دونمة المجازر دونمة التقسيم ٤

د. نسيب أبو ضرغم

لا بدّ بدايةً من تأكيد حقيقة تقول: إنه، مثلما هي الصهيونية تشكل روح الدولة اليهودية، والطورانية تعبّر عن روح الدولة التركية، فإن الوهابية تمثل روح الدولة السعودية.

الدولة السعودية والوهابية مكونٌ واحد بجزئين، ولكن هذين الجزئين متداخلان عضوياً، بحيث أنه إذا زال واحدٌ منهما زال الثاني بالتبعية حكماً.

لقد أتى محمد بن عبد الوهاب المولود عام 1703 والمتوفى عام 1791. بتفسير خرج به على المذاهب الإسلامية الأربعة السنية كافة، وكان هذا الخروج يقوم على مبادئ ستة، وضعتها وزارة المستعمرات البريطانية، وكُلف الجاسوس الإنكليزي همفر بإقناع محمد بن عبد الوهاب بها.

يقول الجاسوس همفر: «ثم قال السكرتير: «تكلم مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بصراحة، وقال إن عميلنا في أصفهان تكلم معه بصراحة، وقبل الشيخ العرض البنود الستة ، شرط أن نحفظه من الحكومات والعملاء الذين لا بد أن يهاجموه بكافة السبل، حينما يبدي أراءه وأفكاره، وأن نزوده بالمال الكافي والسلاح إذا اقتضى الأمر ذلك، وأن تجعل له إمارة ولو صغيرة في أطراف بلاده نجد ، وقد قبلت الوزارة بذلك».

ويكمل الجاسوس همفر: «قال السكرتير: «لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لأن ينفذها الشيخ وهي البنود الستة:

1- تكفير كل المسلمين، وإباحة قتلهم وسلب أموالهم، وهتك أعراضهم، وبيعهم في أسواق النخاسة، وحلية جعلهم عبيداً ونسائهم جواري.

2-هدم الكعبة، باسم أنها آثار وثنية إن أمكن، ومنع الناس من الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم.

3- السعي لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته، وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضاً محاربة أشراف الحجاز بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم.

4- هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها، باسم أنها وثنية وشرك، والاستهانة بشخصية النبي محمد وخلفائه ورجال الإسلام بما تيسر.

5- نشر الفوضى والإرهاب في البلاد بحسب ما يمكنه ذلك.

6- نشر القرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة وتنقيصة.

ويكمل الجاسوس همفر: «لقد وعدني الشيخ بتفيذ كل الخطة السداسية، إلا أنه قال: لا يتمكن في الحال الحاضر من الإجهار ببعضها، وهكذا كان، وقد استبعد الشيخ أنه قادر على هدم الكعبة عند الاستيلاء عليها، كما لم يَبُح عند الناس بأنها وثنية، وكذلك استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد، وكان أشد خوفه من السلطة في مكة وفي الأستانة، وكان يقول: «إذا أظهرنا هذين الأمرين، لابد وأن يُجَهز إلينا جيوش لا قبلَ لنا بها»، وقبلت منه العذر لأن الأجواء لم تكن مهيأة كما قال الشيخ».

هذه هي أسس الوهابية المصنوعة من قبل وزارة المستعمرات البريطانية، والموضوعة من قبلها، بهدف دكّ الإسلام كدين، والهيمنة على العالم الإسلامي ومقدساته. ولتوضيح هذا التوافق والقبول الذي أبداه محمد بن عبد الوهاب إزاء المبادئ الستة، تنبغي الإشارة إلى أصل محمد بن عبد الوهاب بن شاليمان سليمان القرقوزي هو يهودي من يهود الدونمة، كان مقيماً في مدينة بورصة التركية، وكان يبيع القرقوز البطيخ بالعربية .

ترك تركيا، وأخذ يجول في عدد من المدن العربية، إلى أن وصل إلى «العينية»، هناك تزوج وأنجب ولده، عبد الوهاب، والد محمد مؤسس المذهب الوهابي.

يقول الجاسوس همفر: «وبعد سنوات من العمل، تمكنت الوزارة من جلب محمد بن سعود الى جانبنا، فأرسلوا إلي رسولاً، يبين لي ذلك، ويظهر وجوب التعاون بين «المحمدين». فمن محمد بن عبد الوهاب، الدين، ومن محمد بن سعود، السلطة…».

وهكذا كان، وهاكم نص الاتفاقية التي دبجها الإنكليز بين «المحمدين»

أولاً: الطرف الأول: محمد بن سعود: أن يكون للأمير محمد بن سعود وذريته من بعده السلطة الزمنية أي الحكم.

ثانياً الطرف الثاني: محمد بن عبد الوهاب: أن يكون للإمام محمد بن عبد الوهاب وذريته هم الآن آل الشيخ من بعده، السلطة الدينية أي الإفتاء بتكفير وقتل الرافضين لدعوتنا كافة والاستيلاء على أموالهم.

لقد أنشأ المستعمر الإنكليزي الدولة السعودية لتحقيق أغراض استراتيجية عميقة وعظيمة الأثر، ولقد رأى أن لا بد من مضمون «ثقافي» يؤدي في حال تطبيقه إلى تدمير الإسلام والعالم الإسلامي، فابتدع الوهابية، التي تدفع باتجاه التكفير وخلق الانقسامات والتطرف، بعيداً من القضايا القومية والوطنية والإنسانية.

لقد نجح الإنكليز في إيجاد الدولة – الوظيفة التي ستمهد لقيام «الكيان الصهيوني».

فلنسمع حاييم وازمن في مذكراته:

«في 11/03/1932، إبان وداعي للسيد جون مارتن، سكرتير تشرشل، الذي كان السكرتير العام للجنة بيل، قال تشرشل: أريدك أن تعلم مكرراً يا وايزمن- إنني وضعت مشروعاً لكم، وهو لا ينفذ إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية – وهذا المشروع هو: أنني أريد أن أرى ابن السعود سيداً على الشرق الأوسط، وكبير كبراء هذا الشرق، على شرط أن يتفق معكم أولاً، ومتى تم هذا المشروع فعليكم أن تأخذوا منه ما أمكن أخذه، وليس من شك، أننا سنساعدكم في هذا!».

ويعود وايزمن ليكمل مذكراته:

«إن إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول. والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته!».

بين الوهابية والدولة السعودية علاقة تماه، فالدولة هي الوهابية سياسة، والوهابية هي الدولة ديناً. وكلاهما في مواجهة العروبة والإسلام، هكذا أنشئتا وهكذا استمرتا وها هي الوهابية اليوم، في موقعها الطبيعي في الحلف الثلاثي الأسود مع الصهيونية والطورانية، وهذا الأمر ليس صدفة، أن يتحالف الثلاث على تدمير كل من العراق والشام وليبيا واليمن حتى آخر دولة عربية.

«إسرائيل»، الطورانية والوهابية إن هي إلّا صهيونية متلونة.

التكفير والذبح والسبي وهتك الأعراض وهدم القبب والأضرحة وخلق الفوضى ونشر الرعب، أليست هذه المبادئ الستة للوهابية؟ وهل تغيّر شيء…؟ طبعاً لا.

المراجع:

تاريخ آل سعود ـ ناصر السعيد.

مذكرات مستر همنفر الجاسوس البريطاني في البلاد العربية ـ منشورات دار الفنون للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى