«رصيف نمرة 5» لمدحت العدل… نكهة الزمن الجميل بالعامّية المصريّة

يقول السيناريست المعروف مدحت العدل في تصديره لديوانه الأول «رصيف نمرة 5»: «رغم هذا العمر، هذا ديواني الأول، لوحاتي التي رسمتها في حب هذا البلد، شوارعه، وأزماته، وطموحه، وانتصاراته، صفحات من حياة مصر عبر سنين طوال، ما كان لها أن تظهر للنور لولا إلحاح زوجتي وأبنائي، وكثيرين ممن يرون هذا البلد بعين حبي له».

صدر الديوان لدى الدار المصرية ـ اللبنانية، ويضم الديوان قصائد العدل والإاني التي كتبها على امتداد رحلة امتدت لأكثر من عقدين من الزمان.

عنوان الديوان مأخوذ من الأغنية المهشورة التي كتبها مدحت العدل وغناها عمرو دياب في الفيلم المهشور «آيس كريم في غليم»، وحققت نجاحاً غير مسبوق، وهو الفيلم المأخوذ عن قصة لمحمد المنسي قنديل. ويضم الديوان بين دفتيه كل ما كتبه العدل في مجال الأغنية منذ عام 1985 إلى اليوم، مرفقاً بأسطوانة مدمجة تضم قصائد الديوان بصوت مدحت العدل نفسه.

تزامنت كتابة أغنية «رصيف نمرة 5» التي غناها عمرو دياب في الفيلم، وهي من أجمل ما غنى دياب، مع بداية ظهوره وانتشاره كأحد أهم نجوم الغناء العربي منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، يوم كان دياب يشق طريقه وسط جمهوره العربي، مع مغامراته الغنائية المحسوبة وإدخاله أنواعاً جديدة من الموسيقى.

في هذا السياق تبدو أغنية «رصيف نمرة 5» أقرب إلى موال، لتصبح الأغنية فور انتشارها علامة فارقة، وواحدة من أهم الأغاني التي ارتبطت باسم عمرو دياب والعدل معاً، وما زالت الأغنية حية وحاضرة في أذهان الكثيرين، وأصبحت من أغاني الأيقونات التي تتغنّى بها جميع الأجيال حتى الآن، ولعلّ من أهم أسباب نجاحها وانتشارها الكبير يعود إلى الكلمات الجديدة المترابطة التي استقرت بسهولة ويسر في وجدان الجمهور.

قارئ قصائد الديوان والمستمع إلى إغانيه، يلحظ أن مدحت العدل لم يكن مشغولاً فقط بكتابة أغنيات «الحب والهجر والانفعالات الذاتية»، لكنه قدم إلى محمد فؤاد مثلاً أغنيته المهشورة «يعني إيه كلمة وطن»، كما كتب كلمات أغنية عمرو دياب البديعة «ورجعت من السفر» التي ما برحت تحظى بمكانة خاصة في قلوب محبيها، على لحن مميز للموسيقي ياسر عبدالرحمن.

قدم مدحت العدل، عدا هذه الأغاني، ما يعتبر بعض مؤرخي الأغنية المصرية أشهر أوبريت غنائية عربية بعد «الوطن الأكبر»، هي أوبريت «الحلم العربي» الذي ظل موقع حساسية لسنوات بسبب عرضه على التلفزيون المصري. ويقول عنه العدل «هذه الأوبريت الذي ما إن أذيعت حتى تحولت إلى أيقونة وحلم يداعب العرب جميعاً. سمعتها في ساحة الشهداء في بيروت أمام مليون مشاهد، ومن عجيب ما رأيت وشاهدت أن نصفهم على الأقل كان يحمل صورة الزعيم جمال عبد الناصر. شهادة حياة وهو في القبر!».

لم يعرف كثر آنذاك أن كاتب هذه الكلمات هو مدحت العدل، مستهلاً بها رحلة امتدت إلى ما يزيد على ربع قرن مع كتابة الأغنية، ثم وضع قصائد الديوان المشهورة، التي لحنت وأنشدت في مناسبات متفرقة.

«يعني إيه كلمة وطن»، «يعني إيه سرقة وطن»، «ليلة في الميدان»، «القاهرة»، «صلاح جاهين»، «عاش الشهيد»، «حرام»، «زي ما هي حبها»، «مدد»، «نحلم»، «أمريكا»، «لازم أغني»، «عم دهب»، «ورجعت من السفر»، «الحلم العربي»، «القدس هترجع لنا»، «أصحاب أنا وأنت والا»… وغيرها من الأغاني التي ارتبطت بحوادث سياسية، أو أغاني أفلام، أو مقدمات مسلسلات، إلخ.

عبر قصائد الديوان الممتد تاريخ كتابتها منذ منتصف الثمانينات من القرن الفائت، وحتى اللحظة الراهنة، يوثق العدل زمنياً لقصائده، كما يشير إلى المناسبة أو الظرف التاريخي أو الفني إن كانت كتبت في سياق مناسبة ما، أو في إطار عمل فني سينمائي أو درامي، مثلما أشار إلى قصيدته «في حانة سبارتكوس» التي كتبها في أيلول 1986، قائلاً «حانة سبارتكوس… دخلتها في إسبانيا 1986 حيث بنات للدعارة… لفت نظري التناقض بين اسم سبارتكوس محرر العبيد والعاهرات كالعبيد».

كما أشار أيضاً إلى السياق الذي كتب فيه قصيدته «كان نفسي تكونوا مع الملايين»، وهي القصيدة التي كتبها بعد ثورة 25 يناير، قائلاً: «كتبتها ليفهم شباب الثورة أنهم ليسوا الوحيدين الذين ناضلوا، ولكنهم حبات في سبحة النضال المصري عبر العصور».

أما قصيدته «عم دهب» التي كتب كلماتها عام 1992، فيقول مطلعها:

«عم دهب بياع حكايات/ كان عنده ربابة وفيها حاجات/ كان من دشنا/ وعشنا وشفنا/ عم دهب بيبيع دولارات»، يقول عنها: «عم دهب شخصية حقيقية، كان له محل صغير في شارع 26 يوليو بالزمالك، ذاع صيته مع بداية الانفتاح إذ تحول من بائع عادي يبيع السجائر إلى تاجر عملة، وكان رمزاً لانفتاح استهلاكي دمر الاقتصاد المصري، ودفع الشباب إلى الهجرة غير الشرعية كما في فيلم أمريكا شيكا بيكا».

يكشف العدل عن القصة التي استلهمها وأوحت له كتابة كلمات الأغنية المشهورة «ورجعت من السفر»، التي غناها عمرو دياب، قائلاً: «هي قصة زميل وطبيب زاملني في عمل في السعودية، ولم يكن لا يأكل إلاّ القليل، ولا يلبس إلاّ ملابس ممزقة ليوفر نفقات زواجه ممن أحب، فلما عاد وجدها أحبت غيره، وتركت في نفسه حسرة فلم يتزوج حتى الآن رغم مرور أكثر من 25 عاماً على هذه الواقعة».

تقول كلمات الأغنية: «ورجعت من السفر/ دايب من الفراق/ مشتاق لعيون حبيبتي/ وللحظة اشتياق/ فتحت الباب لقيت/ ورقة وكلمة وداع/ سابتني اللي عشانها/ دقت سنين الضياع/ كنت فاكرها ملاك/ لكن طلعت بشر/ ورجعت من السفر».

يروي العدل عن كلمات أغنيته «السعادة» التي غنتها يسرا في فيلم «حرب الفراولة» أنه أهداها الأغنية بعدما أدتها بتأثر شديد، فبكت في الأستوديو عدة مرات وهي تغنيها، ويقول مطلعها: «السعادة تبقى إيه/ إمتى أحس إني سعيدة/ ولا ليه؟!/ ليه ساعات القلب يرجع للصبا/ تبقى كل الناس لذيذة وطيبة/ ونجوم سمايا أحس بيها قريبة/ وإن مهما الكون قسي حاقدر عليه؟!»

خلال الاحتفالية الضخمة التي أقيمت احتفالا بصدور الديوان في دار الأوبرا المصرية وحضرها حشد من النجوم والفنانين والشخصيات العامة، عبر مدحت العدل عن سعادته بديوانه الذي ظهر حديثاً، قائلاً إن ديوان «رصيف نمرة 5» هو الأول له ويوثق لمشواره الفني والأدبي منذ بدايته حتى هذه اللحظة، وأنه لم يُصدر أي دواوين قبل ذلك، معرباً عن سعادته بمشاركة أصدقائه من الصحفيين والإعلاميين والفنانين والشخصيات العامة فرحته بإصدار الديوان.

الجدير ذكره أن مدحت العدل فاز بجائزة أفضل ديوان لشعر العامية خلال حفل ختام الدورة 45 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2014، عن ديوان «رصيف نمرة 5».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى