تحالف أوباما: الأولوية للتخلّص من الجيش السوري
عامر نعيم الياس
في المفاضلة بين عدوين، وفقاً لما تريد الرواية الغربية الرسمية والأممية الترويج له، فإن لـ«داعش» الأرجحية على الدولة السورية ورئيسها وجيشها ومكوّناتها التاريخية والإثنية والحضارية المحلية منها والدولية. هذه هي الخلاصة الأولى التي يمكن أن نستشفّها من معركة تدمر التي بدأت في الثالث عشر من أيار الجاري، وانتهت بسيطرة «داعش» على المدينة الاستراتيجية التي تسمح للتنظيم بالادّعاء بتحقيق إنجاز استراتيجي في الذكرى الأولى لتأسيس «دولته»، ضماناً لاستمرار دفق المجندين وبالتالي استمرار الاستنزاف.
حدّد الفرنسيون موعداً للمؤتمر الدولي حول سورية والعراق بعد الرمادي ورهاناً على سقوط تدمر، في الثاني من حزيران المقبل، وسط صمتٍ دولي قبل سقوط المدنية السورية لا يؤرقه سوى صراخ خلبيّ من مدراء المنظمات الدولية في الأمم المتحدة والمعنية إعلامياً بالدفاع عن التراث العالمي. لكن الصمت كُسِرَ فور سيطرة «داعش» على المدينة وتحصّنهم في المدينة الأثرية، فالمهمة أنجزت. هنا تحرّك الناطق باسم البيت الأبيض للقول: «إن هجوم داعش على تدمر انتكاسة للقوات التي تقودها الولايات المتحدة»، صار الأمر الآن في عهدة واشنطن وحلفائها في الائتلاف الدولي، لكن بعد تحقق الشرط اللازم للقيام بالعملية وتوسيع عمليات ائتلاف واشنطن بعد قمة باريس، إذ يكون «داعش» قد أنهى تدمير مدينة تدمر، وبثّ مقاطع الفيديو التي تظهر تفخيخ معبد بل، أو جرف قوس النصر والأعمدة التاريخية في المدينة وتسويتها بالأرض، هذا فضلاً عمّا هو أهم من ذلك، أي خروج المدينة التي تقع على عقدة استراتيجية مهمة عسكرياً وميدانياً من أيدي القوات السورية؟
تخفي واشنطن عبر تصريحها هذا رغبةً في تحييد المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، وإخراجها من دائرة الفعل السورية، عبر تصوير ما يجري على أنه حرب بينها وبين «داعش». أليس هذا ما جرى في الرقة وعين العرب وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» بالمطلق؟
في عين العرب لُمّعت صورة ما يسمى وحدات حماية الشعب ومساعدتهم في حربهم على «داعش» استناداً إلى مطالب وشروط بإنعاش فكرة الانفصال أو أقله الحكم الذاتي للأكراد، مع مراعاة تثبيت خطوط فصل بين مناطق سيطرة الجيش السوري ومناطق سيطرة وحدات الحماية في المناطق التي تشكل مسرح عمليات خاص بطائرات التحالف الأميركي. وفي الرقة المنسية تمَّ اللجوء إلى السيناريو ذاته، فالتحالف اليوم يتولى الضربات بعد ضمان خروج الجيش السوري من المعادلة الخاصة باسترجاع هذه المدينة على المدى المنظور.
في مقال في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية يعلّق آدريان ديسوان ـ أحد طلاب المدرسة العسكرية الفرنسية في سان سير، والحاصل على ماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية ـ على ما جرى في تدمر قائلاً: «القصف الذي تقوم به قوات التحالف على مواقع أخرى لداعش بعيدة عن تدمر لا يزال مستمراً في كوباني والحسكة إلى جانب وحدات الحماية الكردية، لكن تدمر مصيرها اللامبلاة، مع أنه كان بالإمكان لبضع ضربات أن توقف الجهاديين. لكن، ولأن الجيش السوري هو من يقاوم هذه البريرية في تدمر، لم يتم اتخاذ أي إجراء». ويستاءل الكاتب عمّا إذا كان هناك جدوى بعد معركة تدمر في الاستمرار بالادّعاء أن «داعش» صنيعة نظام بشار الأسد، وأن القضاء عليه يمر عبر إسقاط الأسد وفقاً لما يسمّيهم «حالمو الربيع العربي»، لكنه يؤكد أن الغرب مستعد للتضحية بأي شيء في سبيل مواجهة الأسد، «لأننا نفضّل بأن نضحي بقسمٍ من حضارتنا بدلاً من إعطاء انتصار لبشار، لن نفعل شيئاً لإنقاذ تدمر».
تدمر في يد البريرية، والهوية الوطنية السورية مهددة بضياع جزء من مكوّنها الثقافي والتاريخي، مهدّدة بضياع جزء من روح زنوبيا السورية المقاومة التي وقفت في وجه من أراد إذلالها ومملكتها. فيما يمسك الغرب بكرة بقايا تدمر لتحييد الجيش السوري والقوات الرديفة، فهل يرفض الحلفاء هذا الأمر، أم يغطونه بإطلاق عبارات من قبيل تسليم الإدارة الأميركية ببقاء الرئيس السوري وغيرها من حقن الشلل لا التخدير؟
كاتب ومترجم سوري