هذا ما عرضه جنبلاط على «المستقبل»… وانكفأ
روزانا رمّال
غاب جنبلاط عن السمع السياسي والإعلامي منذ شهر كامل، فآخر تغريداته عبر «تويتر» قبل عودته أمس كانت عن محاكمة ميشال سماحة آخر نيسان الماضي، وآخر مقالاته في «الأنباء» كانت في أول أيار عن دروز السويداء، وعاد اليوم جنبلاط إلى نشر تغريدات من نوع الإشادة بمسؤول المراسم في السفارة الفرنسية فرنسوا أبي صعب لمناسبة إحالته إلى التقاعد، وصورة مع حفيدة لينين، وهي مواقف تعكس مزاجاً جنبلاطياً يريد الابتعاد عن الخوض في القضايا الساخنة بعد حالة قرف، كما يقول عارفوه.
فما الذي تسبّب بهذا القرف الجنبلاطي؟
المواقف الواضحة للنائب وليد جنبلاط حول موضوع التعيينات الأمنية في لبنان كانت تأييده لأن يتمّ التوافق على العميد شامل روكز لخلافة قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يواجه مصيراً مجهولاً بين طرحه جدياً كمرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية وبين التمديد له بحلول أيلول تمهيداً أيضاً لبقائه ورقة مقايضة رئاسية في وجه العماد ميشال عون، اذا لم يتمّ الاتفاق على سلة متكاملة في حزيران الحالي تعيد ترتيب المقاعد الأمنية الأولى في لبنان وخصوصاً قيادة الجيش وقيادة قوى الامن الداخلي.
لطالما كان النائب وليد جنبلاط مفتاح العديد من التسويات بطرحه غير مرة صيغ حلول وسطية استطاعت ان تحجز له في السنوات الماضية المقعد الذي يرجح الكفة في البلاد تارة والمقعد الذي يُرسى التوازن من خلاله تارة أخرى.
استشعر جنبلاط كما يصف عارفوه، خطورة ربط استبعاد العماد ميشال عون من الرئاسة باستبعاد العميد روكز من قيادة الجيش وما ستخلقه من شعور بالاضطهاد لدى المسيحيين، وقاطع بين هذه القناعة وبين معلوماته عن قرب التفاهم على إعلان النوايا بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع كتعبير عن شعور مسيحي بالتهميش، فأراد كسر الجليد قبل فوات الأوان، فقرّر العمل على الفصل بين ملفي الرئاسة والتعيينات، والانطلاق إلى كسر شعور التهميش قلقاً من تبلور حالة مسيحية متماسكة يصعب تفكيكها لاحقاً، فدعا في هذا الإطار الى التوافق على إجراء سلّة متكاملة من التعيينات من دون تجزئة أو استفراد وتلافي الوصول إلى مرحلة من الشلل الوزاري، وبالتالي توسّع دائرة الاهتراء على مختلف المستويات، إضافة إلى تعريض الاستقرار الداخلي وحصول المزيد من التعقيدات على مستوى الأزمة الداخلية اللبنانية.
توجه جنبلاط إلى حليفه «المستقبلي» داعياً إلى القبول بتعيين روكز قائداً للجيش مقابل تعيين من يرتضيه «المستقبل» لقيادة قوى الأمن الداخلي، فرفض «المستقبل»، رغم أنّ ما جاء في طرح جنبلاط هو أكثر ما يمكن أن يُقدّم إلى فريق يقع في عنق الزجاجة ويحتاج صيغة إنقاذ تكون نسبة توقع الربح فيها أكبر من الخسارة.
مصادر مطلعة أكدت لـ«البناء» انّ جنبلاط نصح «المستقبل» بأهمية قبول تعيين روكز قائداً للجيش، من دون وضع شرط على ذلك بأن ينسحب عون من الترشح للرئاسة، بحجة أنه لم يسبق أن تقبّل اللبنانيون ان تكون الرئاسة وقيادة الجيش عند فريق سياسي واحد.
ووفقاً للمصادر نفسها، قال جنبلاط لقيادة «المستقبل»: لا تطرقوا هذا الباب لأنّ عون سيواجهكم بأسئلة من نوع: كيف يُسمح أن يكون رئيس الحكومة ومدعي عام التمييز ومدير عام قوى الأمن الداخلي ورئيس فرع المعلومات من فريق سياسي وطائفي واحد؟
تضيف المصادر إنّ جنبلاط قال «تعالوا نلعبها بذكاء أكثر، عبر القبول ظاهراً بما يطرحه عون بلا شروط، مقابل تعيين أحد العميدين عماد عثمان أو سمير شحادة مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، وبهذا لن تخسروا شيئاً، انما ستربحون بعدها مشروعية شنّ حملة على عون مفادها أنه أخذ قيادة الجيش فماذا يريد أكثر وماذا يريد من رئاسة الجمهورية؟
وبعدما يكون قد أخذ عون تعويضاً بقيادة الجيش يضيف جنبلاط «يصبح لدينا عذر طبيعي يمكّننا من الحديث بشكل عادي عن رئيس وسطي من دون ترك فرصة أمام أيّ كلام من نوع «عزل عون» أو تهميش واضطهاد المكوّنات المسيحية، لأنكم قبلتم بقائد للجيش رغم انه صهر عون، لكن مطلوب ان يكون لقائد الجيش مناقبية وتاريخ وأهلية توفرت فيه فقبلنا رغم كلّ شيء، وهذا يعطيكم قوة معنوية داخلية وخارجية للضغط من أجل سحب ترشيح عون».
وأضاف جنبلاط: «حتى في موضوع حزب الله فإنه عندما نأتي بشامل روكز قائداً للجيش نطمئن حزب الله إلى أمنه وعلاقته مع الجيش، فيصبح الموضوع الرئاسي أقلّ ضغطاً حتى لا نقول هامشياً، لكن ليس بنفس القوة لأنّ أحد أهمّ أسباب تمسك حزب الله بانتخاب عون رئيساً للجمهورية هو دور الرئيس في تعيين قائد الجيش، ولذلك عندما يكون قائد الجيش محسوماً سلفاً، ويرضي حزب الله وعون، فإنّ فرضية أن يصبح حزب الله أكثر ليونة، وعون أضعف في حجته، وتخف أسباب اندفاعة قاعدة عون الشعبية، وبكركي أقدر في موضوع الرئيس تصبح فرضية أقوى من قبل…»
يبدو جنبلاط بعد التجربة المريرة كمن يقول لم يعد لدى معظم اللاعبين السياسيين في البلد ذكاء يستحق ان يعطيه وقتاً، فقرّر الانكفاء… لا وساطات بعد اليوم ولا تدخلات ومواقف حول الرئاسة أو الجيش أو عرسال… ولا من يحزنون!