توتر إعلامي مصري ـ سعودي رغم الهدوء الديبلوماسي
القاهرة ـ فارس رياض الجيرودي
نشرت جريدة «المقال» الاثنين الماضي مقالاً للإعلامي والكاتب الصحافي المصري الشهير، إبراهيم عيسى، بعنوان ما فقدته السعودية بالسياسة تحاول أن تعوّضه بالخراب ، عيسى وجه للمملكة العربية السعودية جملة اتهامات، أهمّها تمويل الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية من «داعش» و«القاعدة»، حتى تتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب ما تتعمّد إحداثه من دمار في الساحة اليمنية، من دون أن تتمّ مواجهتها من قبل دول عربية أخرى، وبالأخصّ مصر، لمُحاسبتها على ممارساتها التي يرى عيسى أنها لن تجلُب للمنطقة العربية سوى الخراب.
كما اتهم عيسى في إحدى حلقاته الأخيرة ببرنامج 25/30 والذي يُذاع على قناة «ONTv» الفضائية، المملكة العربية السعودية بتمويل الفكر الوهابي، وتصديره للعالم العربي منذ السبعينات، ورأى انّ العاملين المصريين في السعودية يعودون بأفكار في غاية التطرف.
ولا تتأتى أهمية تحليلات ابراهيم عيسى فقط من جرأته النادرة في الإعلام العربي لناحية انتقاد السياسة السعودية، بل من كونه يعتبر من الإعلاميين الأكثر قرباً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبناء عليه فقد سبّبت تحليلاته تلاسنات شديدة بدأت تأخذ مجرى عدائياً واتهامياً بين البلدين، في ما يشبه حرباً إعلامية واضحة على رغم الصمت الديبلوماسي بين البلدين، رأس الحربة الإعلامية السعودية في هذه الحرب، يترأسه جمال خاشقجي، الذي طالب بسياسة مصرية جديدة تنطلق من إعادة الاعتبار لجماعة «الإخوان المسلمين»، وفي حين تعدّدت الشخصيات الإعلامية المصرية التي ردّت على جمال خاشقجي إضافة إلى انتقادات لاذعة للحرب على اليمن في إطار «عاصفة الحزم» وقيادة السعودية لها، وبرز على رأس هذه الشخصيات الإعلامية المصرية – إضافة إلى إبراهيم عيسى – يوسف الحسيني، هذا الأخير، حذر خاشقجي من الصدام مع الإعلام المصري، وقال «إنّ على السعوديين أن يتذكروا أنّ الثقافة والفن المصريّين هما اللذان علّما السعوديين»، وعلى رغم أنّ بعض الإعلاميين المصريين يرون أنّ التوتر يقتصر على مثقفين من البلدين اصطدمت وجهات نظرهم كما يقول نائب رئيس تحرير جريدة «الوفد» عماد خيرة في حديث خاص لـ»البناء»، إلا أنّ آخرين يرون أنّ هناك فتوراً سياسياً فعلياً بين البلدين كانت نقطة الانعطاف فيه، تعليق وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل على رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة العربية المنعقدة في شرم الشيخ، وهو التعليق الذي أدّى إلى تفجّر الخلافات بين الجانبين، حيث كشف ما قاله الفيصل عن الخلاف بينهما وظهّره إلى العلن، ففيما حاول الرئيس المصري تحييد الملف السوري الذي يعتبر نقطة الخلاف الجوهرية بين البلدين، فإنّ وزير الخارجية السعودي أصرّ على إظهار الموقف السعودي في شكل نافر وصدامي ما شكل إحراجاً للقيادة المصرية مع الجانب الروسي الذي تعوّل مصر على العلاقة معه.
ويتداول إعلاميون مصريون، في جلسات خاصة، أسباب تردّي العلاقات مع السعودية، وتراجعها، فيعيدون ذلك إلى الخطوات الأولى التي اتخذها الملك سلمان فور تسلّمه الحكم، من تغيّرات في طاقمه الحاكم، عبر استبعاد التويجري صاحب العلاقات الجيدة مع السيسي، لكنهم يشيرون على الأخصّ إلى أنّ الملك الجديد اتخذ من ابنه محمد بن سلمان مستشاراً له، ليس فقط كوزير للدفاع، فقد ترأس بالفعل ما يُسمّى بـ«مجلس الشؤون السياسية والأمنية»، وهو هيئة جديدة مهمّتها صناعة القرار السياسي والأمني السعودي.
ويتفق معظم الإعلاميين المصريين، على أنّ الإعلان السعودي عن تشكيل «عاصفة الحزم» والبدء بالحرب في اليمن، تمّ من دون علم أو استشارة القيادة المصرية، التي فوجئت بالأمر، ثم جاء حضور الملك سلمان للقمة بعد ذلك، محاولة منه كي يفرض الأمر الواقع على مصر في الدرجة الأولى، وهي الإشارة الأكثر وضوحاً على أنّ القيادة السعودية اتخذت موقفاً سلبياً في مصر، وحسب هؤلاء فإنّ السعودية تخشى من دور قيادي مصري للمنظومة العربية، من هنا جاء الالتفاف على المقترح المصري بتشكيل قوة عربية، من المعلوم أنّ مصر ستكون قيادتها الفعلية بالنظر إلى أنها تمتلك أكبر قوات مسلحة لها تجربتها وتاريخها، ما يؤهّلها لهذه القيادة، وفي هذا السياق تقول هذه الشخصيات الإعلامية، إنّ الإعلان عن «عاصفة الحزم» بهذه الصورة، كانت محاولة سعودية، للعب دور قيادي على حساب التطلعات المشروعة لمصر. في السياق ذاته، يرى هؤلاء أن طلب السعودية من باكستان، المشاركة القوية والفاعلة في «عاصفة الحزم» كانت محاولة جادة من قبل الرياض لتهميش الدور المصري، صحيح أنّ السعودية لا تزال علناً تؤيد تشكيل قوة عربية مشتركة، إلاّ أنها من الناحية العملية، لا تساهم في هذا التشكيل وتستبدله بدور سعودي مباشر مع دول الخليج العربي، باستثناء عُمان، للإطاحة بالدور المصري المرتقب، بينما يعكس حديث السيسي المتناقض حول قوة مصر للمصريين ولحماية مصر، ومن ثم تصريحه بعد ساعات، بأن مصر ستشارك في الدفاع عن مصالح الأمة العربية ودول الخليج، يعكس في نظر هؤلاء ارتباك القرار المصري الذي يأخذ في الاعتبار، التطلع إلى دور قيادي، ويتطلع في الوقت ذاته إلى الإسناد المالي ولدعم خطط مصر الاقتصادية، التي تعتمد اعتماداً كبيراً ورئيسياً على الدعم السعودي والخليجي عموماً.
ومن بين كل ملفات الخلاف المصري – السعودي يرى المحلل والكاتب الصحافي عماد خيرة في حديثه لـ»البناء» أنّ الخلاف على الملف السوري هو الأهمّ، ففي حين تضع السعودية كلّ ثقلها لاستبعاد الرئيس الأسد من مستقبل الحلّ في سورية، ترى القيادة المصرية أن لا حلّ للأزمة في سورية من دونه، بل إنها ترى حسب خيرة أنه الضمانة الوحيدة لأمن المنطقة في مواجهة الموجة الإرهابية التي تضرب المنطقة ومن ضمنها مصر، ولذلك تعمل مصر بالتنسيق مع الجانب الروسي على دعم بقاء الأسد في السلطة وذلك عبر جمع ما أمكن من أطراف المعارضة السورية وإقناعهم بالمشاركة في الحكم، من أجل توسيع تمثيل النظام السوري، وهو ما يشكل تناقضاً مع أهداف السياسة السعودية حسب خيرة.