انتحاري القديح ومسؤولية السلطات السعودية

حميدي العبدالله

في تعليقها على الهجوم الانتحاري الذي نفذه أحد عناصر تنظيم «داعش» يوم الجمعة الماضي، قالت صحيفة «سعودي غازيت» الصادرة باللغة الإنكليزية إنّ «بعض الأئمة يفرغون حقدهم وينشرون معلومات مغلوطة عن مسلمين من مذاهب أخرى». ونقلت صحيفة «الجزيرة» السعودية عن المتحدّث الأمني قوله إنّ عصام الداوود الذي سهّل عمل الانتحاري وأواه «سبق أن أعادته السلطات السعودية من لبنان عندما كان موقوفاً من قبل السلطات اللبنانية على ذمة قضايا إرهابية».

والقضايا الإرهابية، حسب التقارير المنشورة في وسائل الإعلام، المقصود بها «أنّ الداوود كان موقوفاً في سجن رومية» في لبنان غداة توقيفه على خلفية انتمائه إلى صفوف تنظيم «فتح الإسلام» الذي خاض معارك ضدّ الجيش اللبناني في عام 2007، وفي ذلك التاريخ لم تكن أحداث سورية بدأت لكي يتمّ التذرّع بها، كما أنّ 7 أيار حدثت بعد عام من هذا التاريخ في لبنان، وبالتالي لم تكن أية ذريعة تفسّر انضمام هذا الرجل وغيره إلى تنظيمات إرهابية. الكلام المنشور في «سعودي غازيت» الذي يحمِّل الأئمة المسؤولية، ويقرّ بدورهم في التحريض على المذاهب الإسلامية الأخرى، وتسهيل عودة أحد الإرهابيين من لبنان، يؤكد مسؤولية حكومة المملكة العربية السعودية أولاً عن هذا الهجوم، وعن الهجوم الذي سبقه في المنطقة الشرقية قبل بضعة أشهر، وثانياً عن تزايد أعداد السعوديين المشاركين في التنظيمات الإرهابية على امتداد العالم، ولا سيما على مستوى المنطقة العربية.

هنا الاتهام لا ينطلق من موقف مسبق، أو عداء لحكومة المملكة العربية السعودية، بل من ما يصرّح ويعترف به الإعلام في المملكة، إذ من المعروف أنّ الكاتب ومقدّم البرامج في أحد الأقنية السعودية داوود الشريان تحدّث أكثر من مرة عن مسؤولية هؤلاء الأئمة في تسميم عقول الشباب منذ حرب أفغانستان مروراً بالعراق وانتهاء بسورية، وطالب السلطات المعنية باتخاذ مواقف صارمة من هؤلاء الأئمة. مسؤولية السلطات السعودية هذه المرة مزدوجة، فالأئمة على الرغم من كلّ الإنذارات المبكرة، التي عبّرت عنها الهجمات الإرهابية السابقة في أنحاء مختلفة من المملكة استمرّوا بالتعبئة المنحرفة التي تحدّثت عنها صحيفة «سعودي غازيت» ولكن السلطات لم تقم بعزلهم أو مساءلتهم، إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، ثم لماذا تعيد حكومة المملكة إرهابياً معتقلاً من لبنان ثم تطلق سراحه، ولماذا لم تحكم الرقابة عليه على الأقلّ، ولو أحكمت الرقابة عليه لكان بمقدورها إحباط عملية القديح، وإنقاذ أرواح ودماء عشرات الأشخاص الذين سقطوا في المسجد.

لا يمكن الجمع بين التحريض على المذاهب في دول أخرى، وحمل راية الفتنة المذهبية، وبقاء هذه الفتنة خارج الحدود. كان ينبغي على السلطات السعودية أن تدرك أنّ هذه اللعبة سوف ترتدّ إلى داخل أراضيها، لأنّ المجتمع في المملكة العربية السعودية مجتمع متعدّد شأنه شأن الكثير من المجتمعات العربية، ولا بدّ أن يتأثر بما يجري خارج الحدود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى