السياسة الخارجية المغربية بين المذهبي والسياسي: سياسة المغرب تجاه إيران نموذجاً ١

صفحة الدراسات في «البناء»، أنشئت لتكون مساحة للأبحاث العلمية المتعلقة بشتى المواضيع ذات الصلة في قضايا الأمة والعالم العربي.

وهي إذ تتسع لمثل هذه الدراسات تبقى مجالاً مفتوحاً للحوار وطرح الإشكاليات الفكرية والسياسية وغيرها، تنشيطاً لدور الثقافة في الصيرورة الاجتماعية. علماً أن الآراء التي ترد على مساحة الصفحة تعبر عن أصحابها وليست بالضرورة مطابقة لقناعات الصحيفة.

إلا أنه انطلاقاً من القناعة الراسخة بضرورة خلق حوار فكري حول القضايا والإشكاليات كافة وما أكثرها، والتي تفرض نفسها على صاحب القرار والمثقف وقادة الرأي والمواطن في أي موقع كان، كانت صفحة الدراسات في «البناء» هي الترجمة العملية لهذه القناعة آملين أن تشكل هذه الصفحة مساحة فكرية ـ سياسية تعنى بهموم الوطن والمواطن، تدرس الحاضر لترسم المستقبل.

عبد الفتاح نعوم

يركز معظم الدراسات والأبحاث حول السياسة الخارجية المغربية1 على الأطر القانونية والدستورية التي تتحكم في عملية صنعها، والتي تعطي موقعاً مميزاً للملك باعتبار التأويل الموسع الذي يكتسيه موقع إمارة المؤمنين الممنوح له دستورياً2. ويتضح ذلك سواء أثناء دراسة شبكة القنوات التي يمر منها القرار في السياسة الخارجية المغربية أو أثناء دراسة المواضيع التي تتناولها هذه السياسة، كالسياسة الأفريقية للمغرب أو السياسة العربية أو السياسة الخارجية المغربية تجاه القارتين الأوروبية والأميركية. لكن ما تغفله معظم تلك الأعمال هو طبيعة السلوك في السياسة الخارجية المغربية، والذي هو ذو ارتباط وثيق بتركيبة النخب المسؤولة عن عملية الصنع تلك. بحيث أن ميزان القوى الداخلي والخارجي هو الذي يتحكم في صياغة التوجهات الكبرى للسياسة الخارجية المغربية.

فالملك في المغرب ليس مجرد مسؤول عن إدارة شؤون البلاد، وليس فقط حاملاً لمضمون هوياتي مغربي تراكم عبر القرون. بل هو ممثل لشبكة مصالح ضخمة، بحيث أنه يمتلك استثمارات كبيرة ممتدة على مساحة المغرب، وبحكم موقعه الاقتصادي ذاك، فهو يمتلك امتيازات كبيرة في السياسة، وهذه بدورها تمارس لتحصين مصالحه في الاقتصاد. وهذه الخاصية التي تتقاسمها الملكية في المغرب مع بعض الملكيات والإمارات الأخرى في المشرق، هي التي كانت في اصطدام مباشر مع شعارات حركة 20 فبراير3.

فمن الطبيعي أن تكتسب سلطات الملك مكانة مركزية في نظام الحكم في المغرب4، وبالتالي يكون له بالغ التأثير في صوغ السياسات الداخلية والخارجية5. وهذا الدور المحوري للملك يجعل مختلف الفاعلين المؤثرين في صنع القرار بالمغرب قريبين منه، ومرتبطين بالتوجهات التي يرسمها الملك. بل إن ما يصدق على القرارات ذات الصلة بالسياسة الداخلية يصدق على السياسة الخارجية أيضاً، ويتعلق الأمر بالارتجالية والأمزجة وردود الفعل غير المدروسة، وذلك ناجم عن اضطلاع مؤسسات وجهات بعينها قريبة من الملك مثل مديرية المستندات والتوثيق والمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، بمهام نقل المعلومات وتقدير القرارات والدفع نحو اتخاذها، وهي آليات يصعب استجلاؤها أو الاطلاع على سبل سيرها6.

نعالج السياسة الخارجية هنا باعتبارها امتداداً للسياسة العامة لدولة ما، والأسلوب الذي تتبعه لتسيير علاقاتها مع الكيانات الأخرى خارج حدودها سواء أكانت دولاً أم منظمات7. ونميز في هذا الصدد بين الأهداف المعلنة للسياسة الخارجية، وبين السلوك الخارجي العملي8، وهو السلوك الذي يتأثر بشكل كبير بالتركيبة النفسية والاجتماعية والخلفية الثقافية لمن يتخذ القرار، ولذلك نلمس تميزاً في السياسات الخارجية للدول من مسؤول إلى آخر ومن قائد إلى آخر.

وارتباطاً بذلك، سنحاول في هذه الدراسة أن نسلط الضوء على العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية المغربية، وعلى العوائق البنيوية الكامنة فيها. فسياسة المغرب الخارجية إلى جانب اتسامها بالبراغماتية وتأثرها بمجريات تحولات النظام الدولي، تمتاز بالانفعال وبالتبعية. وسنحاول تبيين ذلك من خلال نموذج علاقات المغرب مع إيران، والتي تميزت بالشد والجذب منذ الثورة الإسلامية عام 1979 إلى اليوم.

إشكالية الدراسة:

إلى أي حد يمكن اعتبار السياسة الخارجية المغربية تجاه إيران سياسة تابعة لأجندات إقليمية ودولية، وهل هي سياسة ردود فعل غير مدروسة وغير مبررة على نحو عقلاني، وكيف يظهر ذلك من خلال العلاقة بين المذهبي والسياسي ضمن محاورها؟

فرضية الدراسة:

السياسة الخارجية المغربية تجاه إيران دليل على أن تلك السياسة الخارجية المغربية موسومة بالارتهان لأجندات إقليمية ودولية، وبأنها سياسة ردود الفعل غير المدروسة وغير المبررة، والعلاقة بين الديني والسياسي ضمن محاورها هي التي تختزن تلك السمات.

منهج الدراسة:

اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج النسقي أو منهج تحليل النظم وتحديداً على نموذج ديفيد ايستون، ومؤداه أن لكل نظام سياسي بيئة تتضمن المدخلات التي هي المشاكل والمخرجات التي هي النتائج وردود الفعل على المشاكل، والتغذية العكسية التي تجعل الحلول تتحول إلى مشاكل جديدة9. وبناء على ذلك سنتعامل مع السياسة الخارجية المغربية تجاه إيران كمخرجات للعلبة السوداء للنظام في المغرب، ونتعامل مع المعطيات والأحداث التاريخية كمدخلات، من أجل بناء نسق من الأحكام على السياسة الخارجية المغربية في بعدها العملي، وبطرح العملي فيها من المعلن، للوصول إلى صافي السياسة الخارجية المغربية، بعد تفكيك شفرات العلاقة بين الديني والسياسي ضمن محاورها ومحطاتها.

أولاً: تاريخ من العلاقات غير المستقرة بين المغرب وإيران

عرفت «الثورة الإسلامية» في إيران عام 1979 نجاحاً غير متوقع، وزيادة على ذلك، نجح الخميني في تكريس نظريته حول «ولاية الفقيه» كنموذج للحكم في إيران ما بعد الثورة. بل وعكس توقعات خصوم الخميني من الإيرانيين ومن غيرهم فقد كُتب النجاح لأول دولة دينية في القرن العشرين بعد ثورة شعبية عارمة10، بخاصة أن النخب المثقفة في إيران كانت تعتبر أن لا مكان لرجال الدين في العالم المعاصر، عكس ما كان يراه الخميني من أن الحرب على الإسلام أخذت صوراً مختلفة يجمعها تأكيد أن الإسلام دوره منحصر في الأخلاق والعبادات11. وكان من بين أهداف الخميني تصدير الثورة إلى خارج إيران12، الأمر الذي تلقفته الحركات الإسلامية في العالم العربي باستثناء الوهابية13، وكان عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان بالمغرب الأكثر احتفاء بالثورة الإسلامية في إيران، والأكثر دفاعاً عن الخميني14. وهذا ما يفسر هجوم شيوخ الوهابية بالمغرب على الشيخ ياسين بالحدة نفسها التي رافقت هجومهم على الشيعة، وذلك في إطار التسهيلات التي كانت تمنح لهم أثناء إقامة دور القرآن.

وبعد ذلك النجاح الذي عرفته «الثورة الإسلامية» الإيرانية في الإطاحة بنظام الشاه عام 1979، بدأت العلاقات الإيرانية المغربية تتدهور، حيث قام المغرب بإجراءات عدة تختزل موقفه العدائي للوضع الجديد15. فاستقبال المغرب للشاه عام 1981، وتكفير فقهاء المغرب للخميني16، واتهام إيران بالوقوف وراء أحداث عام 1984 المتزامنة مع عقد مؤتمر القمة الإسلامي بالدار البيضاء، إضافة إلى إعلان الدعم المغربي للعراق في حربه مع إيران، وما ترتب على ذلك من دعم إيران لحقّ الصحراويين في تقرير مصيرهم. كلها عوامل كانت كافية لطبع العلاقات بين البلدين بالتوتر ثم القطيعة بسبب مخاوف الحسن الثاني من امتداد النموذج الثوري الإيراني إلى المغرب، خصوصاً أنه أصبح نموذجاً عملياً ملهماً للإسلاميين آنذاك17.

وترافق كل ذلك مع موجة فكرية وسياسية إسلامية انتعشت في الثمانينات بالشرق الأوسط، بحيث أعطاها ما يعرف بالجهاد الأفغاني دفعة قوية، والذي جاء في سياق دولي وإقليمي مطبوع برغبة أميركية في ردع الوجود السوفياتي في أفغانستان، ورغبة الأنظمة في المنطقة في كبح جماح تيارات اليسار لهذا كانت جميع الأطراف مضطرة للتسهيل لأنشطة الإسلاميين ودعمها أحياناً18، فجرى استعداء الإسلاميين على الشيعة وعلى اليسار في آن معاً وهو الأمر الذي قد يفسر الربط الذي أقامه الحسن الثاني في خطاب شهير له سنة 1984 بين بيان لمنظمة إلى الأمام الماركسية وبين الدعم الإيراني! لا سيما أنه في تلك الفترة كان الماركسيون الإيرانيون وأنصار الخميني لا يزالون حلفاء ثورة وليدة، نظراً إلى حجم الضرر الذي لحق ماركسيي حزب تودة منذ محاولة الاغتيال التي تعرض لها الشاه رضا بهلوي في 4 فبراير 1949، فأعلن انفراده بالسلطة وشن حملة اعتقالات واسعة على كل المعارضين19. فقد كان نظام حكم الشاه في الظاهر حداثياً، لكنه كان قمعياً إلى حد كبير، ما جعل الليبراليين والشيوعيين في حالة عداء معه، أما الإسلاميون فكان عداؤهم له بسبب انتهاجه قمع الحريات، وبسبب واجهته الليبرالية «الإباحية الغربية»20.

لقد كانت العلاقات الدبلوماسية المغربية الإيرانية محتشمة في بداية الثمانينات، ولم تتعد التعامل مع مبعوثين شخصيين للملك وإقامة سفارة مغربية بطهران سرعان ما تم إغلاقها. لكن مع مجيء التسعينات ستعرف تلك العلاقات استئنافاً طبيعياً كان من مبرراته السياق الدولي نهاية الحرب الباردة والإقليمي نهاية الحرب العراقية الإيرانية والداخل الإيراني تبلور تيار إصلاحي جديد في إيران يؤجل الخطاب الإيديولوجي الثوري ويركز على الأولويات التنموية الداخلية وتحسين العلاقة مع الجوار العربي وقد مثله كل من رفنسنجاني وخاتمي .

وبالنسبة إلى المغرب كان هناك سبب إضافي يبرر عودة الدفء إلى العلاقات يتمثل في توتر علاقات إيران مع الجزائر غداة شجبها إلغاء الجيش الجزائري لنتائج الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون عام 1992، وبعد فترة سيقطع المغرب علاقاته أيضاً مع الجزائر ويعمد إلى غلق الحدود بعد أحداث مراكش سنة 1994 التي اتهم الجزائر بالضلوع فيها، فقامت العلاقات الدبلوماسية بشكل جيد بين المغرب و إيران، ولم تعد إلى جو القطيعة إلا مع عام 2009، بحيث قاربت الزيارات الرسمية بين البلدين على مستوى وزراء الخارجية ورؤساء المجالس التشريعية حوالى الثماني زيارات في الفترة الممتدة بين عامي 1997 و2007 21. كما شملت حوالى خمسة عشر اتفاقاً ومذكرة تفاهم في الفترة الممتدة من سنة 1995 إلى سنة 2007، وهي تهم قطاعات التجارة والنقل والخدمات والتعاون الثقافي22.

فما هي أسباب القطيعة؟ وهل هي سياسية أم مذهبية؟ وكيف يمكن تقييم السياسة الخارجية للمغرب من خلال الموضوع الإيراني؟

ثانيا: القطيعة بين المغرب وإيران بين المذهبي والسياسي

كان مبرر قطع العلاقات من الجانب المغربي مشتملاً على الاحتجاج على التعامل غير المقبول والانتقائي مع القائم بالأعمال المغربي في طهران، على خلفية موقف المغرب من المس بسيادة مملكة البحرين، إضافة إلى رفض المغرب الأنشطة التي تقوم بها السلطات الإيرانية في المغرب والتي تستهدف الوحدة المذهبية للمغرب23. أما بالنسبة لإيران فاستغربت القرار وردت بالمثل لكن هناك الكثير من الملاحظات التي تثير القلق بشأن هذا الموضوع، فهل للأمر صلة بغيرة المغرب على المس بسيادة دولة عربية؟ أم له صلة بمس إيران بالوحدة المذهبية للمغرب؟ وأي منها كان ذريعة قطع العلاقات؟

خلاف مذهبي؟

يعود الخلاف بين السنة والشيعة24 إلى فترة الصراع على السلطة الذي نشب بين علي ومعاوية بعد مقتل عثمان بن عفان25، بحيث انقسم المسلمون إلى فرق عدة لكل منها رؤيته الخاصة لطبيعة ذلك الصراع، وتدريجياً بدأت معظم تلك الفرق تسبغ تفسيراً دينياً عقدياً على اختياراتها في السياسة، ثم أخذت تلك الفرق تتمايز عن بعضها في الفقه وأنماط السلوك والتفكير، وكل ذلك انتهى بصراعات هدامة لا تزال قائمة إلى اليوم. ومن بين الموضوعات التي قسمت تلك الفرق على طرفين موضوع ذات الله وصفاته الواردة في القرآن، فبعدما كان السلف26 «يفوضون» معانيها إلى الله ويأخذونها كما هي «من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل»27. لكن بعد توسع رقعة الإسلام في أواخر القرن الثالث للهجرة وما بعدها ظهر مشكل لدى غير العرب في فهم المجازات اللغوية في اللغة العربية، وأصبح خطر الوقوع في التجسيم في الذات والصفات يحدق بالعقيدة الإسلامية فأخذ قسم من فقهاء المسلمين يأخذون تلك الصفات على سبيل المجاز، ويقومون بصرف المعاني الظاهرة إلى معان أخرى، كتفسير يد الله بالقدرة والاستواء بالتمكين وهكذا28.

وترتب على ذلك كم كبير من فتاوى التكفير ملأت صفحات كتب الفقه والعقيدة منذ تلك الفترة، بحيث اتجه الفريق الذي تعصب لرؤية السلف على رغم لا تاريخيتها إلى الحديث عن فساد عقائد كل من يقول بغير ما يقولون به29. وبخصوص الشيعة فيجرى تكفيرهم لأنهم يجمعون بين التأويل في الذات والصفات كما هو شأن الأشاعرة، وبين أخذ موضوع الإمامة بالعقيدة بحيث يعتبرونها أصلاً من أصول الإيمان30، ويضيفون إلى ذلك ما يسميه شيوخ الوهابية بالبدع والضلالات التي يقتسمونها مع أهل التصوف31.

المهم من كل هذا أن مؤسسة سنية عريقة كمؤسسة الأزهر تعتبر الشيعة الإمامية الإثني عشرية الجعفرية، تعتبرها مذهباً من مذاهب المسلمين المعتبرة32، في حين تعتبر الوهابية وحدها أن عقيدة الأزهر التي هي نفسها عقيدة المغاربة عقيدة فاسدة، والتصوف بدع منكرة، والشيعة روافض كفار بالمطلق، دونما تفريق بين مللهم وطوائفهم، ودونما التفريق بين إيران كدولة وبين المجتمع الإيراني كنسيج معقد من الولاءات الفكرية والدينية والسياسية، فإذا كان الوضع هكذا، وإيران لا يوجد خلاف جوهري في العقيدة والمذهب بينها وبين عقيدة المغاربة فلماذا أرجع بيان وزارة الخارجية المغربية سبب الخلاف إلى تهديد إيراني للوحدة المذهبية للمغرب؟

بهذا الخصوص ينبغي الإشارة إلى أن هذا الأمر تم برضى المغرب منذ بداية التسعينات بحيث وقع الطرفان سنة 1995 اتفاق تبادل ثقافي لثلاث سنوات، ثم محضر للتعاون الثقافي سنة 1998، علاوة على حضور علماء الدين الإيرانيين للدروس الحسنية على عهد الملكين، فلا مبرر لاحتجاج المغرب على الأنشطة الثقافية الإيرانية لا سيما أن هذا نشاط طبيعي تقوم به تمثيليات جميع الدول عبر العالم في البلدان المضيفة لها في إطار الدبلوماسية العامة. ناهيك عن أن كل هذا جاء في سياق تبادل للزيارات الرسمية وعلاقات على جميع المستويات، فمثلاً على الصعيد التجاري وصلت قيمة المبادلات إلى 8 مليون درهم سنة 2006.

فإذا كان التحجج بأي خطر يمس الوحدة المذهبية والعقدية فينبغي استشعاره من بعض أنشطة السعودية33 التي تنشر العقيدة الوهابية الأكثر خطراً على الأمن الروحي للمغاربة34، لكن المغرب يتساهل بين الفينة والأخرى مع تلك الأنشطة نظراً إلى الموقف الإيجابي للوهابية من طاعة أولي الأمر، زيادة على الدور الذي قامت به هذه الحركة في التصدي للمد اليساري ولمشروع جماعة العدل والإحسان. أما في خصوص موقف الشيعة الإمامية السائدة في إيران من إمارة المؤمنين فهو موقف إيجابي بحيث أنهم يجعلون الإمامة أصلاً من أصول الإيمان وهي لعلي وأبنائه، ودليل تقديسهم لأحفاد علي ابن عم النبي استقبال الإيرانيين للحسن الثاني أثناء زياراته لهم أيام حكم الشاه كما يروي عبد اللطيف الفيلالي وزير الخارجية الأسبق في مذكراته، زيادة على أن تكفير فقهاء المغرب للخميني كان بسبب تأويله لمكانة الإمام وليس لموقف معين من إمارة المؤمنين بالمغرب.

الدراسة أعدّت بطلب من مجلة شؤون الأوسط المتخصصة

باحث في سلك الدكتوراه في جامعة محمد الخامس بالرباط

Naoum.abdelfattah gmail.com

مراجع

1. وهي إما أطروحات نوقشت في كليات الحقوق بالمغرب وهي قليلة جداً، أو محاضرات وكتب لباحثين وأساتذة تعليم عال بالمغرب، أو كتابات أجانب، أو مقالات، تضاف إليها السير الذاتية القليلة جداً في هذا الباب التي كتبها خبراء في السياسة الخارجية المغربية أمثال عبد اللطيف الفيلالي أو عبد الهادي بوطالب.

2. يتعلق الأمر بالفصل 19 من دستور سنة 1996، والفصلين 41 و42 من دستور سنة 2011.

3. وهي حركة انطلقت في العشرين من فبراير من سنة 2011، في سياق أحداث الاحتجاج التي عرفت باسم الربيع العربي، وكان من بين أهم مطالبها الفصل بين السلطة والثروة، ومحاسبة من يملك السلطة. ورافقت شعارها ذاك بحمل صور من يعرفون بالنخبة الملكية من مدراء أعمال ومستشارين سياسيين واقتصاديين للملك.

4. على رغم إقرار دستور جديد سنة 2011 إلا أن الملك احتفظ بنفس الموقع على صعيد صنع السياسة الخارجية، يراجع: الحسن بوقنطار، السياسة الخارجية 2000-2013، سلسلة مواضيع الساعة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 86، سنة 2014، ص36.

5. ننطلق من الفرضية القائلة بأن السياسة الخارجية لأي بلد ترتبط بشكل جدلي مع السياسة الداخلية، وأيضاً باعتبار الطابع القطاعي للسياسة الخارجية بما يعني الحديث سياسات خارجية وليس سياسة خارجية فقط. وبخصوص التجربة المغربية فللمزيد من الاطلاع يراجع:

Abderrahim elmaslouhi, politique int rieure et politique ext rieure au maroc : essai d identification de la dynamique interf rentielle dans le champ politico-diplomatique marocain, doctorat en droit, fsjes rabat, 2000.

6. هذا ما يتفق عليه معظم الباحثين والمهتمين والمثقفين بالمغرب، نستشهد بمقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ محمد الطوزي بتاريخ 01/07/2014 بالرباط.

7. محمود خلف، علم العلاقات الدولية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1987، ص61.

8. عادل مساوي، علاقة المغرب مع أفريقيا جنوب الصحراء بعد انتهاء القطبية الثنائية، أطروحة نيل الدكتوراه في القانون العام،جامعة محمد الخامس اكدال/الرباط، 2003، ص5.

9. David Easton, an approach to do analysis of political systems, world politics, vol 9, no 3, apr 1957, page 384.

10. أروند إبراهيميان، تاريخ إيران الحديثة، ترجمة مجدي صبحي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، عدد 409، شباط 2014، ص230/231.

11. روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية، الطبعة الثالثة، دون ناشر ولا تاريخ نشر، ص 7 وما بعدها.

12. فقد اعتبر أنها «نهضة إسلامية ومن الطبيعي أن يتفاعل معها جميع مسلمي العالم»، يراجع: تصدير الثورة كما يراه الإمام الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، طهران، من دون تاريخ نشر ولا رقم الطبعة، ص10.

13. الوهابية ليست مذهباً إسلامياً بالمعنى الدقيق للكلمة، وهي تسمية لا يرضى عنها من تُطلق عليهم. لكن هي تطلق عادة على أتباع تأويلات محمد ابن عبد الوهاب الشيخ الحنبلي المتشدد الذي عاش في نجد في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. وآراؤه الفقهية والعقدية لم تكن محل اتفاق حتى بين فقهاء الحنابلة ممن عاصروه، كما هي مختلف عليها داخل السعودية وخارجها اليوم داخل من ينتسبون إليها. أما بخصوص تعاطي الحكم في المملكة مع من يمثلونها من شيوخ فهو تعاطٍ انتقائي، بحيث لا تتورع السلطات عن الاعتناء بمن يرضيها والتنكيل بمن يخالفها. للمزيد بهذا الخصوص يراجع: توماس هيغهامر، الجهاد في السعودية، ترجمة أمين الأيوبي، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2013.

14. هناك العديد من الشواهد في كتبه التي كتبها منذ المنهاج النبوي تربية وتنظيماً وزحفاً سنة 1982 وما بعده، وقد جاء ذلك في سياق الاصطدام الذي حصل بينه وبينه الحسن الثاني على إثر الرسالة المفتوحة التي بعث إليه بها سنة 1974 والمعنونة بالإسلام أو الطوفان. يراجع على سبيل المثال، عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيماً وزحفاً، الطبعة الثانية 1989، ص395. حيث يقيم ربطاً بين الحرب على الخميني وحرب الوهابية القائمة على نبش تراث الماضي المتعلق بالشيعة، والسبب أن الوهابية كانت تهاجمهما معاً فكان دفاعه عن الخميني دفاعاً عن نفسه بالدرجة الأولى.

15. والذي لم يكن الوحيد ولم يكن تلقائياً كما سنبين.

16. كان ذلك في خطاب شهير للحسن الثاني أعلن فيه أن الخميني جرى تكفيره بفتوى من العلماء المغاربة، وذلك كان بناء على قوله: «من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل» يراجع: روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، ص52.

17. الإخوان المسلمون والحركات القريبة منهم كجماعة العدل والإحسان بالمغرب مثلاً. وهي العلاقة التي ستتكرس أكثر بعد احتفاء إيران بقاتل الرئيس المصري محمد أنور السادات خالد الاسلامبولي، حيث ستسمي السلطات الإيرانية في أواسط الثمانينات شارعاً في طهران باسمه. إضافة إلى حركة الترجمة النشيطة لكتب حسن البنا وسيد قطب وبعض كتب عبد السلام ياسين إلى اللغة الفارسية.

18. حصل تحالف ضمني بين جهات عدة في هذا الصدد بدءاً بمستشار الأمن القومي بريجينسكي حينها وانتهاء بشيوخ الوهابية وبمنظري الإخوان المسلمين مروراً بالأنظمة الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، «فصارت القضية أن أفغانستان أرض إسلامية احتلتها الشيوعية الكافرة»، يراجع على سبيل المثال، محمد قطب، الجهاد الأفغاني، المكتبة السلفية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1992، ص55.

19. آمال السبكي، تاريخ إيران السياسي بين ثورتين، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، – الكويت، العدد 250، أكتوبر 1999، ص168/169.

20. هناك بعض المرويات في هذا الإطار حول علاقته بالحسن الثاني، ومؤداها أن الحسن الثاني كان ينصح الشاه بعدم استفزاز المجتمع المحافظ باللبرالية السافرة، وبأن يأخذ نهج الحسن الثاني في هذا المضمار نموذجاً.

21. حسب أرشيف وزارة الخارجية المغربية.

22. حسب أرشيف الجريدة الرسمية للسنوات المذكورة.

23. هذا هو مضمون بيان وزارة الخارجية المغربية في تاريخ 6 مارس 2009، وحسب تصريحات وزير الخارجية المغربي آنذاك الطيب الفاسي الفهري للإعلام، وحسب ما نشر في الصحافة المغربية والعربية بخصوص الموضوع.

24. هناك مواقف متضاربة على مر العصور بخصوص الشيعة والعلاقة بينهم وبين السنة وبينهم وبين الإسلام، بحيث لا يتفق كل شيوخ الوهابية على تكفيرهم، ولا يتفق كل شيوخ الأزهر أيضاً على ذلك، وإنما يلحظ الباحث أن فكرة تكفير الشيعة تخترق كل المؤسسات والطوائف والاتجاهات وتندرج من المواقف الأخرى داخلها من الشيعة، للاطلاع على عرض بخصوص تلك المواقف، يراجع: علي حازم وعبد الله الحلاق، السنة والشيعة مسلمون، نشر اتصالات سبو، مراكش، الطبعة الثانية، 2013.

25. على أن هناك خلافاً بين المؤرخين، بحيث هناك من يعود بجذور التشيع إلى فترة حياة النبي، وهناك من يعود به إلى فترة ما بعد وفاة النبي كابن خلدون غيره، ويتفق مؤرخو السنة على أنه وليد الصراع بين علي ومعاوية. يراجع: محمود جابر، الشيعة والتشيع: الجذور والبذور، مركز الأبحاث العقائدية، إيران/ قم، الطبعة الأولى، 1430 هجرية، ص68 وما بعدها.

26. يقصد بهم القرون الثلاثة الأولى للإسلام، أي الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.

27. تم توارث هذه الرؤية منذ السلف بشكل حرفي إلى محمد ابن عبد الوهاب مروراً بابن الزاغوني وابن تيمية وابن القيم، وهذا النموذج مأخوذ من: احمد ابن عبد الحليم ابن تيمية، العقيدة الواسطية، تحقيق علوي بن عبد القادر السقاف، مؤسسة الدرر السنية للنشر، السعودية، الطبعة الأولى 1433 هجرية، ص91.

28. في حقيقة الأمر هناك الكثير من التفاصيل في هذا الباب والتي لا يتسع المجال لسردها، لكن يمكن الاطلاع على تلك التفاصيل في عدد كبير من الكتب التي تتناول الموضوع، والتي يساهم شيوخ الوهابية في إغنائها من وجهة نظرهم طبعاً، لكن لا يضير الباحث الرجوع إليها لتقصي وجهات نظرهم بالرغم من لا تاريخيتها.

29. يمكن ملاحظة ذلك بسهولة ماثلاً إلى اليوم في المنشورات والكتيبات الخاصة بالعقيدة التي تملأ مطابع وخزانات السعودية، والتي يصدرها شيوخ الوهابية المنافحين عن التفويض والمناهضين للتأويل، فتحفل منشوراتهم بتتفيه العقائد الأخرى من الأشاعرة إلى الماتردية إلى الشيعة، مثلاً يراجع: عبد الله ابن باز، العقيدة الصحيحة وما يضادها، منشورات الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، الطبعة السادسة، 2007.

30. بهذا الخصوص فأهل السنة غير متفقين على تكفيرهم، بحيث لا يضيرهم أن يحسموا مسألة الإمامة بالعقيدة كما لا يضير أهل السنة أن يحسموها بالفقه، يراجع: محمد سليم العوا، العلاقة بين السنة والشيعة، سلسلة كتاب الجيب، العدد 52، منشورات الزمن، 2006، ص56.

31. على أن كل تيارات الشيعة في الماضي والراهن ليسوا في وئام تام مع التصوف، بحيث يمقت تيار «الرافضة» التي توطن في الاثني عشرية والجارودية وغيرها، يمقت التصوف وأهله، كما ينكر على التيارات الأخرى الغير «رافضية» مساكنتها لمناصرة آل البيت ومن يعتبرهم الرافضة أعداءهم، ويسمون هذا التيار بـ «البترية»، ويمثلهم في الراهن تيار «محمد الشيرازي» وهم معادون لإيران وحلفها، ويعتبرونهم مدعي تشيع، ولهم شيوخ عدة أمثال ياسر الحبيب وحسن الله ياري، بحيث يمتلكون فضائيات تلفزيونية مخصصة لمهاجمة رموز السنة ومهاجمة إيران وحلفها الإقليمي.

32. صرح مفتي مصر علي جمعة بأن لا خلاف بين الشيعة والسنة، موقع العربية.نت بتاريخ 02/03/2009. ويمكن استسقاء الكثير عن هذا الموضوع بالرجوع إلى آراء شيوخ الأزهر من محمود شلتوت إلى أحمد الطيب فأغلب شيوخ الأزهر وفقهاؤه لا يكفرون الشيعة، هناك استثناءات تخص بعض الشيوخ الذين تبنوا الفهم الوهابي للعقيدة الإسلامية وبالتالي توزيع التكفير على كل من سواهم، أو اعتبار عقائدهم فاسدة في أحسن الأحوال.

33. السعودية تتعامل مع الوهابية كأداة لمحاصرة المد الشيعي، ولذلك نلمس شرخاً بائناً بين معتقدات ومواقف شيوخ الوهابية وبين أسلوب عيش الأمراء والأميرات في المملكة العربية السعودية، وبين شكل الإعلام وغيره وهي أمور لا ترضي حتماً أتباع الوهابية، لكن يجري ضبطهم بمنطق عدم الخروج على ولاة الأمر.

34. فقهاء المغاربة الرسميون والذين هم خريجو مؤسسات التعليم الديني العتيق بالمغرب، لا يعتبرون الشيعة من غير المسلمين أثناء التأصيل للتعامل الشرعي مع غير المسلمين، مثلاً يراجع كتاب مصطفى بن حمزة رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة، التأصيل الشرعي للتعامل مع غير المسلمين، مجلة المجلس، منشورات المجلس العلمي الأعلى، الطبعة الأولى، 2010.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى