حزب الله: حضور في المواجهة ووضوح في الرؤية
توفيق المحمود
رغم مرور خمسة عشر عاماً على هزيمة أسطورة الجيش الذي لا يقهر وانسحابه من جنوب لبنان، إلا أنّ تلك السنوات لم تكن كافية لتمحو العار والذلّ الذين لحقا بجنود العدو «الإسرائيلي» يوم أعلنوا الانسحاب، أو الهروب الجبان كما وصفه ضباط «إسرائيليون» واستغلته على نحو ماهر قيادة المقاومة.
لا يزال هاجس الهزيمة يلاحق الجيش «الإسرائيلي»، وكان قائد لواء «غولاني» العميد احتياط صموئيل زكاي قال يوم الانسحاب: «لقد خرجنا من لبنان لكننا نخشى ألا يخرج لبنان منا أبداً».
أما اليوم، فإنّ هذه المقاومة التي واجهت وبذلت الدماء في سبيل تحرير الأرض، تواجه عدواً جديداً ولكن بحلة جديدة، وهو الإرهاب التكفيري المدعوم من «إسرائيل» ودول الغرب، هذا الإرهاب الذي يواجهه الجيش السوري وحزب الله في القلمون وقد حرّرا أكثر من 90 في المئة من منطقة القلمون من المجموعات الإرهابية التكفيرية. إذاً ثمة نكبة جديدة كان يحضر لها من قبل حلف العدوان، وربما كان في توصيف السيد حسن نصرالله للنكبة في مستهل خطابه الأخير كثير من المعاني التي نستخلص منها أنّ المقاومة لن تسمح لنكبة جديدة أن تدمّر الأمة.
لطالما حاولت وسائل الإعلام أن تجعل للمقاومة بعداً طائفياً في حربها ضدّ الإرهاب في سورية، عبر الترويج للخلفية المذهبية، فحزب الله يواجه كيان الاحتلال «الإسرائيلي» والتيار التكفيري والتبعية الأميركية التي تحاول السيطرة على المنطقة، وقد أثبت أنّ العدو لا يفهم إلا لغة القوة، بدليل أنّ المحتلّ خرج من لبنان ذليلاً، فقد أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم القاسم أنّ هناك نحو 400 كيلو متر مربع من الأراضي اللبنانية في جرود عرسال محتلة من الإرهاب التكفيري، كما أنّ هناك أرضاً محتلة من «إسرائيل»، مشيراً إلى أنّ الحزب الله صمم أن يواجه هؤلاء لتحرير الأرض وسيستمر في استهدافهم.
إنّ تدخل حزب الله في سورية واضح الأهداف بالحفاظ على وجود المقاومة، وخصوصاً بعد تصاعد الخطر التكفيري وتمدّده، وقد وجد حزب الله ضرورة لتعديل خطابه وأولوياته، انسجاماً مع طبيعة هذه المرحلة المفصلية والتهديد الوجودي الذي تنطوي عليه، فمشاركة الحزب في القتال في سورية كانت لحماية الحدود اللبنانية من الجماعات المسلحة، وقد حاول المغرضون التشكيك في أسباب تدخل الحزب هناك وحاولوا الإيحاء للرأي العام اللبناني والعربي والعالمي أنّ هذا التدخل ليس لتحقيق المصلحة اللبنانية، لكنّ قيام الحزب أواخر كانون الثاني من العام الحالي بتنفيذ عملية عسكرية نوعية وصفتها «إسرائيل» بأخطر عملية منذ حرب 2006 والتي استهدفت دورية «إسرائيلية» داخل مزارع شبعا المحتلة أدّت إلى سقوط عدد كبير من الإصابات من كتيبة «سبار» من لواء «غولاني» بينهم قائد الكتيبة، رداً على استهداف العدو مجموعة من المقاومين في مدينة القنيطرة، غيّر قواعد الاشتباك.
يعلم الجميع أنّ حزب الله قادر على مواجهة العدو الصهيوني، فهو لم يستخدم في حربه ضدّ التكفيريين في سورية سوى 5 في المئة من قوته، والدليل الخوف «الإسرائيلي» من أي عملية لحزب الله في الجليل، وقد حذّر وزير الحرب «الإسرائيلي» السابق موشيه يعالون من تنامي قدرات حزب الله في الحرب المقبلة، بما في ذلك احتمال قيام الحزب باحتلال منطقة الجليل، قائلاً: بإمكان حزب الله التوغل إلى داخل المستوطنات والمواقع العسكرية «الإسرائيلية».
إنّ تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وانتصار تموز 2006 غيرا وجه المنطقة، لكنّ انتصارات القصير والقلمون عكست الوجه الحقيقي للمقاومة في هذه المنطقة، فهؤلاء الإرهابيون التكفيريون، مع الأسف، لم يوجهوا بندقية إلى العدو الصهيوني لأنه حليفهم وشافي مرضاهم وجرحاهم.