وحدها روسيا ضمانة الحريري
روزانا رمّال
«تطاول الحريري على أسياده ووقاحته ستكلفه ثمناً غالياً»…
هكذا ردّ الأمير محمد بن نايف أمام أوساطه على وصف الرئيس سعد الحريري لنائب وزير الداخلية السعودي آنذاك محمد بن نايف بـ«السفّاح» أمام لجنة التحقيق الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وحسب التسجيلات المسرّبة من المحكمة فإنّ الحريري قال في إفادته يوم 30 تموز 2007، «إنّ آصف شوكت صهر الرئيس السوري بشار الأسد كان سفاحاً وإنّ السعوديين يقولون إنه مثل محمد بن نايف»، ما استوجب اعتذاراً من المكتب الإعلامي للحريري أكد فيه أنّ هذه الإفادة تعود إلى سنوات عدة، وأنها أدليت في ظروف سياسية معروفة، وتناولت عدداً من الشخصيات والوجوه البارزة التي يعتز الرئيس الحريري بصداقتها، وبالعلاقة المتينة التي بناها معها خلال السنوات الأخيرة.
منذ ذلك الوقت، يعمل الحريري على ترميم العلاقة من خلال وسطاء فشل بعضهم في هذه المهمّة، وأبرزهم رئيس الاستخبارات العامة مقرن بن عبد العزيز، ووزير الدولة ورئيس ديوان مجلس الوزراء حينها الأمير عبد العزيز بن فهد، وقد تابع الحريري تأكيده دعم سياسات المملكة في شكل مطلق، مستخدماً أي نفوذ له في لبنان وجاهزاً وكتلته دائماً للردّ على أي كلام يصدر عن خصومه في حقّ المملكة، وخصوصاً حزب الله، وصولاً إلى دعم السعودية في موقفها من ثورات الربيع العربي المفترضة.
لا تشير زيارات الحريري الخارجية، وخصوصاً إلى واشنطن وموسكو، إلى أنه متفائل أو ربما يجب ألا يتفاءل كثيراً، فالتفاؤل في حالة الحريري مرفوض، ويفيد تذكير الحريري بخطاب للرئيس السوري بشار الأسد والذي قال فيه عن الحكام العرب بعد حرب تموز أنّ فيهم أنصاف رجال، وهو موقف أسّس لبدء تدهور العلاقات السورية ـ الخليجية عموماً، ومع السعودية خصوصاً، على الرغم من اليقين بأنّ المؤامرة على سورية حديث آخر أكبر وأدق، وقد كان الأسد يدرك قدومها منذ عام 2002.
ويؤكد مصدر ديبلوماسي عمل لعقود في الولايات المتحدة الأميركية لـ«البناء» أنّ الأمور التي تبدو شخصية ظاهرياً في العلاقات السياسية الفاشلة أو الناجحة، تلعب دوراً محورياً في العلاقات الدولية الكبرى، ويستعرضون، في هذا السياق، كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما عن بنيامين نتنياهو حين قال: «لم أصادف فظاظة في التعاطي مع الرؤساء الأميركيين مثل فظاظة ووقاحة نتنياهو». ويعتبر المصدر أنّ هذا الوصف، وإن كان شخصياً، لكن له مردوداً سياسياً، ولهذا السبب وقعت خلافات عديدة بين نتنياهو وأوباما منذ أن تولى الأخير الحكم وقد رفض استقبال نتنياهو في البيت الأبيض مؤخراً، إضافة إلى أنّ اتصالات هاتفية عدة بين الرجلين كان ينهيها أوباما ويغلق السماعة على الفور، ممتعضاً وهنا يضيف: كان سبب الخلافات الأكبر حول الأسلوب والوقاحة.
إذاً لا يمكن فصل العلاقات الشخصية كثيراً عن العامة وإن حاول البعض العفو عمّا مضى، إلا أنّ بعض المواقف يسجل للتاريخ.
لن تكون علاقة الرئيس سعد الحريري مع الأمير محمد بن نايف على ما يرام قريباً، والأخير لا يعتبر بطبيعة الحال وزير داخلية السعودية فقط، بل وزير داخلية الخليج برمته بالنسبة إلى واشنطن، وقد احتفظ بحقيبة الداخلية إلى جانب تعيينه ولياً للعهد عن سابق تصور وتصميم ودراية، من أجل توليه قيادة السعودية كملك، وقيادة الخليج كمشرف أمني عام، في وجه أي مشروع إيراني من جهة، ومن أجل حسن إدارة حراك الإرهاب من جهة أخرى، في الغرف الأمنية الخليجية المشتركة التي يشرف عليها وتضم رجال استخبارات من كلّ عواصم دول مجلس التعاون الخليجي.
مصادر سعودية تقول إنّ مصالح شركات سعد الحريري في المملكة ليست أيضاً على ما يرام، وخصوصاً أنّ القيادة الجديدة أبعدت عدداً من المشاريع عنها، وهو الذي كان يعمل على تحسين وضعه الاقتصادي ويركز عليها تركيزاً كبيراً قبل وفاة الملك عبدالله، وقد نجح حينها في الحصول على مشاريع كبرى لشركته، بينها مشروع مترو حسب المصادر وإذا لم يكن هذا الإبعاد رسالة للحريري، فماذا عساه يكون؟ يسأل المصدر نفسه.
ليس أمام الحريري اليوم، وهو يدرك أنّ السعودية منشغلة تماماً في متغيرات الحكم من جهة، وفي حربها على اليمن ومصير أمنها من جهة أخرى، سوى الاقتناع بأنّ الشريك اللبناني وحده من سيحفظ له اليوم تقاسم السلطة في البلاد، أي يجب أن يذهب إلى السعودية متوجاً من لبنان لا أن ينتظر التتويج الذي لن يأتيه من السعودية نحو لبنان.
إنّ خصوم الحريري في 8 آذار قادرون على أن يحفظوا وجوده إذا قبل دخول صيغة الحلول الداخلية، لهذا السبب قد تكون روسيا حليفة إيران أحد المداخل الجيدة للتوسط من أجل معادلة تأتي بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وبسعد الحريري رئيساً للحكومة، وخصوصاً أنّ روسيا شريكة أميركا في الحلول المقبلة، ومن المؤكد أنّ واشنطن ستراعي مصالح أمرائها السعوديين أكثر من الحفاظ على الحريري.
ليس أمام الحريري سوى الاقتناع بأنّ نجاح الحوار مع عون هو أحد أهم أبواب عودته النافذة إلى لبنان.