ردّ «إسرائيلي» مدهش على الأمم المتحدة
روزانا رمّال
بينما تدور نقاشات في الأوساط العسكرية «الإسرائيلية» في ورش عمل يرأسها نائب رئيس الأركان اللواء يائير غولان، وبإشراف رئيس الأركان غادي إيزنكوت حول احتمال اندلاع مواجهة واسعة مع حزب الله في الشمال، فوجئت «إسرائيل» بتوصية أمميّة بوضع تل أبيب على القائمة السوداء إلى جانب «داعش»، بسبب قتلها الأطفال وإلحاق الضرر بهم.
لم تفارق هذه النقاشات المتتالية دولة العدو قط منذ تحرير عام 2000، وهي في كلّ مناسبة تعمد إلى بثّ تقارير تتحدث تارة عن حرب ستشنها قريباً على حزب الله، وطوراً عن حرب تعيد لبنان عشر سنوات إلى الوراء.
لا تغيب «إسرائيل» حتى عن المعارك التي تدور في جوارها وتلك التي لا تنفذها مباشرة، ولا يحرجها الظهور مباغت على خط الأزمات علناً، بل على العكس هي تسعى إلى التواجد عند الضرورات التي ترتأيها قيادتها العسكرية والاستخباراتية، وقد ظهرت في الأزمة السورية مشرفاً وداعماً لوجيستياً لا سيما في معارك القصير ضدّ حزب الله والجيش السوري، كما ظهرت سنداً وإمداداً لـ«النصرة» و«داعش»، فاستقبلت الإرهابيين الجرحى في مستشفياتها الحدودية، إضافة إلى شنّ هجمات على أهداف لحزب الله والجيش السوري تثبت من خلالها أنّها حاضرة وفاعلة في كلّ ما يجري.
هذا الواقع الذي يسعى البعض إلى تبرئة «إسرائيل» هو الواقع نفسه الذي تسعى الأخيرة إلى أن يكون حقيقة واحدة بشتى الطرق. فالنقاش بين إرهاب وآخر في المنطقة يفوقها بالنسبة إليها ولو كان «داعش» و«النصرة» أصلاً يتعارض مع مبدأ نشأتها، لهذا السبب سعت إلى إثبات الحضور في غير مرة لأنها تعرف أنها بمجرد فقدانها عنصر التفوق في مشروعية التعدي فإنها تكون قد دخلت العدّ العكسي لوجودها.
الملفت اليوم والموجب للنقاش ليس امتعاض «إسرائيل» من التوصية الأممية التي صنفتها إرهابية واعتبارها إياها نفاقاً، إنما الردّ المدهش عليها من قبل الخارجية التي قالت «إنّ هناك حالات عديدة مماثلة، حيث يقتلون الأطفال في النزاعات، لكن لا أحد يجرؤ على إدخال الأطراف المسؤولة إلى القائمة، الجميع يعلم كيف تقتل السعودية الأطفال في اليمن، نريد أن نرى كيف سيتم إدخال السعودية إلى هذه القائمة».
تدعيم الحجة «الإسرائيلية» بالمثال السعودي مدهش في حدّ ذاته ومعطى جديد يشير إلى أبعاد تسعى «إسرائيل» إلى توضيحها عن السعودية، وإذا كانت «إسرائيل» قد أدانت السعودية قبل العرب بالوحشية، فإنه اعتراف بطريقة أو بأخرى بوحدة الحال بينهما، وبالتالي فإنّ الكلام «الإسرائيلي» الذي يتعدى التذمر وصل إلى حدود المطالبة برفع الصوت ضدّ السعودية كمعتدي مع علمها أنّ الأمم المتحدة باتت خاضعة لأوامر وضغوط الدول الكبرى الممولة فيها وهذا ما تقصده الخارجية «الإسرائيلية» بالقول: «لا أحد يجرؤ على إدخال الأطراف المسؤولة إلى القائمة».
«إسرائيل» التي تبحث في شنّ حروب على لبنان والتخلص من حزب الله مباشرة أو عبر «داعش» و«النصرة» واقعة منذ فترة بين كابوس الاعتراف بفلسطين حيث جاء اعتراف الفاتيكان الأخير ضربة قاسية على الكيان الذي يصعب عليه التعايش مع تقلب المزاج الأوروبي، وقد سبقت الفاتيكان دول أخرى في الاعتراف بفلسطين بينها السويد و إيرلندا التي أقرّ مجلس شيوخها اقتراحاً يدعو حكومة دبلن إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، إضافة إلى تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على قرار مشابه يطالب الحكومة الفرنسية بالاعتراف بدولة فلسطينية واستئناف المفاوضات «الإسرائيلية» ـ الفلسطينية على الفور.
المأزق «الإسرائيلي» الوجودي الذي بات على المحك في أروقة ديمقراطيات أوروبا ومجالس شيوخها هو المزاج الذي سلك طريقاً قادراً على التأثير على الرأي العام الدولي في شكل أوسع من النطاق الأوروبي، وبالتالي فإنّ «إسرائيل» مستعدة في هذا الإطار لفضح الكثير من الملفات والتصويب على الكثير من التجاوزات التي تسهم في التخفيف من تصنيفها الإرهابي الأول في العالم لتقول لا… هناك من يتصرف مثلي وهو أمامكم، وبالتالي بقي أمام كلّ من تعامل مع «إسرائيل» ونفذ وخطط واشترى سلاحاً وطلب ضباطاً واستشاريين من أجل تنفيذ مخططات في الساحة العربية هجرت وقتلت وسحقت بيوت الناس وذكرياتها و براءة أطفالها أن يتوقع من «إسرائيل» المأزومة فضائح من العيار الثقيل ومواقف مدهشة من مبدأ «عليّ وعلى أعدائي أيها العرب».
«إسرائيل» اليوم عبرة لمن يعتبر…
لماذا السعودية؟
لأنّ السعودية شريك سري في كلّ ارتكابات «إسرائيل» منذ نشأتها وهي الممول الثاني للأمم المتحدة بعد أميركا ويجب تذكيرها بمثل ما ذكرت «إسرائيل» المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية السناتور لينذري غراهام أثناء زيارته لتل أبيب كشرط لدعمه وأعلن الاستجابة، «أنّ تمادي الأمم المتحدة في إدانة إسرائيل سيواجه بحرمانها من التمويل».