المعارضة السورية اشترت الوهم فأضاعت بوصلة السياسة
سعد الله الخليل
أبسط تعريف للمنطق الاعتماد على مجموعة مقدمات تقود إلى نتائج والمقدمات الخاطئة ستقود إلى نتائج خاطئة بالضرورة، وخلال الأزمة السورية تعاطت المعارضة السورية مع كل شيء يمكن أن يخطر في العقل البشري، إلا منطق السياسة الذي يفرض على الراغب في خوض غمار فن الممكن أن يضع مقدمات منطقية تتماشى مع مجريات السياسية بما يضمن نتائج مقبولة.
يعد رفض المعارضة السورية الدخول في أي مبادرة سياسية منذ بدء الأزمة ظاهرة يجب التوقف عندها بدأ من رفضها المشاركة في صوغ الدستور، إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية وأخيراً الانتخابات الرئاسية المقبلة كنتيجة متقوقعة لمقدماتها الخاطئة، كون الانتخابات الرئاسية تتويج لعملية سياسية تبدأ بالدستور.
في رفض المعارضة السورية المشاركة في صوغ الدستور وقوانين الإعلام والانتخابات أضاعت فرصة الخوض في عمق الحياة السياسية، والمناورة لفرض ظروف تسمح لها بالدخول في عملية الانتقال السياسي بسلاسة وموضعية وفق أحجامها الشعبية.
من الدستور تنطلق الحياة السياسية والاقتصادية الاجتماعية لأي دولة وأضاعت المعارضة السورية فرصة كسب احترام الشارع السوري برفضها كل مبادرات تعديل الدستور، وأصرت على إسقاط النظام بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والتشريعية، وطالبت السوريين بنسف مكتسبات ما يقارب نصف قرن من البناء والصمود بكل ما حملته من حلو ومرّ على ذاكرة السوريين، وأصرت على المتاجرة بوهم الوعود الكاذبة بغد مشرق من أقطاب المعارضة، التي قلما تمتلك خبرة سياسية ومصداقية في الشارع السوري، وحتى الأسماء الرنانة سقطت عبر التجربة فأزال محك السياسية بريقها المصطنع فكشفت عن معدنها الحقيقي.
لم تقف مأساة غطرسة المعارضة السورية أمام استحقاق الدستور فقاطعت الانتخابات التشريعية وأصرت على عدم الاقتراب مع مضمار الممارسة السياسية، مع نظام تتهمه بما أنزل الله من تهم خوفاُ من تلوث شرفها المنتهك من كل قوى العالم، رفضت دخول الانتخابات خوفاً على عذريتها السياسية من دنس السلطة، ولم تهتز لها شعرة لتسليمها طوعاً لكل أجهزة الاستخبارات الدولية، بل جاهرت بحفلات بغاء سياسي لم توفر قبو سفارة أو مقر وزارة أو حتى قنصلية فخرية غربية، حتى مستشفيات الاحتلال باتت سوق نخاسة سياسية، ففاتها قطار الانتخابات التشريعية واكتفت بلعن ظلام إقصائها والنباح على المنابر.
أمام رفض المشاركة في الحياة البرلمانية فوّتت المعارضة فرصة طرح رؤيتها السياسية أمام الشارع والبرلمان للسوريين، فكيف يمكن لطرف لم يشارك في انتخابات تشريعية، أن يؤمّن تأييد 35 من أعضاء مجلس الشعب للدخول بالانتخابات الرئاسية فبقيت خارج السباق.
تعاطت المعارضة في السياسة كتعاطي الأعرابي مع جرة العسل، وبنت الأحلام والأوهام على استثمار عسل الوعود الغربية والعربية، وذاقت حلاوة البترودولار لأيام وأشهر وسنوات، وشعرت بأن بينها وبين النصر قيد أنملة، فهل تكون الانتخابات الرئاسية العصا التي تكسر الجرة وتنهي حلم الثورة الموعود؟
خسرت المعارضة السورية في المقاطعة سياسياً وشعبياً وخسرت في استبعاد المنطق والغوص في مستنقع نقيضه الوهم، وهم باعتهم إياه دول صناعة القرار في الغرب بإمكان إسقاط الدولة والقيادة السورية قبل الاستحقاق الرئاسي، ما دفع المعارضين للتشدد في المقاطعة وهو ما يُفسر كأمر من اثنين، إما ارتهان قرارهم بيد الغرب، أو غباء سياسي دفعهم للاستمرار بصدم رأسهم بالجدار من دون أدنى شعور بالدم النازف على الأرض السورية، ولعل السنوات الثلاث أثبتت جواز الوجهين.