لماذا أرجئ مؤتمر جنيف حول اليمن؟
العميد د. أمين محمد حطيط
كان من المقرر أن ينعقد في جنيف اليوم المؤتمر الذي دعت إليه الأمم المتحدة لفتح حوار يمني يمني بإشرافها بحثاً عن مخرج أو حل للمأساة اليمنية التي تجلت بأبشع صورها من خلال العدوان السعودي الأميركي التدميري الذي قتل وجرح وشرد الآلاف من اليمنيين وأجهز على البنية التحتية المتواضعة التي كانت تملكها الدولة المصنفة على رغم ما ينبغي أن يكون فيها من خيرات وثروات، مصنفة ضمن الدول الفقيرة التي تحتاج للمساعدات الخارجية. وبالتأجيل هذا مددت المأساة ومعاناة الشعب اليمني الذي يتطلع إلى الاستقلال والحرية والأمن والعيش والكريم. وهنا يطرح السؤال لماذا كان التأجيل وإلى متى؟
من الواضح أولاً أن السعودية ظهرت وبوضوح كلي أنها السبب الحامل على التأجيل، تجلى ذلك من خلال المطالب التعجيزية التي أطلقها من كان قبل استقالته رئيساً لليمن عبد ربه هادي منصور ، والذي انقلب إلى دمية سعودية تمرر المملكة عبرها ما تريد فرضه على اليمن باسم «الشرعية» المزعومة أو المدعاة لذاك الشخص. بالتالي فأننا في البحث عن سبب التأجيل لا نتوقف عند ما طرحه هادي بل نبحث في الأسباب التي حملت صاحب القرار الفعلي على منع انعقاد المؤتمر وتأجيله، وعما يتوخاه من هذا الفعل.
فالتأجيل تم بطلب سعودي مدفوع الثمن كما كان القرار 2216 الذي أغفل العدوان السعودي على اليمن لا بل عاقب الضحية مراعاة للجلاد. أما الأسباب التي حملت السعودية على هذا الموقف فأنها تتصل بفشل السعودية عسكرياً وخوفها من المستقبل سياسياً.
فالسعودية تدرك أن انعقاد المؤتمر مجرد انعقاده -على أرض خارج أرضها أو على الأقل خارج دول مجلس التعاون الخليجي الذي تهيمن عليه، أنما هو إقرار بتراجع موقعها في اليمن وفي منطقة الخليج كله، وأن ذلك سيؤكد خسارتها لموقع «الرعاية الأبوية» التي تدعيها ويكرس انتهاء عهد انتدابها على اليمن. ومن أجل ذلك ترى في التأجيل فرصة لكسب الوقت لمراجعة المواقف ثم صياغتها بما تأمل أنه سيمنع هذه الخسارة، سواء بنقل المؤتمر إلى الخليج أو اعتماد منظومة محادثات وحوار أخرى لا تقصيها عن المشهد.
ومن جهة أخرى فان السعودية تدرك أن أي حوار يمكن أن ينطلق اليوم بين اليمنيين أنما سيكون محكوماً بالواقع المتشكل في الميدان، وهو واقع يعاكس مصالحها ورغباتها في أكثر من وجه:
فهي خلال شهرين ونيف صبت حممها على الشعب اليمني فأنبتت نارها في صدره حقداً وكراهية لها لا يمكن أن يقتلعها من الصدور حديث أو لقاء أو وعد بمبلغ مالي مهما كان قدره، بالتالي خرجت السعودية من نفوس اليمنيين مطرودة كعدو، وأنها قيد الإخراج من الأرض مطرودة كمستعمر، وأي حل يأتي في ظل هذا الوضع يعتبر كارثة استراتيجية عليها.
لم تستطع السعودية بعدوانها المسمى أولاً «عاصفة الحزم»، أو الموصوف بعدها بـ «إعادة الأمل»، أن تجني من حزمها العدواني شيئاً سوى القتل والدمار غير القابل للصرف ميدانياً وسياسياً، ولم تتمكن أن تعود إلى الأرض لمواصلة استعمارها. فالقصف الجوي التدميري والإجرامي لم يكن ولن يكون من طبيعة تمكن من فرض السيطرة على الأرض، فالسيطرة لا يحققها ألا العمل البري والسعودية تعجز عن القيام به.
والسعودية كما تأكد، لا تملك جيشاً قادراً على المهمة البرية، خصوصاً وقد اثبت الميدان أن ما تسميه جيشاً ليس أكثر من مجموعة من الناس إلى جانبهم سلاح ولم يرتق المشهد بهم إلى تكوين جيش ذو عقيدة ويملك الإرادة والخبرة والمعنويات اللازمة للقتال في الميدان وقد فضحته المواجهات الحدودية مع اليمنيين أيما فضيحة. حيث أن المواقع العسكرية السعودية التي بقيت بيد أصحابها هي فقط المواقع التي لم يهاجمها اليمنيون حتى بات أبناء عشائر اليمن يتندرون في ما بينهم قائلين بأنهم «وجدوا في المواجهة أناساً أعدوا لأنفسهم خطط الفرار ولم يعدوا خطط قتال».
ومن جهة أخرى فان كل ما قيل عن استئجار جيوش أو استقدام حلفاء لإنقاذ السعودية من ورطتها، ظهر زيفه وخواؤه، فلا اللواء السنغالي ارتضى العمل على الحدود مع اليمن ولا اللواء السوداني قبِل أن يدخل إلى اليمن، ولا الجيش المصري أو الباكستاني في وارد الانزلاق إلى مستنقع يعرف كيف يكون الدخول فيه ولا يعرف كيف يكون الخروج منه.
وتبقى كلمة حول ما قيل عن إنزال سعودي بحري محتمل في عدن كما يروجون من أجل الإمساك بها وإدخال هادي إليها لإقامة التوازن مع صنعاء، فإننا نراه قولاً غير قابل للتحقق لأن دونه عقبات لا تستطيع السعودية تذليلها مطلقاً.
بالمحصلة فان الميدان لا يلبي الرغبات السعودية، ولأن الحل السياسي التفاوضي يكون عادة ترجمة للواقع الميداني فان السعودية ترى في مؤتمر جنيف إن عقد الآن وفي ظل المشهد المتشكل، ترى فيه مكاناً لإعلان استقلال حقيقي لليمن وخروجها منه خالية الوفاض بإعلان انتهاء انتدابها على اليمن.
أما على الصعيد الدولي فأننا نرى أن أميركا لن تغامر قبل الأول من تموز المقبل بتسهيل البحث عن حل أي ملف في منطقة الشرق الأوسط إذ كان فيه مصلحة لمحور المقاومة أو إيحاء بأنه في مصلحته. وأن أي حل يمني اليوم سيعتبر وبكل موضوعية انتصاراً لليمن وللشعب اليمني الذي ضاق ذرعاً باستعمار السعودية وهيمنتهما، انتصار سيشكل دفعاً للمشروع التحرري الاستقلالي الذي يقوده محور المقاومة.
لهذه الأسباب كان تأجيل مؤتمر جنيف حول اليمن بضغط سعودي أميركي، تأجيل نعتقد أن أصحابه يتوخون منه كسب الوقت من أجل ما يصفونه إعادة التوازن إلى الميدان على غرار ما طرحوا سابقاً عندما أجلوا مؤتمر جنيف2 حول سورية لأنهم وجدوا أن الميدان ليس في مصلحتهم. ولذلك سيحاولون خلال الشهر المقبل تصعيد العمل العسكري في اليمن مع الاعتماد أكثر على إرهابيي القاعدة ومليشيات ما يسمونه القوات الموالية لعبد ربه منصور هادي من أجل امتلاك السيطرة على أوسع ما يمكن من الأرض اليمنية أو على الأقل منع الجيش اليمني واللجان الشعبية من السيطرة عليها والاستقرار فيها.
ومع هذا نرى أن هناك استحالات ثلاث باتت تواجه السعودية في اليمن، الاستحالة الأولى تتمثل بعودة اليمن إلى ما كانت عليه قبل أيلول 2014، الثانية استحالة إعادة دمياتها إلى الحكم، الثالثة استحالة إقصاء محور المقاومة عن اليمن ومع هذه الاستحالات وكلها من طبيعة الخسائر الاستراتيجية ومع المكابرة السعودية نرى أن ليس أمام اليمنيين إلا مواصلة الصمود والإمساك بالسيطرة على أرضهم، والاستمرار في الضربات العسكرية التنبيهية والثأرية على الحدود مع السعودية لإيلامها فإيقاظها وتصعيد ذلك وفقاً لمقتضى الحال، وأخيراً الثقة بأنهم فيما صنعوه حتى الآن باتوا الفريق المنتصر من دون شك.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية