السعودية… التغيير من الداخل أولاً

عامر نعيم الياس

المملكة العربية السعودية، رقعة جغرافية واسعة تنسب إلى عبد العزيز آل سعود. نحن في مواجهة حالة نادرة في التاريخ، إن لم تكن الوحيدة، إذ تنسب دولة إلى اسم شخص أتى بسلالته إلى الحكم عبر أمرين: اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية على ضمان استمرار حكم السلالة، والتحالف القائم داخل المملكة السعودية الوهابية بين عائلتي آل سعود وآل الشيخ، الأولى تضم سلالة عبد العزيز والثانية تضم سلالة محمد بن عبد الوهاب صاحب المذهب الذي يشكل الرافعة الدينية الشرعية لنظام الحكم القائم في مسقط رأس الرسول العربي.

ثنائية للحكم تجعل من الرهان على أي تغيير في سياسات المملكة الإقليمية والدولية مرتبطاً إلى حد كبير بالداخل، أي بحركة تموضع الأمراء سواء من أبناء عبد العزيز أو أحفاده، وعند هذه النقطة بالذات بدأت قبل شهرين حركة تغييرات داخل السعودية خارجة عن المألوف في تاريخ المملكة، فقد عُيّن الأمير مقرن بن عبد العزيز أصغر أبناء عبد العزيز ولياً لولي العهد، في خطوة خالف فيها الملك السعودي شرط «الأقدمية في الحكم» الذي وضعه والده المؤسّس، وهي خطوة عدّها بعض المراقبين تأجيلاً لصراع الجيل الثاني على الحكم، فيما وضعها آخرون في إطار ترتيب البيت الداخلي، تمهيداً لوصول فرع الملك عبد الله، أي أبناؤه، إلى سدة الحكم في المملكة. احتمال يبدو أن صوره بدأت تتوضح فعلياً في حركة الأوامر الملكية الصادرة منذ حوالى شهرين حتى الآن، إذ أصدر الملك عبد الله الشهر الماضي قراراً بإعفاء الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز من منصبه كمدير للاستخبارات السعودية، وقبل يومين أعفي الأمير سلمان بن سلطان، أخو بندر، من منصبه كنائب لوزير الدفاع، كما عُيّن الأمير تركي بن عبد الله، نجل الملك، في منصب أمير العاصمة الرياض العاصمة السياسية ، وقبله عُيّن النجل الآخر للملك الأمير مشعل بن عبد الله أميراً لمنطقة مكة العاصمة الشرعية والدينية . هذه التغييرات تزامنت مع الدعوة المفاجئة التي أطلقها وزير الخارجية سعود الفيصل لنظيره الإيراني من أجل زيارة المملكة، وبحث الملفات التي تهم الجانبين.

إن الصورة السابقة تمكننا من تسجيل التالي:

ـ ما جرى في المملكة ما كان له ليتم لولا الرضا الأميركي، أو بمعنى أدق الإشراف المباشر على حركة التغيير في المملكة الحيوية بالنسبة إلى الأمن القومي الأميركي. فالتعيينات الأخيرة جاءت في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل في جدة.

ـ اندفعت السعودية نحو التغيير بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي باراك أوباما إليها واللقاء الذي جمعه بالملك الذي كان يضع جهاز تنفس اصطناعي، لقاء قالت عنه «بي بي سي» البريطانية إنه جاء «لتهدئة مخاوف المملكة وطمأنتها من التقارب الأميركي ـ الإيراني»، لكن الأمر لم يتم وكان «من دون جدوى» بحسب توصيف «واشنطن بوست» الأميركية، وعند هذا التفصيل بالذات، الواضح أن الأميركي فصل الملفات عن بعضها، فأمن الخليج وضمانه والعلاقات المميزة مع الرياض وعواصم الخليج الأخرى لا تتعارض مع خطوات التقارب الدولي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهنا تبرز أهمية الدعوة السعودية التي التقطت هذه الإشارة متأخرة قليلاً، لكنها بجميع الأحوال لم تفوّت الفرصة.

ـ تطرح مجموعة أسئلة حول ما جرى في المملكة في الأيام الأخيرة منها: هل ثمة رابط بين التغييرات داخل المملكة وملف التقارب مع إيران، أو بالحد الأدنى الانفتاح الحذر تجاهها؟ هل ترتيب البيت الداخلي في السعودية شرط أساس يسبق أي تغيير مرجو في السياسة الخارجية للبلاد؟

في نظام كنظام الحكم في السعودية، حيث يجد الملوك صعوبة في القراءة باللغة العربية، وحيث تتحكم الأحقاد الشخصية وسباق الولاءات لإرضاء الإدارة الحاكمة في واشنطن في رسم السياسات، فضلاً عن وجود أزمة حكم في الداخل نتيجة الشيخوخة وتضخم أعداد الأمراء الشباب في فروع أبناء عبد العزيز، يصبح مفهوم التغيير من الداخل تمهيداً للتحول الخارجي أمراً مرجحاً. فإقالة بندر بن سلطان، ثم أخيه سلمان الذي «كان مرافقاً لأخيه منذ كان بندر سفيراً في الولايات المتحدة، وكان مساعده في إدارة ملف الحرب في سورية منذ تموز 2012، وتولى إدارة غرفة العمليات المشتركة في الأردن»، هذه الإقالة نتج عنها الاتفاق الذي جرى في حمص، والذي ما كان له ليتم لولا تدخل مباشر من الراعي الأساس لميليشيا «الجبهة الإسلامية» في سورية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إعادة ترتيب البيت الداخلي تسمح بالانضباط تحت سقف السياسة الأميركية في المنطقة في عدد من الملفات، أهمها الملفان السوري والإيراني، ففي الأول «لا تسليح للمعارضة المسلحة في سورية بأسلحة نوعية ولا استجابة للجربا» ولا حتى «رغبة أميركية بالتدخل المباشر في سورية» بحسب «واشنطن بوست» الأميركية، وفي الثاني دفع لعجلة التفاوض مع إيران والدول الست الكبرى والتي تجري حالياً في فيينا، دفع بالحد الأدنى باتجاه التمديد لستة اشهر أخرى قبل التوصل إلى الاتفاق النهائي حول تخصيب اليورانيوم، فإدارة أوباما تريد طي صفحة التوتر مع إيران المستمرة منذ أكثر من ثلاثين سنة. وفي هذا السياق وفي دليل على أهمية إتمام التغيير داخل السعودية كان لافتاً أمس الأول تصريح ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز بحضور وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، والذي حذّر فيه من إيران «الخطرة على شعوب دول المنطقة وأمنها»، تصريح جاء بعد يومين فقط من تصريحات وزير الخارجية سعود الفيصل التي أعلن فيها استعداده لاستضافة نظيره الإيراني محمد جواد ظريف.

من الداخل بدأ التغيير في السعودية، تغيير لإعادة ترتيب البيت الداخلي وإعادة صوغ السياسة الخارجية وفقاً لإيقاع الاستراتيجيات والمصالح الأميركية في المنطقة، بدءاً من حرب الاستنزاف في سورية، مروراً بالتطورات في اليمن والبحرين ومصر ولبنان وأفغانستان، وليس انتهاءً بالمفاوضات النووية مع إيران.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى