في عيد حرية لبنان وعرس انتصاره… ولّى زمن الهزائم
أسامة العرب
الخامس والعشرون من أيار عام 2000، يوم المقاومة اللبنانية بامتياز، يوم النصر العربي والإسلامي على العدو «الإسرائيلي»، إنه حصاد رحلة طويلة من التحدّي والصمود، بذلت فيها الدماء الطاهرة لتثبت للعالم بأسره عشق المقاومين لتراب أرضهم الممزوج بعبق الشهادة.
بادئ ذي بدء، لا بدّ من أن نذكّر بمجازر الاحتلال «الإسرائيلي» لنبيّن أهمية هذا النصر المبين ودلالاته:
أولاً، مجزرة الأوزاعي عام 1978، حيث قام الطيران «الإسرائيلي» بقصف وحدات سكنية ومؤسسات تجارية في منطقة الأوزاعي المتاخمة للعاصمة بيروت، ما أدى إلى قتل 26 مواطناً وجرح آخرين وتدمير 30 وحدة سكنية تدميراً كاملاً. ثانياً، مجزرة راشيا عام 1978، حيث قتلت المدفعية «الإسرائيلية» 15 لبنانياً كانوا ملتجئين إلى كنيسة البلدة. ثالثاً، مذبحة كونين عام 1978، حيث هاجمت قوات العدو قرية كونين في قضاء بنت جبيل، وقتلت 29 مواطناً غالبيتهم من الأطفال. رابعاً، مجزرة عدلون في الجنوب عام 1978، وسقط فيها 20 شخصاً خلال قصفهم في سيارتين نفذتها قوات الكومندس «الإسرائيلي» الموجودة على ساحل عدلون. خامساً، مجزرة الخيام عام 1978، حيث هاجمت فرقة من جيش عملاء الاحتلال «الإسرائيلي» آنذاك قرية الخيام، وارتكبت مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 100 شخص، معظمهم تتراوح أعمارهم ما بين 70 و85 سنة. سادساً، مجزرة العباسية عام 1978، في 15 آذار 1978 قصف الطيران «الإسرائيلي» مسجداً في بلدة العباسية التجأ إليه عدد من العائلات، فقتل 112 مواطناً معظمهم من النساء والأطفال.
أما المجازر اللاحقة لاجتياح «إسرائيل» عام 1982، فالتالية: أولاً، مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 عندما ارتكبت القوات «الإسرائيلية» وميليشيات لبنانية متعاونة معها هذه المجزرة، وذهب ضحيتها 800 شخص من فلسطينيين يقطنون في المخيمين، إضافة إلى عدد من اللبنانيين. ثانياً، مجزرة سحمر عام 1984 عندما ارتكبت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» مجزرة في بلدة سحمر، حيث اقتحمت الدبابات والآليات البلدة وعملت على تجميع الأهالي في ساحتها، ومن ثم أطلقت النار عليهم، ما أسفر عن استشهاد 13 مواطناً وإصابة 12 بجروح. ثالثاً، مجزرة بئر العبد 1985 في عملية من تدبير المخابرات «الإسرائيلية» سقط فيها 75 شخصاً ومئات من الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال جراء انفجار سيارة مفخخة بأكثر من 200 كيلو غرام من T.N.T في محلة الصنوبرة في بئر العبد. رابعاً، مجزرة إقليم التفاح عام 1985 في 12/9/1985، حيث سقط أكثر من 30 شخصاً ومئات من الجرحى في مجزرة «إسرائيلية» استهدفت عدداً من القرى في إقليم التفاح. خامساً، مجزرة جباع ودير الزهراني عام 1994، عندما شهد الجنوب اللبناني مجزرة جديدة ارتكبها سلاح الجو «الإسرائيلي» حين أغار على مبنى من طابقين في بلدة دير الزهراني ودمره على من فيه من العشرات. وسادساً مجزرة النبطية الفوقا عام 1996 عندما أغارت طائرات حربية «إسرائيلية» على منزل المواطن علي جواد ملي في بلدة النبطية الفوقا، حيث كانت تحتمي عائلة آل العابد، فدمر المنزل على من فيه. وسابعاً مذبحة قانا عام 1996 في 18/4/1996 عندما أطلقت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» قذائف من عيار 155 ملم محرمة دولياً تنفجر قبل ارتطامها بالأرض على مقر الكتيبة الفيجية التابعة لقوة الأمم المتحدة في بلدة قانا، مستهدفة 3 هنغارات كان يلجأ إليها الأهالي من بلدة قانا والقرى والبلدات المجاورة من القصف «الإسرائيلي» خلال عملية عناقيد الغضب، ذهب ضحية هذه المجزرة 105 أشخاص من المواطنين بينهم 33 طفلاً. واللافت أن هذه المجازر أتت في إطار عمليات عسكرية واسعة شنتها «إسرائيل»، ومنها عملية الليطاني عام 1978 وعدوان تموز عام 1981 واجتياح 6 حزيران عام 1982 وحرب السبعة أيام عام 1993 وعملية عناقيد الغضب عام 1996.
أما اليوم، فقد ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات، فها هو الانتصار الإلهي الثاني الذي حققته المقاومة اللبنانية على العدو عام 2006 لا تزال مفاعيله سارية حتى اليوم، حيث تستند إليه المقاومة في فلسطين لتكرّر تجربته الناجحة، كون هذا النصر التاريخي دمر معنويات «الإسرائيليين» وعنجهيتهم، وأنهى مقولة أن «إسرائيل» صاحبة الجيش القوي الذي لا يقهر. كما أن هذا النصر أحدث نقلة نوعية في منسوب الثقة في النفس لدى جميع العرب والمسلمين، إذ لم يعد في مخيلتهم مكان لتصور الهزيمة وأصبح هدفهم الجديد تحقيق مزيد من الانتصارات.
وبناءً على ما تقدّم، يثبت لنا أن التمسّك بنهج المقاومة وخيارها ودعم محور مكافحة الإرهاب والتطرف، هو الأجدر بأن يُتبع. ولذلك يقتضى تبني الدعوة إلى قيام أوسع جبهة شعبية لتحرير ما تبقى من الأرض وحماية المقدسات ومحاربة الإرهاب المجرم الذي يعيث قتلاً ودماراً وإجراماً في عالمنا العربي والإسلامي، لأن قوى الإرهاب التكفيري التي ترتكب الفظائع في بلادنا هي نسخة طبق الأصل عن الإرهاب «الإسرائيلي» المصدّر إلينا الذي يذبح الأطفال والنساء وينتهك الحرمات والمقدسات.
من هنا، فإنه يجب علينا اليوم حماية هذه الانتصارات وتدعيمها حتى يتم تحرير ما تبقى من الأرض اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وحتى يتم وضع حدّ للانتهاكات الاحتلال السافرة على أرض لبنان وجوّه وبحره، وخصوصاً على ثرواته النفطية والغازية في مياهه الإقليمية. فلا بقاء للبنان حراً أبياً إلا من خلال المحافظة على معادلة الثالوث الذهبي «الجيش والشعب والمقاومة»، لأن المقاومة قد أثبتت أنها السبيل الوحيد لإرساء توازنات جديدة وتدشين عصر جديد من الصمود والانتصار لمصلحة لبنان والقضية الفلسطينية المركزية والأمة العربية والإسلامية جمعاء. خصوصاً بعدما أصبح واضحاً للعالم بأجمعه أنّ الجماعات التكفيرية ليست سوى صناعة «إسرائيلية» تعمل لمصلحة أعداء الأمة العربية ولخدمة أمن العدو الصهيوني، بينما هذه الأخيرة تبذل كل جهودها لتخريب الأقطار العربية ولإثارة الفتن والنزاعات بين أبنائها.
واختتاماً، فإننا لمناسبة عيد التحرير نحيّي قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله، وأرواح الشهداء جميعاً في هذه الذكرى الوطنية والتاريخية، وندعو شعوب الأمة العربية إلى الخروج من الصراعات الطائفية والمذهبية والعشائرية العبثية المدمرة، وتوحيد كل الطاقات لمواجهة أعداء الأمة الحقيقيين: «إسرائيل» وإرهابيوها، مؤكدين أن نبض الشعوب الحقيقي في العالمين العربي والإسلامي هو نبض مقاومة، وبأنه لا بد لهذه الشعوب من أن تعبّر عن نبضها هذا وتعكسه على أرض الواقع ثورة حقيقية ضدّ الإرهاب والاحتلال والظلم والعدوان حتى التحرير.
محام، نائب رئيس هيئة صندوق المهجّرين سابقاً