التحرّر من الوهم
بلال شرارة
«داعش» في حالة هجوم فاشل على تدمر عروس الصحراء السورية الأسبوع الماضي.
«داعش» في حالة هجوم على الأنبار العراقية.
القاعدة يعيد تنظيم صفوفه استعداداً للحروب المقبلة.
«داعش» و«القاعدة» كلمتا السرّ الدوليتان الإقليميتان العربيتان الرسميتان للاستمرار في زعزعة الاستقرار في سورية والعراق واليمن وليبيا وجوارها وصحراء سيناء في مصر وفلسطين وربما لبنان والمخفي أعظم.
السكوت المريب للنظام العربي والإقليمي عن أفعال التطرف السلفي، بل والترويج له في بعض الفضائيات ووسائل الإعلام الرسمية، هو مساهمة في الحروب التي يشنّها السلفيون في كلّ البلدان العربية تحت ستار «أنهم أقل خطراً أو شأناً» من الحوثيين في اليمن أو «نظام الأسد» في سورية أو «الحشد الشعبي» في العراق. والقضاء المصري أو اللواء حفتر في ليبيا أو…
وبصراحة أكثر فإنّ النظام العربي الإقليمي – الدولي يواصل تمويل انتحار النظام العربي نفسه كما استنتج قبل عامين على الأقل اللواء خلفان الضاحي نائب رئيس شرطة دبي الذي أصبح موضع انتقاد من النظام نفسه، لأنه يرى ويسمع بغضّ النظر عن أسلوبه ومضمون كلامه ومدى اتفاقنا واختلافنا معه.
«داعش» يواصل دولياً العمل على وضع «نهاية للتاريخ» بحسب إحدى النظريات الأميركية، فيجرف آثار العراق وقد يدمّر مواقع للتراث الإنساني والديني في سورية كما في معلولا، وكما من خلال الهجوم على عروس الصحراء تدمر.
كانت الإرادة الإقليمية العربية هي أن لا تصل «الفرحة إلى القرعة» أيّ فرحة تحالف النظام في سورية وحشده العسكري الرسمي والشعبي وفرحة حزب الله بتحرير جزء مهم نحو 300 كلم2 من الجرود الفاصلة بين سورية ولبنان، وعملياً إلغاء خط تماس «المعارضة السورية» مع لبنان، وباستثناء عرسال وحدود شبعا مع الجولان العربي السوري المحتل «إسرائيلياً».
ولكن الواقع أنّ تحرير القلمون حصل، وفي المقابل فشل الهجوم «المتشدّد» الذي استمرّ لأيام على «تدمر» عروس الصحراء في سورية ونجح في الأنبار العراق، ولكن أسقط محاولات إقصاء الحشد الشعبي الحكومي عن المشاركة، ولن يقف بعد اليوم أيّ حائل أمام حركة الحشد الشعبي طالما فشل الجيش والعشائر في الرمادي في ردّ الهجوم المشبوه للمتشدّدين سواء كان الدفع للهجوم «تركياً» أو «رسمياً عربياً» أو مشتركاً.
ماذا الآن؟
لبنان أمام معضلة عرسال، فهل ستقوم الدولة بتحرير هذه البلدة اللبنانية وجرودها؟
هل ستبقى عرسال وجرودها خطاً أحمر أمام حركة المقاومة لحفظ الحدود الشرقية كما الجنوبية؟
هل سيبقى الأمن اللبناني خاضعاً لاستراتيجية المتوهّمين بأنّ حزب الله سينسحب من سورية؟
وهل ستبقى سورية؟ وهل سيبقى العراق واقعاً تحت ضغط «الإرهاب التكفيري» الذي يتوهّمه النظام العربي سلاحاً ممكناً في مواجهة حزب الله والحوثي والحشد الشعبي العراقي؟
هل سنبقى نعيش على المصل الذي تعلّقه لنا بعض أنماط السلطة العربية التي تتوهّم أنّ في إمكانها هنا وهناك بواسطة المال إقامة توازن نووي أو توازن رعب أو أمن أو تفاهمات أو إخضاع مزاجنا بواسطة المال.
هل سيواصل هذا النظام سياساته نكاية بإيران وجعلها العدو المركزي بدلاً من «إسرائيل» أصل تمويل انتحاره وانتحار أقطارنا؟
نحن نقول إنّ أنموذج عاصفة الحزم ومعه الهجوم الذي شنّته القاعدة والدواعش والمقاومة الشعبية لأنصار هادي في بعض المدن اليمنية لن تغيّر الوقائع على الأرض، وبقي الرئيس علي عبدالله صالح حياً بعد الإغارة على منزله. وبالتالي، فإنّ مؤتمر الرياض من أجل اليمن كان «حباً من طرف واحد»، ولم ينجح في جمع الأطراف اليمنية والنتيجة السياسية لم تطابق حساب البيدر العسكري.
هكذا الأمر في لبنان والإجراء الاستباقي الأخير الهجومي للمقاومة على الجرود المقابلة للسلسلة الشرقية مكّننا من ردع الإرهاب وحماية التاريخ انطلاقاً من قلعة بعلبك وليس فقط أهل المنطقة.
هكذا الأمر في اليمن.
هكذا الأمر في سورية.
وغداً هكذا الأمر في العراق انطلاقاً من الأنبار.
إننا نرى أنّ حماية النظام العربي هو بتحريره من وهم الحاجة إلى «الإرهاب التكفيري» وتمويله والعمل على توقيع تفاهمات إقليمية مع الجوار المسلم إيران ، ووقف ليس التدخل «الإسرائيلي» في شؤوننا فحسب، وإنما وقف الطموحات التركية لإعادة هيمنة السلطنة وسقوط الاعتقاد بأنّ سيف السلطنة طويل، وكذلك وقف تدخل التحالف الدولي في الشؤون العربية تحت ستار مكافحة الإرهاب.