استمرار المعارك وخرق الهدنة ينذران بتقسيم جنوب السودان
ينذر خرق اتفاق الهدنة في جنوب السودان الذي وقعه الرئيس سلفاكير ميارديت ومسؤول المتمردين رياك مشار وفتح الأبواب مجدداً لمزيد من العنف والقتل، بتقسيم هذه الدولة الحديثة، بعد أقل من ثلاثة أعوام على قيامها.
ويبدو من خلال ذلك، أن إنهاء أعمال الاقتتال في جنوب السودان، في هذا التوقيت لن يكون أمراً سهل المنال لاعتبارات كثيرة، يتعلق بعضها بطبيعة الصراع نفسه وتكويناته ومسبباته والأيدي الخفية التي تقف من ورائه، إلى جانب أن اتفاق الهدنة الذي وقع بين الطرفين في أديس أبابا في التاسع من الشهر الجاري لم يكن عن قناعة كاملة من الخصوم، وإنما لعبت فيه الضغوط الدولية لا سيما الأميركية دوراً بارزاً عبر التلويح بإحالة الصراع على غياهب مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية وفرض عقوبات على أطرافه.
ويتضح أن الصراع بدأ حول السلطة، ولكنه وجد البيئة مهيأة بسبب النسيج البشري الديموغرافي لسكان الجنوب، الذي يعتبر مرجلاً يغلي، منذ عهود بتناحر القبائل في ما بينها، خصوصاً حول المراعي والماء، فضلاً عن الاحتكاكات الاجتماعية الشرسة، التي تطورت وقادت البلد حديث الاستقلال إلى براكين حروب قبلية عشوائية، ستتسع دائرتها كل يوم إلى أن أصبحت حرباً أهلية في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب أن اتفاقية السلام الشامل التي قادت الجنوب إلى الانفصال عن البلد الأم، التي بدورها حركت أوتار الحساسية بين القبائل، خصوصاً في ما يتعلق بتوزيع الثروة، إلى جانب المنافسة التقليدية الموروثة بين الدينكا، والنوير، أكبر المجموعات السكانية في جنوب السودان، التي ينتمي إلى الأولى سلفاكير فيما ينتمي للثانية نائبه السابق رياك مشار.
ولم يستبعد المراقب لتطورات الأوضاع في جنوب السودان على رغم التركيبة السكانية الهشة، التي تغذي الصراع، الدور الخارجي في الأزمة، لا سيما الدور «الإسرائيلي» إذا ما تم ربط ذلك بالاستراتيجية «الإسرائيلية» المتمثلة في مشروع القرن الأفريقي الكبير، الذي يهدف لإعادة بناء وتشكيل منطقة القرن الأفريقي، وفقاً لمصالح الكيان الصهيوني عبر تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.
إضافة إلى أن دولة جنوب السودان ظلت واحدة من اهتمامات «إسرائيل»، باعتبار أنها تسعى لتنفيذ استراتيجيتها القائمة على المسائل العرقية والإثنية، فدولة جنوب السودان مبنية على العشائرية، وهذا مدخل لتفكيكها، وفقاً للفهم «الإسرائيلي» المبني على الهيمنة لا سيما إذا أخذ في الاعتبار الوجود «الإسرائيلي» الواضح في أوغندا.
ويرى المراقبون أن أهداف «إسرائيل» الكلية من ذلك، تطويق الدول العربية لا سيما مصر باعتبارها خط الدفاع الأول للعرب، وإذا ما تم تنفيذ ذلك تكون «إسرائيل» سيطرت على خريطة القرن الأفريقي بصورة عامة.