التشكيليّ ناثر حسني… نصف قرن من توثيق دمشق القديمة للتاريخ والأجيال الجديدة
محمد سمير الطحان
دفع حبّ مدينة دمشق القديمة، التشكيلي ناثر حسني، لأن يختص في تقديمها عبر لوحاته لأكثر من خمسين سنة من دون كلل أو ملل. فهو، مع كل عمل جديد، يضع شغفه الكبير وإحساسه المرهف في تفاصيل هذه الحارات والبيوت التي تملك من الحكايا ما لا يمكن حصره وعدّه بحسب رؤيته.
وعن مشروعه الفني يقول حسني: مشروعي الفني يقوم على توثيق مدينة دمشق القديمة بكل ما فيها من حارات وبيوت وما تحويه من تفاصيل جميلة ورائعة مثل الفسحات السماوية وأشجار الكباد والنارنج والورود و«البحرة»، التي تبعث كلها الطمأنينة والسلام في النفس. مبيّناً أن ما دفعه إلى هذا التوجه، حبّه لمدينته وحرصه على توثيقها بطريقة تاريخية وفنية بعد التوسع العمراني الذي أخذ يقضم هذه البيوت والحارات. كما أنه سيعمل على تقديم هذه الأعمال في كتاب ليكون شاهداً فنياً واقعياً للتاريخ عن أقدم عواصم العالم المأهولة حتى اليوم.
يختار التشكيلي حسني مواضيع لوحاته بعناية، إذ يقدّم المشاهد الجميلة والبارزة ويضيف إليها من روحه وثقافته الفنية التي تراكمت مع الأيام والسنوات، من خلال العمل الفني المستمر بدافع الحبّ الكبير والعشق الدائم لدمشق، إذ لا يمكن لأيّ عمل فني أن ينجح من دون حبّ بحسب رأيه.
ويؤكد حسني أن الأزمة لم تؤثر على عمله الفني إطلاقاً، فهو لم يتوقف عن الرسم يوماً. ويقول: «نحن شعب يحب الحياة والأزمات تأتي وترحل فهناك الكثير من الأمم التي حلت بها الكوارث والأزمات ونهضت من تحت الركام أقوى وأفضل مما كانت عليه، بفضل الاستمرار بالعمل في كل المجالات على رغم الصعوبات ولحظات الإحباط، إلا أن الأمل والإرادة أقوى من كل شيء».
ويشير صاحب التجربة الفنية الطويلة إلى أن الحركة التشكيلية السورية مستمرة في الانتاج. فغالبية الفنانين لم يتوقفوا عن العمل، ووزارة الثقافة واتحاد التشكيليين مستمران في إقامة المعارض السنوية والفردية والملتقيات الفنية على رغم الحاجة إلى المزيد من هذه النشاطات لدعم الفنانين ولنشر ثقافة التشكيل، ورفع مستوى الذائقة البصرية لدى الناس.
ويدعو حسني كل المؤسسات في سورية لأخذ دورها في دعم الفن التشكيلي عبر إقامة المعارض واقتناء أعمال الفنانين وعرضها في هذه المؤسسات؟، سواء كانت من القطاع العام أو القطاع الخاص، ما يحقق الدعم المادي للفنانين ويساعدهم في الاستمرار بالعمل، إلى جانب نشر ثقافة التشكيل لدى أكبر نسبة من المتلقين الذين سيشاهدون هذه الأعمال.
ويرى ابن المدرسة الواقعية أن التشكيل السوري عبارة عن تجارب فردية خاصة ومتنوعة في التوجه الفني من حيث الأساليب والمواضيع .لكنه يعتبر أن عدداً من الفنانين الشباب تأثروا بالغرب، لا سيما بعد شيوع استخدام الإنترنت، فبدأوا يقدّمون أساليب الحداثة وما بعدها، مقلدين في ذلك أسماء عالمية مشهورة، من دون أي هوية فنية محلية أو ثقافة وطنية، سعياً وراء الشهرة وتسويق أعمالهم ولكنهم يفشلون غالباً في كلا الأمرين.
ويؤكد حسني أن على الفنان تطوير تجربته خطوة خطوة حتى يمتلك القدرة لاستخدام مختلف الاساليب عبر الخبرات المتراكمة، ثمّ امتلاك أسلوب فنيّ خاص به لأن النتاج الفني لأي فنان يجب أن يكون موسوعة فنية وتوثيقية للفنان نفسه وللمرحلة التاريخية التي ينتسب إليها، وبصمة في الحركة الفنية لوطنه وقيمة فنية للأجيال المقبلة، فعظمة الشعوب بفنانيها.
ويجد حسني أن مسألة تسويق الأعمال الفنية تختلف من فنان إلى آخر. وأن ذلك يدخل في إطار الحظ الذي يلعب دوراً رئيساً في هذه العملية إلى جانب رغبة مقتني الفنّ بنوعية معينة من الأعمال. لافتاً إلى «أن السوق الفنية لدينا حالياً جامدة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة مع وجود حالات اقتناء قليلة أحياناً».
ويوضح حسني أن الفنان السوري يملك حضوراً قوياً في الاسواق الفنية العالمية. فهو مبدع ولا يقل عن أي فنان عالمي على رغم عدم توفر الدعم المادي والمعنوي له بشكل كبير، كما غيره من الفنانين في العالم. «كما أن للصالات الفنية الخاصة دوراً في تسويق أعمال الفنانين في الخارج والتعريف بالتجارب الفنية المحلية.
ويعبّر حسني عن تفاؤله بمستقبل التشكيل السوري ويختم بالقول: إن الحياة ستستمر، والفنان السوري اليوم يمارس دوره الفني والوطني عبر عمله ونتاجه الذي لم يتوقف، والذي يعبّر عن إرادة الحياة لدى السوريين، والحزن والالم لا يدومان وبعد الدمار يأتي الإعمار دوماً.
التشكيلي ناثر حسني متخرّج كلية في الفنون الجميلة عام 1970. عضو اتحادَي التشكيليين السوريين والعرب. عمل في الهيئة الدولية لحماية المدينة القديمة، وترأّس قسم الترميم والزخرفة في محافظة دمشق. أعماله مقتناة في عدد من الدول العربية والعالم، حاصل على عدة جوائز وشهادات تقديراً له، وأكثر من 26 معرضاً فردياً، والكثير من المعارض الجماعية.