القضية ليست «داعش» بل «النصرة»
ناصر قنديل
– منذ دخول تنظيم «داعش» إلى الرمادي وتدمر والنقاش يدور حول تفسير ما جرى في السياسة بعيداً عن النظريات التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما، أو التفسيرات التي أضافها وزير دفاعه آشتون كاتر. فلو قبلنا النظريات المتداولة في التفسيرات الأميركية عن ضعف عزيمة الجيش العراقي، وقبلنا الكلام عن تعب الجيش السوري، وقبلنا الكلام الأميركي السابق عن تعهّد الرئيس الأميركي بقيادة تحالف دولي عربي للحرب على «داعش»، لا مكان فيه للدولة السورية ولا يحتاج تنسيقاً معها، ولا مع الدولة الإيرانية، ولا يرغب في رؤية الحشد الشعبي في ساحات الحرب في العراق، وتحديد حليفه البديل للدولة السورية هو ما أسماه مع حلفائه بـ»المعارضة السورية المعتدلة» التي يلتقيها أركان دولته منذ شهور، ويتحدثون عن قرار مشترك مع الحلفاء بتدريب وإعداد وتجهيز مقاتليها، وبديل مقابل للحشد الشعبي هو العشائر المسلحة في الأنبار التي يلتقي وفودها منذ شهور ويعدهم بالسلاح والإمداد، فيصير السؤال أين هو التحالف وحلفاؤه ومعارضته المعتدلة وعشائره المسلحة؟
– لا يستطيع أوباما ووزير دفاعه التحدث عن معنويات الجيش العراقي في تفسير سبب الانتكاسة في الرمادي وتحميله المسؤولية، لأنهم رأوه ينتصر في محافظة صلاح الدين ويثبت ويقاتل حيث كان يقاتل معه «الحشد الشعبي». وهذا هو المبرّر الوحيد الذي استندوا إليه للقول بتسليح العشائر لأنهم يشاركون الحكومة القول باستحالة صمود الجيش وفوزه منفرداً، كما لا يستطيع أوباما وكارتر الادّعاء أنّ الحكومة بإصرارها على ربط تسليح العشائر باحترام السيادة العراقية، وإنجازه عبر الحكومة العراقية، طالما أنّ الأميركيين قد وافقوا على طلب الحكومة العراقية واعتبروه صحيحاً وأعلنوا الالتزام به، لكن السلاح لم يصل، بل الأدهى أنّ السلاح الذي اشترته الحكومة العراقية لجيشها من الأميركيين ودفعت أثمانه لم يصل أيضاً.
– لا يستطيع أوباما وأي من حلفائه تحميل الدولة السورية التي رفضوا أيّ دور لها في الحرب على «داعش» ويرفضون كلّ تنسيق معها، مسؤولية تقدّم «داعش» نحو تدمر، كما لا يستطيعون تحميلها مسؤولية تعطيل برامجهم لتدريب وتسليح وإعداد معارضتهم المعتدلة لتكون جاهزة لقتال «داعش» داخل الأراضي السورية، سواء كانت هذه المعارضة موجودة واقعياً وتباطأ الأميركيون في تسليحها عمداً، ومثلهم حلفاؤهم، أم كانت مجرد فانتازيا ووهم وسراب كما سبق وقال أوباما ذات يوم.
– على العكس تماماً يستطيع العراقيون تحميل الأميركيين المسؤولية عن سقوط الرمادي، لأنهم فرضوا على الحكومة العراقية تحت ابتزاز وقف الغارات المساندة للجيش العراقي في وجه «داعش» منع الحشد الشعبي من التوجه إلى الأنبار، وخلقوا مع حلفائهم مناخاً طائفياً معادياً للحشد الشعبي، ولوّحوا عبر بعض الرموز السياسية والعشائرية بالتهديد بالفتنة إذا دخل «الحشد الشعبي» إلى الرمادي. وفي المقابل لم يظهر من قوة التحالف في ساعات تقدّم «داعش» نحو الرمادي أيّ تحرك عسكري، خصوصاً أنّ الجيش العراقي تحدث عن إرسال طلبات عدة ومثله مسلحو العشائر، لدعم جوي من دون أن يكون هناك أيّ تجاوب من جانب التحالف.
– يستطيع السوريون تحميل الأميركيين مسؤولية دخول «داعش» إلى تدمر، لأنهم وضعوا الدولة السورية بانتهاكهم لأجوائها تحت شعار الحرب على «داعش»، بين خيارين صعبين، أن تدخل في معركة غير محسوبة ومسبّبة للضرر ويريدها كلّ أعداء سورية، بالتصدّي للطيران الأميركي والتمسك باحتكار الطيران السوري لأجواء بلاده، أو التعايش على مضض مع هذا الادّعاء الأميركي بالتكفل بالحرب على «داعش». ولكون سورية اعتمدت الخيار الثاني، يحق للسوريين مرة ثانية تحميل الأميركيين مسؤولية دخول «داعش» إلى تدمر، لأن لا شيء يمكن أن يفسّر ويبرّر كيفية اجتياز مئات السيارات المسلحة لـ«داعش» لمئات الكيلومترات في الصحراء، من دون قيام طيران التحالف باستهدافها طوال ساعات، احتاجتها المواكب المهاجمة لبلوغ تدمر.
– ما تكرّر بين الرمادي وتدمر هو قرار أميركي لن تخفيه ولن تنجح في إخفائه كلّ كلمات أوباما وكارتر. والواضح أنه قرار مستمرّ، بدليل الحملة المنظمة التي تواصلها واشنطن على القرار العراقي بحسم وضع الرمادي، بالتعاون مع «الحشد الشعبي». والواضح أيضاً أنّ تعظيم خطر «داعش» مطلب أميركي، وإضعاف مكانة الجيشين السوري والعراقي في وجه «داعش» مطلب أميركي أيضاً، وأنّ اختيار المعارضة المعتدلة شريكاً سورياً للتحالف ينطلق من الثقة بكونها غير موجودة، كما الامتناع عن تسليح الجيش العراقي والعشائر والضغط لمنع «الحشد الشعبي»، كلها خطوات مطلوبة لتمكين «داعش» من التوسع والتعاظم.
– بالتزامن مع هذا التعظيم من مكانة «داعش»، وتصويره خطراً داهماً، يسترعي الانتباه كثيراً تسليط الضوء في وسائل الإعلام الغربية على معارك بين «داعش» و«النصرة»، والتركيز على أنّ جبهة «النصرة» تحقق إنجازات في وجه «داعش». و«النصرة» المصنفة تنظيماً إرهابياً، والمعلوم أنها التشكيل الرسمي لتنظيم «القاعدة»، يجري تمويه اسمها باستخدام اسم جديد هو «جيش الفتح» المعلن أنه ثمرة دمج فصائل معارضة، بينما هو في الواقع مجرّد تسمية جديدة لـ«النصرة». وربطاً لكلّ ذلك بما هو معلن من مساع سعودية قطرية فرنسية و«إسرائيلية» ولبنانية لتعويم وشرعنة جبهة «النصرة»، سنصل ببساطة إلى يقين بأنّ توسّع «داعش» هو خطة أميركية نصفها المعلن توسّع «داعش»، ونصفها المقبل الاعتراف بأنّ الضرورات تبيح المحظورات، وأنّ ردّ هذا الشرّ الخطير مستحيل من دون التعاون مع «النصرة» وتطويبها على كرسي المعارضة المعتدلة الشاغر منذ بدء الحرب على سورية.
– هل كان هذا هو مخطط واشنطن الأصلي، تطبيع العلاقات مع «القاعدة» من بوابة سورية، وتسليم «النصرة» كفرع لـ«القاعدة» جزءاً من سورية وساحل المتوسط، وشمول وقف الاشتباك الساري المفعول منذ ثلاثة عقود بين «القاعدة» و«إسرائيل»، الأميركيين ومصالحهم؟
– لم تخطئ سورية ولا أخطأ حزب الله عندما جعلا حرب القلمون حربهما الرئيسية حيث القوة المركزية لـ«النصرة» في المنطقة الأشدّ مركزية وحيوية وخطورة في جغرافيا المنطقة لارتباطها مباشرة بفرصة التواصل مع جيش الاحتلال «الإسرائيلي».
– «داعش» خطر داهم، هذا المشترك اليوم بين المتحاربين على جغرافيا الشرق الأوسط، ولو قام البعض بتعظيم وتسهيل تعاظم «داعش»، فالبعض المقابل ليس في موضع الاعتراض، السباق هو في الإجابة عن سؤال، من يصدّ خطر «داعش»، «النصرة» أم حلف الجيوش والمقاومات، هذا ما ستقرّره حرب القلمون، المنتصر هناك سيحسم الجواب.