عن أن أقدّم أعمالاً فنيّة، وحكمتني عقدة ذنب لأنه طُلب منّي أن أجسّد هذه الحرب في لوحات، وعقدة الذنب هذه كانت مفيدة بالنسبة إليّ إذ ولّدت معرضاً.

ومن زوّار المعرض، الفنانة التشكيلية فريال فيّاض التي أبدت إعجابها قائلة: جميل جداً أن يلتقي بلدان في عمل فنّي مشترك، كون البلدين يتمتّعان بثقافة فنيّة عالية المستوى. لدى الفنانين العراقيين أسلوب خاص في الرسم، ولدى الفنانين اللبنانيين الطابع اللبناني الجميل عبر استخدام الألوان اللافتة. كل فنان اشترك في هذا المعرض عكست لوحاته بصمته الشخصية.

وقال النحّات نعمان الرفاعي: ظهرت في اللوحات التشكيلية التي شاهدتها معاناة العالم العربي. في كل لوحة من اللوحات، كل فنان يروي قصّة تختصر معاناة الشعوب العربية، وهي خطوة جيّدة لالتقاء المحبّة والسلام لدى كلّ أبناء العالم العربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى