توجه أردني جديد… البقاء في المربع الأميركي ـ السعودي
عمان ـ محمد شريف الجيوسي
تزامنت في الأسبوعين الأخيرين أمور عدة في الأردن، ذات دلالات مهمة.
فقد أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، عن تدريب عشائر سورية على الأرض الأردنية للعمل ضد «داعش»، وهو ما أكدته أيضاً مصادر أميركية مسؤولة وعن تفاصيل أعداد وأماكن تدريب هذه العشائر ليضاف إليها أيضاً قطر وتركيا.
وعندما أعلنت سورية أن الأردن يتدخل في الشأن السوري الداخلي، نفى الناطق الرسمي الأردني ذاته ذلك، معتبراً أن تدريب عشائر سورية ليس تدخلاً، كما كرر النفي نفسه عندما قدمت سورية رسالة إلى مجلس الأمن تؤكد فيها تدخل الأردن، محملاً دمشق مسؤولية الإضطرابات وعدم التوصل إلى حل سياسي.
وقال مراقبون أن قيام نشطاء في معان باختطاف سيارة حكومية ورفع الأعلام التكفيرية عليها غير مرة وخروج تظاهرات «داعشية» في ياجوز، والتنظيم السري الإخواني، وقيام العديد بتجنيد إرهابيين للقتال في سورية أو بانتظار ساعة صفر ربما لتنفيذ أعمال إرهابية في الأردن، وتهريب وتجارة وتخزين وتصنيع السلاح، أو حتى ما هو أكثر من ذلك، هل يبرر ذلك لسورية مثلاً تدريب عشائر أردنية على الأرض السورية بدعم خارجي أو من دون دعم، لمحاربة «داعش» أو غيرها من العصابات الإرهابية، إلا بطلب سياسي رسمي من الدولة الأردنية، وتنسيق أمني عال؟
لم تكن أحداث معان، الأخيرة، منفصلة عن غيرها، من أحداث مماثلة كانت محل انتقادات أهالي معان، ومنها انتقادات رئيس بلدية معان، الشراري، من اختلال الأمن في المدينة إلى الشكوى من ممارسات عنفية مبالغ بها، واتهامات بإمساك أسرة واحدة بمفاصل القرار في المحافظة.
وكان مجيء سلامة حماد رجل الأمن الأردني الصارم المحسوب على التيار الأردني المحافظ، وزير الداخلية الأردني الأسبق، مجدداً وزيراً للداخلية، بعد غياب نحو عقدين عن أي مسؤولية ذات طابع رسمي، بمثابة إشارة على ان الأردن ليس مقبل على أي نوع من الإنفتاح السياسي أو الديمقراطي أو المجتمعي، بما في ذلك الجماعات الإخونية وما تسمى جهادية سلفية وتكفيرية.
بل تسربت أنباء تقول إن اجراءات سيادية مشددة جداً ستتخذ للقبض على مطلوبين على ذمة قضايا ارهابية، وأن قراراً سيادياً سيقضي بإعلان جماعة إخوانيي الأردن «غير المرخصة» تنظيماً ارهابياً محظوراً، وأنها ستحجم التيارات الجهادية السلفية وتشدد الإجراءات الأمنية بحق التيار ومنتسبيه هذا التوجه سيخدم هذه الجماعات على صعيد الشارع الأردني في ظل الحالة الاقتصادية السيئة وانخراط الاردن في تحالفات خارجية غير مرغوبة ولن يخدم القوى القومية واليسارية في ظل عدم استجابة النظام لأي من طروحاتها السياسية والاقتصادية والديمقراطية وغيرها.
وتزامنت أحداث معان واستقالة وزير الداخلية سواء استجابة لتذمرات الأهالي أو جراء عدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية، ثم تعيين وزير محافظ صارم رغم أن الاول لم يقل صرامة عنه وإن لم يحسب على التيار التقليدي المحافظ، ودعوة مجلس الأمة للإنعقاد وعدم تقديم قانون انتخابات جديد، تزامن كل ذلك مع توجه الحكومة الأردنية لرفع سعر الخبز، وسط معارضة سياسية واسعة حتى من قبل أحزاب وسطية مقربة من النظام السياسي والحكومات المتعاقبة.
ما قد يعني أن الأردن غير مقبل على تراجع، في سياساته العامة الداخلية بل غالباً إلى تشدد، لتمرير قضايا داخلية كرفع سعر الخبز والكهرباء والطاقة وربما اسعار مواد أخرى أو فرض ضرائب جديدة استجابة لوصفات مؤسسات رأس المال العالمي، وهي قرارات غير حكيمة لا تصيب فحسب الطبقتين الدنيا والمتوسطة بالأذى وإنما ايضاً مراكز الانتاج الصناعي والزراعي، وتخدم فقط المصارف والفنادق الكبرى وشركات التأمين.
كما يعني ما سبق أن النية متجهة لتمرير قضايا خارجية كتدريب عشائر سورية في الأردن، وتصعيد التدخل في اليمن، والمشاركة في الحلف العسكري الأميركي في المنطقة، في معزل عن التنسيق مع الجيوش العربية ودولها المستهدفة في كل من سورية والعراق ومصر واليمن.
لا بد من أن رحيل وزير الداخلية حسين المجالي امتص نوعاً من احتقان مدينة معان، لكن ذلك غير كافٍ ولا يمثل حلاً ناجعاً نهائياً لكل القضايا سواء المطروحة من قبل الحكومات المتعاقبة أو من قبل الأهالي، ما يستوجب إحلال رؤى ناضجة وحكيمة تعالج جذور القضايا لا أعراضها، ونعتقد أن تحقيق ذلك غير ممكن عبر الحكومة الراهنة، حكومة تراجع في ظلها الوضع الاقتصادي العام، وازدادت معدلات البطالة والمديونية كما تراجع في عهدها الأمن المجتمعي وإزداد العنف الجامعي الطالبي وتجاه الهيئات التدريسية ورؤساء الجامعات وكذلك العنف العشائري، ومعدلات الجريمة وتهريب وتجارة واستخدام المخدرات والسلاح وتجارة البشر.
إن حل العديد من القضايا الأردنية المحلية على صعد الاقتصاد والعمالة والمعيشة والأمن الاجتماعي يتوقف على مدى استقرار الإقليم وبخاصة في سورية والعراق، وهذا الاستقرار لا يمكن تحقيقه في ظل التدخلات الخارجية في الإقليم وتمويل الإرهاب وتدريب وتسليح الإرهابيين تحت مسمى مقاومته وتصدير المزيد من السلاح والإرهابيين عبر المنافذ غير الشرعية إليه، ونشر الكراهية والطائفية والتعصب المذهبي والأفكار التكفيرية عبر وسائل الإعلام والإشاعات، كما لن يستقر الإقليم من دون التنسيق مع الجيوش العربية، بعيداً عن الحليفين الأميركي والسعودي.
وباستقرار الإقليم تتراجع مقدمات الأزمة في الأردن، وتتقدم العلاقات مع كل من سورية والعراق وإيران، فضلاً عن روسيا والصين ودول البريكس واميركا اللاتينية، ويتيح ذلك للأردن استعادة قراره المستقل، السياسي والاقتصادي والثقافي، وبالتالي عدم الرضوخ للقرار الأميركي، الذي مهما قدم من مساعدات ودعم لن يعادل الخسائرالكبيرة المترتبة على الأردن، في مقابل تنفيذ رغائبه التدميرية.