الأكراد: «الحلفاء المفضلون» على خطى التقسيم

عامر نعيم الياس

لا يعرف أحد بالضبط ما تمّ الاتفاق عليه بين حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري المسمى «وحدات حماية الشعب الكردي» وواشنطن بالنسبة إلى سورية، لكن المؤكد أن شكل العلاقة وحجم الدعم المقدّم للأكراد من تحالف أوباما تجاوز حدود العمل في سورية حول عين العرب إلى حدود أخرى أكثر رحابة دفعت «واشنطن بوست» الاميركية في أحد تقاريرها الأسبوع الماضي للقول «وجدت الولايات المتحدة في وحدات حماية الشعب الكردية شريكاً موثوقاً به في البلاد، ومنذ بداية أيار، فقد انتزع الأكراد ما يزيد عن 200 بلدة كردية ومسيحية في شمال شرق سورية».

هي شريك موثوق، تتقدم في مواجهة «داعش»، الغطاء الرئيسي للتدخل الأميركي الجديد في المنطقة، وتسيطر على مساحات من الأراضي، هنا تثبت استراتيجية أوباما في عين العرب نجاعتها، لذلك لا داعي لتغيير جذري في نهج التحالف العسكري في سورية على وجه الخصوص، مجرّد إعادة تقييم للأدوات المستخدمة في حرب الاستنزاف ومدى ملاءمتها الواقع الحالي لا أكثر ولا أقل، هذا من جهة. ومن جهة أخرى وفي ضوء عودة نغمة تقسيم سورية إلى واجهة العمل السياسي المواكب والمروج للاندفاعة الأخيرة لـ«النصرة» وحلفائها في شمال البلاد، يبدو أن الأكراد يحاولون اللعب على هذا الوتر والتحضير لمرحلة جيدة في سورية تمهّد بموجبه الأرضية لقيام كيان كردي في مراحل لاحقة من مراحل انفصال تدرجي برع فيه الأكراد، ولنا في مثال العراق دليل على ذلك، هنا نشرت «تايمز» البريطانية تقريراً عما يجري في سورية بحق القرى العربية في محيط عين العرب جاء في بعضٍ منه « ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي تقوم بإحراق قرى العرب في المنطقة بعدما سيطرت على بعض المناطق أخيراً». وأضافت أنّ غالبية هذه القرى تحيط بمدينة عين العرب، حيث تبدو «الحملة الكردية انتقاماً مما يقولون إنه تعاطف السنة مع مقاتلي التنظيم الذي سيطر على مساحات واسعة في العراق وسورية العام الماضي». من الممكن للبعض التشكيك بالتقرير ووضعه في خانة افتعال أزمات في بنية المجتمع السوري لرفع منسوب التفرقة بين مكوناته، وتكريس الفرز بين العرب والأكراد بما يدفع الأكراد إلى استجداء تبعية إضافية من الغرب غير التبعية الحالية، كما أن التقرير يخص «السنة» في محاولة لتأطير القومية العربية على الدوام في سياقٍ طائفي ضيّق يشكل أساس المشروع الأميركي في المنطقة. لكن على رغم احتمالية ما سبق، إلا أن ما تحدثت عنه «تايمز» البريطانية في سورية، ليس منفصلاً عما أشارت إليه بعض التقارير الغربية عن ممارسات مماثلة لأكراد العراق في الشهر الحادي عشر من العام المنصرم، حيث قامت القوات الكردية «بمنع السكان العرب من العودة إلى جلولاء والسعدية اللتين تقعان شمال شرق مدينة بعقوبة وذلك بحجة الأوضاع الأمنية».

يمنع العرب من العودة إلى بعض مناطقهم في العراق، ويهجّرون في سورية التي يشكّل فيها الانقطاع الجغرافي عائقاً طبيعياً في وجه أي محاولة كردية للحصول على الحكم الذاتي، لكن يبدو أن أجندة تقسيم سورية تغري الأكراد وتدفعهم إلى الانخراط في عملية خلق اتصال جغرافي بين مناطقهم في شمال سورية وشمال شرقها، أمرٌ غير مستغرب لمكوّن كان حتى فترة قريبة عدوّاً لواشنطن وإذ به يتحوّل إلى شريكٍ موثوق، اختار واشنطن وأجندتها على حساب دمشق ومعركتها.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى