عندما يتهم حزب الله السلطات السعودية…
روزانا رمّال
برز مؤخراً إصرار حزب الله على إدانة السعودية بدعم الإرهاب والجماعات التكفيرية من «داعش» و«النصرة» وغيرهما، ولا يتردّد الحزب بتاتاً في اتهام قياديين بارزين من النظام السعودي بالعمل مباشرة مع الإرهابيين الذين يشغلونهم لحسابهم.
في شهر آذار الماضي خاطب السيّد حسن نصرالله المملكة في شكل واضح، لافتاً إلى التغييرات المقبلة على المنطقة، راسماً المشهد الذي أخذ أبعاداً سياسية كثيرة تتعلق بقرارات استراتيجية ومواقف حلفاء الحزب الإقليميين وأبرزهم إيران.
دفعت التطورات الخطيرة في المنطقة والمشهد الدراماتيكي المتدحرج حزب الله، الذي يخوض معارك مصيرية في سورية في مواجهة الإرهاب، إلى إعلان موقف حاد مما يجري، كاشفاً أنّ أعداءه هم ليسوا فقط الإرهابيين و«إسرائيل»، بل أيضاً ممولي هؤلاء الإرهابيين ومشغليهم، وخصوصاً السعوديين. فمن كان يرسل الانتحاريين والسيارات المفخخة إلى العراق هي المخابرات السعودية. أراد السيد نصرالله أن يقول لهولاء: أنتم من أتى «داعش» من كلّ أنحاء العالم لكي تسقطوا نظام الرئيس بشار الأسد وحكومة المالكي، بندركم هو الذي جاء بالتنظيم الإرهابي. بهذا الكلام أنهى السيد حقبة من الضبابية تجاه السعودية التي لطالما حاول حزبه داخلياً الحفاظ على علاقات طيبة مع دبلوماسييها لأسباب تتعلق بالسلم الأهلي والوطني.
وقد عاد حزب الله في بيانه أمس، بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف مسجداً شيعياً في منطقة القطيف السعودية، والذي اعترفت داعش بمسؤوليتها عنه، ليتهم النظام السعودي بالإرهاب، محملاً السلطات السعودية المسؤولية المباشرة عن التفجير.
الأخطر من ذلك كلّه هو ما قصده حزب الله في حديثه عن تقصير مقصود من السلطات السعودية في تقديم الحماية لمواطنين من أبناء المنطقة الشرقية، لا بل التحريض ضدّهم مذهبياً وطائفياً، ما أدّى بطبيعة الحال إلى تحركات شعبية رافضة لهذا التحريض في تلك المنطقة ضدّ نظام آل سعود.
ربما يكون القلق على الحكم في السعودية، هو القلق نفسه الذي رسمه كلام باراك أوباما في معرض حديثه عن التوقيع النووي مع إيران في إحدى مقابلاته التلفزيونية، حين قال للسعوديين إنّ الخطر لا ينبع من إيران بل ينبع من الداخل.
إذا كانت السلطات السعودية، في أي حال من الأحوال، تعتبر أنّ العملية الإرهابية التي حدثت أمس خارجة عن معرفتها وسيطرتها، فهذا يعني أنّ عليها أن تتحضر لفتنة سنية ـ شيعية وقد تدخل «داعش» على انقاضها، وبالتالي ستكون المنطقة الشرقية هي الخاصرة الرخوة التي سيخرق الإرهاب من خلالها المملكة بسلاسة. فهل تستعد السعودية لذلك؟
أما إذا كانت السعودية تتحمل المسؤولية المباشرة عن تلك العملية، حسب حزب الله، فإنّ المملكة بذلك تعلن حرباً على الشيعة وحلفائهم في شكل واضح، وبالتالي تضع نفسها أمام تصعيد مضاعف في المنطقة، وخصوصا في ما يجري على الساحة اليمنية وما يتعرض له جنودها في بعض المناطق الحدودية، وبالتالي فإنّ إرسال هذه الرسالة داخلياً إلى أهل القطيف وإلى كلّ من يعتبر من المشهد، إذا كان مقصوداً من حوثيين وبحرانيين، يعني أنّ الحساب قد فتح وأنّ على المملكة ومعها الجوار أن تتحضر لثورات عارمة لن تهدأ هذه المرة.
كلّ هذا يراه حزب الله بالعين الإقليمية التي يرسم من خلالها المشهد داخل لبنان فيعلن موقفه وتموضعه في الملفات عموماً، وهو اليوم شرع العداء للسعوديين من دون رادع سياسي أو مصلحي، مؤكداً أنه لا يبالي كثيراً بمصير أي من الاستحقاقات الداخلية التي تلعب السعودية فيها دوراً نافذاً، وخصوصاً إذا أصبح هذا العداء واقعاً وهو واقع.
يرسل حزب الله رسائل متعدّدة إلى الداخل اللبناني بمواقفه هذه فيقول:
أولاً: لا فصل بين موقفنا من السلوك السعودي في المنطقة وبين موقفنا منه داخل لبنان، فالمملكة تحارب حزب الله مباشرة في سورية عسكرياً، والحزب يتهمها بتمويل الإرهاب مباشرة.
ثانياً: يعرف حزب الله جيداً أنّ نفوذ المملكة العربية السعودية في لبنان، وتأثيرها على حلفائها لن يبقيا على حالهما في المرحلة المقبلة التي ستفرز خاسراً ورابحاً هذه المرة، وستعيد بطبيعة الحال بعض ما خسره الحزب وحلفاؤه في انتخابات الحلف الرباعي الشهيرة وستصرف انتصاراته على الجبهة السورية نفوذاً أكبر له ولحلفائه، وبالتالي يدرك تماماً وبالتجربة أنّ السعودية هي أكثر من يحتاج أن يحافظ على الحوار بينه وبين تيار المستقبل الذي يعتبر آخر أوجه التواصل الغير مباشر مع إيران.
ثالثاً: يؤكد حزب الله أنّ الحلول الداخلية من استحقاقات رئاسية ونيابية وغيرها لا تزال بعيدة إلى حد كبير عن أجواء أي صفقات أو تسويات إقليمية وسط هذا النوع من السلوك السعودي.