الإمارات… دولة «قمعية» تشتري القضاء
أعدّت المقرّرة الأممية غابرييلا نول تقريراً رسمياً صادراً عن الأمم المتحدة عن وجود خلط كبير في دولة الإمارات بين القضاء المحلي والاتحادي، وهو ما يؤدّي في أغلب الأحيان إلى تطبيق القانون بطريقة تعسفية في البلاد. وقالت الأمم المتحدة في تقرير رسمي نشرته حول نتائج زيارة المقرّرة الأممية غابرييلا نول للإمارات التي استهدفت الاطلاع من خلالها على النظام القضائي الإماراتي والوقوف على مدى استقلال القضاء والمحامين، إنّ الدستور الإماراتي «لا يعترف بالفصل بين السلطات» ما يعني أنّ استقلال السلطة القضائية ليس مضموناً دستورياً ولا فنياً.
وقالت المقررة: «القضاء الاتحادي يواجه تحديات جدية تؤثر بشكل مباشر في تحقيق العدالة وإعمال حقوق الإنسان».
ولفتت نول إلى وجود خلل آخر في عدم الفصل بين السلطات، وهو أن «نصف أعضاء المجلس الوطني يُعيّنون من قبل حكام الإمارات، وأنّ المجلس لا يملك سلطات تشريعية كاملة». وعبّرت نول عن «قلقها الشديد إزاء الضغوط التي تمارسها السلطة التنفيذية والنيابة العامة وجهاز أمن الدولة على القضاة» حسب ما نشره موقع «الإمارات 71».
من جهة أخرى انتقدت نول طريقة تعيين القضاة من جانب السلطة التنفيذية، قائلة: «قد تؤثر التعيينات والترشيحات من جانب السلطة التنفيذية على مواقف القضاة وسلوكهم»، وخلصت إلى أنّ «هذه الآلية تفتقر إلى الشفافية وقد تعرّض القضاة لضغوط سياسية غير لائقة».
وتابعت نول قائلة: «إنّ بعض القضاة افتقروا إلى النزاهة وأبدوا تحيّزاً»، منتقدة «العلاقة الوثيقة بين القضاة وأعضاء النيابة»، معتبرة «أنّ هذه العلاقة تناقض ما يتصوّره الناس عن تمتع القضاة بالنزاهة.»
وأشارت الأمم المتحدة إلى إشكالية القضاة غير المواطنين، كونهم أكثر عرضة للضغوط، ما يعوق استقلالهم نتيجة عدم الأمان الوظيفي للقضاة المقيمين الذين يمكن للحكومة أن تنهي خدماتهم.
واعتبرت نول عدم وجود مدوّنة مكتوبة لقواعد سلوك القضاة الاتحاديين أحد أوجه القصور التي تؤثر في استقلال القضاء ونزاهته.
القبض التعسفي
وقالت المقرّرة الأممية إنها تشعر بقلق بالغ إزاء الادّعاءات الخطيرة بحدوث انتهاكات لضمانات مراعاة الأصول القانونية والمحاكمة العادلة وخاصة في القضايا المتعلقة بأمن الدولة، مشيرة إلى أنّ عدم تحديد القانون مدة الحبس الاحتياطي يؤدّي إلى انتهاكات.
وأثبتت نول في تقريرها أنها «تلقت تقارير كثيرة تفيد بإلقاء القبض على أشخاص دون وجود أمر توقيف، وخاصة ضدّ متهمين بقضايا أمن دولة، اقتيدوا إلى أماكن احتجاز سرية ومُنعوا من الاتصال بالعالم الخارجي لأشهر، مع بقاء بعضهم في الحجز الانفرادي والاختفاء القسري».
تعرّض المعتقلين للتعذيب
ووصفت الأمم المتحدة، بأنّ التقارير والأدلة التي تلقتها بشأن تعرّض معتقلين للتعذيب بأنها «ذات مصداقية»، مشيرة إلى أنّ «اقتلاع الأظافر ونتف اللحى والإبقاء تحت تأثير المخدرات والاعتداءات الجنسية والتهديدات بارتكابها والإهانات» من أخطر أنواع التعذيب الواقعة على معتقلي الرأي».
وأكدت نول أنّ عدم التحقيق في شكاوى وتقارير التعذيب يشجع على إفلات الجناة، ويشكل انتهاكاً لالتزامات الإمارات بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب.
وأشارت المقرّرة الأممية إلى أنّ القضاة مكلفون بضمان حقوق الإنسان وذلك بعقد جلسات محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مستقلة، ورفض أيّ أدلة تقوم على التعذيب أو سوء المعاملة، بعد أن تأكد لها أنّ معتقلي الرأي بالإمارات واجهوا هذه الانتهاكات بتواطؤ بعض القضاة.
وعبّرت نول عن انزعاجها من عدم سماح الشرطة أو النيابة للمتهمين بقضايا أمن الدولة من الاتصال أو توكيل محام.
وحول الشفافية أثناء مرحلة التحقيق عبّرت نول عن قلقها إزاء «ما يظهر من عدم الشفافية أثناء مرحلة التحقيق وإجراءات المحاكمة وخاصة في القضايا المنظورة امام محكمة أمن الدولة». وانتقدت قيام محكمة أمن الدولة بعقد جلسات مغلقة أو مقيّدة بعدد محدود للغاية من الجمهور، معتبرة أنّ منع الجمهور من حضور الجلسات انتقاص من شفافية القضاء.
واعتبرت نول أنّ قضايا أمن الدولة ذات درجة تقاض واحدة تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان.
توصيات من الأمم المتحدة
ختمت الأمم المتحدة تقريرها باستنتاجات وتوصيات حول النظام القضائي في الإمارات، إذ خلصت نول إلى الآتي:
1ـ النظام القضائي في الإمارات يواجه قصوراً وتحديات تؤثر سلباً في إقامة العدل والتمتع بحقوق الإنسان، إضافة إلى الانتهاكات الخطيرة لضمانات المحاكمة العادلة ومراعاة الأصول القانونية في قضايا أمن الدولة، خصوصاً على صعيد القضاة والنيابة والمحامين الذين يتعرّضون جميعاً لضغوط وتدخل السلطة التنفيذية وجهاز أمن الدولة.
2ـ يجب مصادقة الإمارات على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وشدّدت نول على ضرورة إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية.
3ـ يجب تعديل القوانين ذات التعاريف المبهمة والفضفاضة وخاصة في قانون جهاز أمن الدولة وقانون مكافحة الإرهاب بالإمارات.
4ـ يجب تكريس مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور واتخاذ تدابير ملموسة لتعزيز استقلال القضاء، إلى جانب ضرورة التشاور بين الجهات القضائية والتنفيذية وبين الجمهور بشأن قانون السلطة القضائية.
5ـ يجب التحقيق في الشكاوى المتعلقة بانتهاكات مبدأ مراعاة الأصول القانونية والمحاكمة العادلة، بما يشمل إعادة النظر في هذه القرارات والأحكام أو الإفراج عن المعتقلين وتعويضهم.
6 ـ يجب وقف الاعتقال والاحتجاز خارج إطار القانون وخاصة الاختفاء القسري والحبس الانفرادي والسجون السرية، وعدم قبول الأدلة والاعترافات المنتزعة تحت التعذيب.