خبراء آثار روس: الأوابد التاريخية في تدمر مهدّدة بالفناء بعد اعتداء «داعش»

حذر خبراء وباحثون ومنقبون وعلماء آثار روس من أنّ اعتداء إرهابيي «داعش» على مدينة تدمر الأثرية العريقة «يجعل مصير الأوابد التاريخية فيها مهدّد بالفناء ما يعني تدميراً لإرث عالمي ترعاه منظمات الأمم المتحدة وخسارة كبيرة لا تعوض للحضارة الإنسانية».

وأوضح المشاركون في طاولة مستديرة أمس في موسكو «أنّ تدمير المعالم التاريخية والثقافية في أقدم المدن التاريخية في العالم التي نافست عاصمة إمبراطورية روما وأصبحت عاصمة لأهم ممالك الشرق مملكة تدمر التي تنتشر أوابدها على مساحة كبيرة من سورية يعتبر خسارة فادحة للمجتمع الإنساني وتحدياً كبيراً يعلنه الإرهاب أمام العالم أجمع».

وأشاروا إلى «أنّ المجتمع الدولي ومؤسساته ومحافله الرسمية ومعاهداته واتفاقياته بما في ذلك اتفاقية لاهاي وملاحقها المتعددة، ملزمة بالحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للإنسانية ومنه المواقع الأثرية المعتبرة من التراث العالمي في سورية وما تحتوي عليه الأرض السورية من آثار ومعالم تاريخية للحضارات المتعاقبة عليها».

وأوضح المشاركون «أنّ المعاهدات الدولية المختلفة وقرارات مجلس الأمن الدولي حرمت الإتجار بالمعالم الأثرية واعتبرت أضرارها جرائم تفوق أضرار جرائم الاتجار بالمخدرات والأسلحة وألزمت الدول الأعضاء والموقعة على هذه المعاهدات بمكافحة هذا النوع من الجرائم ضدّ الذاكرة الإنسانية وأوجدت الآليات المناسبة لذلك».

وأكدوا «أنّ المجتمع الدولي لا يبذل الجهود الكافية لتطبيق نصوص هذه المعاهدات وعليه أن يتحرك من أجل الحفاظ على المعالم التاريخية السورية وإعادة القطع المسروقة من متاحف سورية، منطلقاً من إنشاء الصناديق المالية المختلفة وإعادة إعمار ما دمّره الإرهابيون من معالم تاريخية في هذا البلد».

وفي مقابلة مع مراسل وكالة سانا السورية في موسكو، أكد فلاديمير تشيريبانوف رئيس قسم الثقافة في سكرتارية اللجنة الروسية لشؤون «يونيسكو» «أنّ حجم الهجوم الذي تتعرض له سورية من قبل الإرهابيين يتخذ أبعاداً هائلة بما في ذلك العدوان على إرثها الحضاري الثقافي».

وقال تشيريبانوف: «إنّ القضاء على آثار تدمر من قبل الإرهابيين يعني القضاء على رموز البشرية جمعاء»، داعياً إلى «تعبئة جهود المجتمع الدولي كله لوقف هذه الجرائم المروعة واتخاذ إجراءات جماعية اجمالية بما فيها تدابير إرغامية لحماية الآثار الثقافية والحضارية في الأرض السورية».

وأكد فلاديمير تسفيتنوف مدير قسم الرقابة والإشراف على الإرث الثقافي في وزارة الثقافة الروسية، من جانبه، في مقابلة مماثلة «أنّ الاعتداء على المناطق التاريخية والأثرية مثل تدمر خسارة كبيرة للإنسانية جمعاء وخاصة أنّ الأوابد التدمرية فريدة ونادرة على الأرض»، موضحاً «أنّ مدينة تدمر احتلت المرتبة الأولى في ترقيم كنوز فن العمارة التاريخية وتأتي في المرتبة الأولى أيضاً في قائمة الأوابد التاريخية التي تجعل الشعب السوري يفتخر بها».

وأشار شاخمردان آميروف كبير الباحثين في معهد التنقيبات الأثرية التابع لأكاديمية العلوم الروسية عضو البعثة الأرخيولوجية للتنقيبات في سورية، بدوره، إلى «أنّ كلّ من يدعي الحضارة والعصرنة اليوم ملزم بالدفاع عن التراث العالمي والإرث الإنساني الذي تركته الحضارات السورية وحمايته من الاعتداءات المتوحشة التي يرتكبها أصحاب العقول الظلامية والتكفيرية»، مطالباً «المجتمع الدولي وبالدرجة الأولى تركيا التي تمتلئ أسواقها السوداء بالقطع والرقيمات الأثرية السورية بالالتزام بتنفيذ المسؤوليات التي أخذتها على عاتقها بتوقيعها على المعاهدات الدولية في منع تهريب القطع الأثرية والاتجار بها والالتزام بإعادتها إلى موطنها الأصلي».

وأكد يفغيني باكريبسكي نائب مدير المعهد الروسي للإرث الثقافي والطبيعي التابع لوزارة الثقافة الروسية، من جهته، «أنّ ما يجري اليوم على الأرض السورية من تدمير للحضارة والأوابد التاريخية والثقافية ليس إلا نوعاً جديداً من الحرب الهمجية التي ترمي إلى القضاء على كلّ ما سبق من حضارة وتقدم وبناء عالم يليق بما تحتويه أدمغتهم من تصورات حول عالم خال من عبادة الأوثان والقيم الثقافية والإنسانية المختلفة كما يدعون».

وشدد باكريبسكي على «أنّ هؤلاء الظلاميين من معتنقي الفكر الوهابي لا يهمهم الإرث الإنساني المعاصر وأنّ تدميره يستجيب لمعتقداتهم التي يحاولون ربطها بالدين الإسلامي والإسلام براء منها».

وكان المدير العام للآثار والمتاحف الدكتور مأمون عبد الكريم أكد في بيان ألقاه خلال مؤتمر صحفي في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، «أنّ مدينة تدمر الأثرية تواجه اليوم تهديداً حقيقياً يتمثل بالتعدي عليها ومخاطر تدمير آثارها ما سيشكل كارثة حقيقية بحق تاريخ سورية في شكل خاص والإنسانية في شكل عام تتمثل بمحو أروع وأنصع صفحاته».

وأشار إلى أنّ اعتداء إرهابيي داعش على المدينة المسجلة على قائمة «يونيسكو»، «بات ينذر بوقوع مأساة جديدة في حقّ حضارة جديرة بأن يدافع عنها بكلّ الوسائل ولاسيما أنها قدمت للبشرية منجزات حضارية مهمة في عدة ميادين وجسدت على مدى قرون صلة الوصل بين الشرق والغرب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى