لماذا لا ينأى الحريري بنفسه عما يجري في السعودية؟
روزانا رمّال
بعد حادثة القطيف، وللمرة الثانية في الشهر نفسه، ها هو الإرهاب يضرب مسجداً شيعياً في السعودية وتحديداً في منطقة الدمام.
تبنى تنظيم «داعش» العملية الإرهابية وبدأت سلسة المواقف المندّدة بالتفجير تتوالى، وأبرزها على الصعيد اللبناني تعليق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي اعتبر أنّ السعودية تدفع مرة جديدة ضريبة الحملة على الفكر الضال ورفض الانجرار إلى الفتنة. و تابع الحريري: يعتقد تنظيم «داعش» أنّ الردّ على التدخل الإيراني في الشؤون العربية، يكون بالانتقام من أبناء الطائفة الشيعية في السعودية أو لبنان أو العراق أو سواها، وهو تفكير أسود لا يمتّ إلى قيم الإسلام والعروبة بصلة.
يقول الحريري إنه لن يكون هناك من ردّ مسؤول ورادع لمثل هذه الجرائم الإرهابية، أفضل من الرسالة التي وجهها سلمان بن عبد العزيز إلى ولي العهد محمد بن نايف، بعد الانفجار الذي استهدف بلدة القديح في القطيف، وهي الرسالة التي تحدّد خطوط المواجهة مع الإرهاب والساكتين عنه والمتعاطفين معه.
إذاً، يوافق الحريري على أنّ لمواجهة الإرهاب حديثاً آخر، وبالتالي عليه الإجابة على أسئلة عديدة تخصّ بلده الأول لبنان، باعتبار أنه واجه منذ فترة الإرهاب الذي يقبع في جروده ولا يزال ينتظر موافقة سياسية أو إجماعاً يستطيع الحريري أن يشكل ضمانة حقيقية له في المؤسسات الدستورية أو الحكومة من أجل أن ينفذ الجيش اللبناني عملية عسكرية على غرار تلك التي نفذت في عبرا وطرابلس لاستئصال الإرهاب.
يلفت موقف الحريري الحريص على السعودية، ويظهره معنياً بأن يكون له موقف واضح من المشهد يصل إلى القيادة السعودية.
الحريري الذي يدعو حزب الله دائماً إلى عدم التدخل في الشؤون السورية، يبدي اليوم رأيه في ما يجري في السعودية بكلّ حرية، ربما لأنه مواطن سعودي في أي حال من الأحوال ومسؤول سياسي لبناني له رأي وموقف، في هذا الإطار. لكن أين أصبحت ذرائع دخول «داعش» إلى لبنان بسبب تدخل حزب الله في سورية؟ ماذا لو كلفت مواقف الحريري غالياً وأثرت على قاعدته الشعبية وقاعدة حزبه وعرضتها للخطر؟ ألا يخشى الحريري من أن تؤدي مواقفه هذه إلى استفزاز الإرهاب في لبنان عن طريق فتح جبهات في مناطق تخضع لقاعدة «المستقبل» الشعبية؟ أم أنّ الحريري اقتنع بأنّ الإرهاب لا يواجه بالصمت؟
أيقن الحريري، ورغم اعتباره أنّ «داعش» يلاحق الشيعة أينما حلوا بسبب إيران التي باتت عبئاً على الشيعة في الشرق الأوسط، أنّ حجة اتهام حزب الله باستجلاب الإرهاب إلى لبنان بسبب تدخله في المعارك السورية لم تعد تخدم كثيراً، فالذي جرى في السعودية، بمفهوم الحريري، يعني أنّ المملكة استفزت «داعش» في عقر دارها أو في معركتها علناً وأنها استجلبت الإرهاب إليها، إلا أنّ هذا لم يحصل والأصح أنّ «داعش» أعلن أكثر من مرة نواياه بإقامة دولته في المملكة، حتى أنّ بيان الإعلان عن تبني عملية الدمّام جاء بتوقيع «ولاية نجد».
لا يبدو الحريري قادراً على النأي بالنفس عن ما يجري في السعودية، إلا أنه في المقابل يعرف أنه غير مسموح له بعد اليوم له أن يساجل ويعاتب ويسأل وتياره لماذا لا ينأى حزب الله بنفسه عن الأحداث السورية، وموقفه اليوم لا يدلّ إلا على ارتباطه الوثيق وولائه للسعودية وهمومها بعين العقلانية أولاً، لا سيما في هذه الفترة التي لا يبدو فيها موقفه وموقعه في المملكة مطمئنين، وخصوصاً لدى ولي العهد محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي الذي وصفه يوماً بـ«السفّاح».
إنّ محاولة اعتبار الحريري إيران سبب المخاطر المحدقة بالطائفة الشيعية، أينما حلوا، هو مجرد تبرير لموقف الحريري المزدوج الذي لم يتعاطى بالطريقة بنفسها عندما كانت التفجيرات تستهدف مناطق لبنانية، وخصوصاً الضاحية الجنوبية لبيروت، فبيانات الدعوة إلى الوحدة الداخلية في لبنان غابت حينها وحلّ محلها بيانات متفرقة من تياره تتهم حزب الله باستحضار الإرهاب إلى لبنان، بعكس دعواته اليوم السعوديين إلى الوحدة .
الوحدة الوطنية التي يدعو إليها الحريري لن تكون بخطوط حمر يرسمها هنا أو هناك حول عرسال والبلدات المجاورة لها، ولا بازدواجية المواقف من كيفية مكافحة الإرهاب .
فكيف يمكن أن يدعو الحريري في السعودية إلى المواجهة وإلى دعم خطط وزير الداخلية، بينما يدعو في لبنان إلى النأي بالنفس وعدم التدخل في شؤون سورية، مع أنّ العدو المحدق بالجميع هو نفسه؟
«داعش» يضرب السعودية حيث لم يتدخل حزب الله، هذا على الطريقة اللبنانية الداخلية، لكنّ السلطات السعودية تعرف معنى الخاصرة الرخوة التي تركتها بسبب إهمالها المنطقة الشرقية القابلة للانفجار والثورة في أي لحظة، فتكون لحظة تفشي الإرهاب على أنقاض الثورة حينها لن تنفع المواقف ولا مسرحيات التنديد.