سورية تلوي ذراع الفيصل… وإيران ترعب سلمان!
محمد صادق الحسيني
سعود الفيصل يعلن دعوة قديمة إلى ظريف لزيارة الرياض، ويقول إنه مستعد للتفاوض مع طهران…
الفيصل يلبّي بذلك، متأخراً، طلباً أميركياً بالإذعان بالفشل في سورية، حفاظاً على حصته في الحكم أو الإعفاء على غرار بندر.
الفيصل يؤخر بذلك خروجه من دائرة الحكم بعض الوقت لا أكثر، وطهران لن تلبّي الدعوة إلا بقبول الملك كامل الشروط الإيرانية. وأهمّ الشروط الايرانية إذعان الملك وحاشيته لحقيقة أنّ عرين الأسد غير قابل للاختراق، وأنّ العراق دولة عربية مستقلة تماماً، وأنّ إيران دولة نووية وإقليمية عظمى بامتياز، وأنّ لبنان دولة مقاومة لا حصة فيها للقتلة ولا لرجالات ما بعد الربع الخالي…
والبقية على الطريق…!
هذا في ما يخصّ الجناح الفيصلي الذي يحاول الملك عبد الله قصقصة أجنحته على غرار البندريّين.
في هذه الأثناء يستمرّ بقايا السديريين أو من كان يطلق عليهم اسم «أخوة فهد» بالتلويح بما يسمّونه بـ«الخطر الإيراني» كما جاء على لسان ولي عهد «الإنعاش» سلمان بن عبد العزيز، وهو يخطب بوزراء الدفاع الخليجيين وهم مجتمعون بحضرة تشاك هيغل وزير الحرب الأميركي!
يحصل ذلك كما بات معروفاً في إطار التسابق المحموم بين الأجنحة السعودية المتصارعة حول من يخفّف الوطأة عن الخطر الحقيقي للأمة، ألا وهو الخطر «الإسرائيلي» واستبداله بالخطر الوهمي أي «إيران»!
أما الملك المعظّم وصاحب الطموح الأقوى بنيل ثقة الأميركيين الديمقراطيين، والذي عيّن مقرن بن عبد العزيز وصيّاً على العرش، فهو مستمرّ في تصفية السديريين ومحاصرة نفوذهم في كلّ مكان، فما أن وصل تشاك هيغل حتى تحركت ماكينة الإعفاءات والتعيينات المضادة، فأعلن إعفاء سلمان بن سلطان كنائب لوزير الدفاع وتعيين خالد بن بندر مكانه… فيما عُيّن بأمر ملكيّ آخر تركي بن عبد الله أميراً على الرياض، وهي الحصن الحصين لسلمان بن عبد العزيز، آخر رموز السديريين! ويجمع المتابعون والمطلعون على الشأن السعودي بأنّ حرباً مستعرة تدور على قدم وساق بين الأجنحة المتصارعة على حكم القبيلة في مملكة بن عبد العزيز، وأن أحد أهمّ أسباب تسارعها هو لعنة سورية التي تلاحقهم مثل ظلّهم بعدما تورّطوا فيها حتى آذانهم، وباتوا يحصدون الفشل بعد الفشل والخيبة تلو الأخرى كلّما تقدم بهم الزمن واقترب موعد الاستحقاق الرئاسي السوري.
ليس وحده أمير الكويت من نصحهم باكراً باتباع طريق الحوار مع طهران لعلّهم يفتحون «كوريدوراً» آمناً الى العاصمة السورية. قبله حاول معهم طويلاً وزير الخارجية العُماني المعروف بحنكته وتلمّسه طريق فك رموز النزاعات في المنطقة، وحسّه المرهف تجاه الأمن الخليجي، إذ ظلّ ينصحهم بأنّ بطاقة المرور الى دمشق تمرّ عبر طهران وحدها، بعدما هدمتم بقراراتكم كامل جسور العروبة والإسلام! وعندما اكتشف باكراً من العام الفائت خلية أمنية عسكرية في بلاط السلطان قيل إنّ محمد بن زايد، حاكم الإمارات الحقيقي، كان يخطط من خلالها انقلاباً ضدّ قابوس بن سعيد، بدعم أميركي، مسنوداً بصقور التيار السعودي، عندئذٍ تقطعت السبل بين مسقط والرياض ولم تبق سوى جهود أمير الكويت التي نجحت في رأب الصدع، لكن موقتاً وحتى إشعار آخر!
في إطار معركة تقاسم النفوذ والحصص أولاً، ثمّ تحميل كلّ طرف الطرف الآخر سبب الهزيمة النكراء في سورية، خسرت الرياض شريكها القطري في سفك الدم السوري أيضاً وأيضاً. ذلك كله أبقى ملك الرياض وحيداً أمام أوباما وكيري وتشاك هيغل وظهره إلى الحائط، ما اضطره الى خوض معركة حياة أو موت مع الأجنحة المتصارعة معه داخل المملكة من جهة، ومعركة حجز مقعد له في النظام الإقليمي والعالمي الجديد من جهة أخرى، ما يعني الكفاح لأجل الوصول إلى بوابات طهران ببعض ماء الوجه، وإنْ أسعفه الحظ ووصل إليه الدور فتح «الكوريدور» الآمن الى دمشق، بعد انتخاب الأسد لدورة جديدة.
هي السنن الكونية ذاتها، وسفينة الوجود والحياة، وقواعد التاريخ والجغرافيا التي لا تخطئ. من فهِمَها واستوعَبَها وحفظ دروسَها جيداً حكم بأمان وسلّم الأمانة إلى مَن هو بعده بأمان، ومَن لم يستوعبها ولم يحفظ الدرس يُسحق ويخرج من اللعبة ويُهزم شرّ هزيمة… ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين…!