خلايا نائمة… وبوصلات منحرفة

محمد شريف الجيوسي

يعمل البعض على قلب المفاهيم والأولويات والحقائق، من مواقع تبدو وطنية أو قومية أو إيمانية أو إنسانية.. فيما هي مواقف تحمل الدمار للأمة أو لبعض مكوناتها ومقدراتها، مشبعة بالسم والدسائس والتبعية والعمالة، وإن تغلفت هذه المواقف بأجمل المفردات والتحليلات السياسية العبقرية وما تبدو عليه من منهجية في الرأي والتفكير، وقد تستند في كل ذلك إلى محسنات بديعية مورست في أزمان سحيقة أو قريبة لكسب الثقة وإقناع الشارع والقيادات المخلصة لشعوبها وأمتها بنزاهتها ووطنيتها وصدقيتها واستقلاليتها.

هؤلاء خلايا نائمة ليس بالضرورة أن يكون بينها اتفاق أو تنسيق أو تفاهم، بل قد تكون متخاصمة متعادية، فالممثلون على خشبة المسرح، قد تكون أدوارهم متناقضة لكنها مكملة لبعضها والمخرج هو المدرك لما يصنع أو يخرج في سياق غاية ما يريد الوصول إليها أو توصيلها في النهاية.

من هذه المفاهيم المقلوبة، الزعم بأن إيران لا تقل خطراً عن الكيان الصهيوني، بل ويرى البعض أنها أشد خطراً على المنطقة منه، ويعودون في ذلك إلى تواريخ غابرة ووسيطة، متجاهلين التواريخ الغابرة والوسيطة التي تذكر بالممارسات اليهودية ضد المسيحية والإسلام، بل وفي الواقع الراهن المخاطر التي لا صلة لإيران بها، إذ وقفت إيران ضد مخاطر الوجودية على لبنان وسورية وفلسطين، هؤلاء تجاهلوا أن تقصيرهم تجاه قضاياهم المصيرية، هو من أتاح لإيران ملء الفراغ السياسي، ولو أنها لم تشغله لكان البديل تلك العواصم الاستعمارية القديمة والجديد منها، التي قسّمت البلاد والعباد وأتت بالكيان الصهيوني، الذي كان وما زال وراء مشاكل المنطقة منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن.

ومن المفاهيم المقلوبة في سياق الحرب على الأوطان البديلة والتوطين، حرف البوصلة من الحرب على الكيان الصهيوني إلى حرب على الشعب الفلسطيني بذريعة الحرب على الوطن البديل، فيما المطلوب توحيد الجهود وتنسيقيها مع الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني لإحباط الوطن البديل وتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية، تمهيداً لتحرير فلسطين التاريخية والجغرافية بالكامل، وإنهاء مخاطر الوطن البديل من شرق الأردن نهائياً.

هؤلاء جاهزون ككتاب ونشطاءٍ وسياسيي تدخلٍ سريع للتحرك عند أول منعطف أو سوء فهم أو التباس أو تصرف من مسؤول ما، لتفريغ ما لديهم من توجهات وأحقاد وملابسات بأشد العبارات والمواقف تطرفاً ضد الفلسطينيين، في حرف خطير للبوصلة، وكأنهم هم من صنع النكبة وليسوا ضحاياها.

وهؤلاء يحرصون على استبعاد الفلسطينيين من المساهمة في أي جهد وطني أو قومي أو إيماني أو أي عمل ما تطوعي، بغرض أبلستهم أو إلباسهم لبوس السلبية والمناكفة والبعد من العمل العام بأنواعه وأشكاله كافة.

ونشهد هذه الأيام محاولات البعض المساس بتحالفات سورية مع أصدقائها كإيران وروسيا، بذريعة الحرص على سورية، وعلى علاقاتها الاستراتيجية مع كل منهما. فيما الحقيقة هي زرع الشكوك بينهما من حيث جوهر وواقع هذه العلاقات، وإيجاد طريقة للتسلل إلى هذه العلاقة، ونشر هذا الانطباع في الداخل بتداعياته المحبطة، وفي الخارج بما يستتبع من تصعيد الشكوك بكل انعكاساتها السياسية والاقتصادية السلبية.

سورية قوية بشعبها أولاً، وليست في حاجة لتوسط أي كان في علاقاتها الاستراتيجية مع الأصدقاء، التي تُرسم وتتحقق بالجهد الموصول الحريص المبدئي من سورية وأصدقائها، والتي هي ليست وليدة اليوم، ومبنية على ثقة الأصدقاء بسورية الشعب والجيش والقيادة المصممة على النصر مهما غلت التضحيات، الأمر الذي يجعل موقف الأصدقاء مستنداً إلى حقيقة راسخة ليست مبنية على رمال متحركة ومواقف هوائية.

وسورية لا توصل رسائلها إلى الأصدقاء أو الأعداء عبر وكلاء أو سماسرة سياسة أو منتهزي فرص أو تجاز أزمات وحروب. فلها دبلوماسية عريقة تشكل مدرسة في الانتماء والوفاء لبلدها وأمتها، قادرة على تحقيق ما تنشد من أهداف وغايات وسياسات واستراتيجيات بل ومصالح أيضاً.

جميع المردفين السابقين غاياتهم النهائية واحدة حرف بوصلة الصراع عن الكيان الصهيوني باتجاه إيران والشعب الفلسطيني والإيقاع بين سورية وحلفائها بما يخدم الكيان الصهيوني وهو أسلوب انتهازي جديد في حرف البوصلة عن موضعها الحقيقي.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى