المسرحية الفلسطينية نادرة عمران: لماذا تركنا سورية للذئاب؟

أروى الباشا

ترتسم في ملامح وجهها المتعب خريطة بلاد الشام قبل التقسيم واللحتلال، يوم كانت سورية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق كلّها تُسمّى سورية الطبيعية. يمرّ طيف الشام ببالها فتبكي عيونها، وتصل حرقة قلبها حدّ أسوار المدينة القديمة الآيلة للسقوط بسبب الحرب المستعرة، وتقول إنّها محبطة ومصدومة، وحزينة جداً لِما يحدث في المنظقة العربية.

هي التي أتت إلى العاصمة الأردنية عمّان من بين كروم العنب في مدينتها الخليل المعروفة بطابعها المحافظ، وتُعتبَر اليوم من أبرز الوجوه الفنية النسائية في الأردن.

تتحدّث الفنانة المسرحية الفلسطينية نادرة عمران عن المشهد الفني المرتبك في الأردن، غير القادر على اللحاق بركب الفن في البلدان العربية، فلا استراتيجيات تدعم الصناعة الفنية، ولا تقدير جدّياً لأهمية الدراما والسينما في التوثيق.

في عرضك المسرحي الأخير « مباشر»، انتقدت الإعلام لحدّ التهكّم… ما رأيك بتناول الإعلام اليوم ما يجري في المناطق العربية الساخنة؟

ـــ بعض الإعلام يلوي الحقيقة، يأخذ الجمهور إلى منطقة ثانية، ومنطقة عاشرة، في مسرحية « مباشر» انتقدنا دور الإعلام في تشتيت للجمهور العربي وإلهائه بأعداء وهميين يقدّمهم إلى الساحة كل يوم، ويفرد لهم نشرات الأخبار والعناوين الرئيسة، مقابل إغفال الحديث عن العدو الأكبر والأساس للعرب الذي هو «إسرائيل». ودارت أحداث المسرحية حول حظيرة قطيع من الأغنام، يقوم الرعاة بفتح أبوابها ليستبيحها أحد الذئاب، في إسقاط سياسيّ مباشر على ما يجري اليوم في المنطقة العربية.

يوصَف مضمون ما يُقدّم اليوم في الأعمال العربية المشتركة بالجريء والمتمرّد على التقاليد… ما رأيك؟

ـــ فجأة تحوّلنا إلى تلقيد أعمال برازيلية ومكسيكية وتركية، الأعمال العربية المشتركة غير بريئة، يتم عرض علاقات عاطفية مرضية على أساس أنّ كل العلاقات في المجتمع العربي تسير بهذه الطريقة. هذه العلاقات وإن وُجدت فهي حالات شاذّة، يجب عدم تخصيص مسلسلات كاملة لها. ما هذا الانحطاط المطلق الذي يُعرض ضمن هذه المرحلة الخطيرة والمفصلية؟ هل يُعقل أن نصنع أعمالاً كهذه في هذه الفترة الدموية الحساسة التي نمرّ بها؟

وجّهتِ انتقادكِ أكثر من مرّة للمسلسل المصري «سرايا عابدين»… ما تحفّظاتكِ عليه؟

ـــ هل من المعقول أن يتم تناول شخصية الخديوي اسماعيل بهذه الطريقة، وأن يكون العمل من بدايته إلى نهايته مخصّصاً للحديث عن تفاصيل التفاصيل المتعلّقة بعلاقاته ومغامراته النسائية؟ أهذا الجانب الذي أعجبهم فقط من سيرة حياة رجل مصريّ مهمّ؟ كان من الممكن تناول تلك العلاقات بشكل عابر لا رئيس، وبغضّ النظر عن علاقاته النسائية، فمعظم الرجال العرب، سواء كانوا أصحاب سلطة أم أشخاصاً عاديين، حياتهم التي تتعلق بالنساء لا تدعو إلى الفخر.

العمل كان عبارة عن استعراض لفساتين الممثلات و«ماكياجهن» اللافت، بينما ثمانية ملايين لاجئ سوري يعانون أشد أنواع الفقر والخيبة في المخيمات لا يستحقون عملاً درامياً، هذا الأمر سيبقى وصمة عار على جبين «الأمة العربية» إلى الأبد.

تربّيتِ على الأفلام المصرية وتأثرتِ بسعاد حسني، لماذا لم نركِ في سينما أو دراما المحروسة، على رغم مسيرتك الطويلة؟

ـــ السينما والغناء الجميل وكل أنواع الفنون أساسها مصر، وهذا لا يخفى على أحد، ولكن مع كل احترامي للفن المصري، لا أسعى إلى العمل هناك، ولا أضع نفسي في موضع البحث عن فرص. فهذا الأمر مستحيل. أمّا إن عُرضَ عليّ دور جميل فبالتأكيد سأشارك، وهذا يسعدني ويشرّفني.

تتوالى زيارات نجوم العالم إلى مخيمات اللاجئين، بينما يبقى حضور الفنان العربي خجولاً… ما رأيك؟

ـــ آنجلينا جولي تزور مخيمات اللاجئين السوريين، وتذهب إلى الصومال، وتكون مع المهجّرين وتؤازرهم وتقدّم لهم المساعدات، وتؤمّن لهم الدعم والمؤازرة المادية والمعنوية، أمّا الفنان العربي فيهمه أن يتحدّث أمام الجمهور عن الطائرات الخاصة التي تُقلّه من بلد إلى آخر، ونرى فنانة أخرى تتباهى بعقود الألماس والمجوهرات النفيسة التي ترتديها على مرأى الشعوب التي تُذبح كل يوم، هذا الخطاب هو الذي يُسلّط إعلامنا العربي ضوءه عليه للأسف الشديد، أنا محبطة ومكتئبة ومصدومة، وحزينة جداً، لدي غضب كبير، ويوشك الإنسان الذي في داخلي أن يقول يا ليتني لم أكن عربياً.

برأيكِ، ما مصير الدراما السورية اليوم بعد الانقسامات التي حصلت بين الفنانين بين مع وضدّ؟

ـــ إيماني كبير بالفنّانين السوريين، فهُم ـ مهما اختلفت وجهات نظرهم ـ متميزون على صعيد الإخراج والكتابة والتمثيل وسط الخريطة الدرامية العربية. عملت مع عدد كبير منهم في أعمال سورية وأخرى أردنية، والبعض منهم أصدقاء مقرّبون جداً منّي. وبالنسبة إلى ما يجري من أحداث سياسية في البلاد، فمن حق أي فنان كأيّ مواطن أن يعبّر عن رأيه بما يحدث على الأرض، شرط أن يكون ذلك خارج ما يتعلّق بالمساومة على الدم والضحايا.

ذكرياتكِ في الشام… حدّثينا عنها؟

ـــ بعد نكبة فلسطين، أصبحت دمشق وكأنها النافذة الوحيدة التي تطلّ على القدس بالنسبة إلي، بأحيائها التراثية وقناطرها وأسواقها العريقة والمهن القديمة. بعد دمشق وما حدث في سورية، أقفِلَت النوافذ كلّها على الشرق. يبدو أنّ المدن الجديدة تريد أن تُدمّر المدن القديمة، فبغداد سقطت ويريدون تدمير دمشق، والقاهرة مهدّدة في أيّ لحظة، لديّ غضب شديد على «الأمة العربية» كلها.

مدينة عمّان كيف أثّرت فيك… ماذا منحتك؟

ـــ عمّان مدينة مريحة جداً، تستطيع أن تتصالح فيها مع الأشياء بسهولة، لأنّ المغريات ليست كثيرة، فبالتالي تصبح خياراتك أبسط، فيها ألفة وسحر جميل، ومهما توسّع بنيانها العمراني وكبرت يبقى جوّها حميمياً. كذلك العلاقات هنا مع الناس مفاتيحها سهلة، إنهم صادقون وطيبون وتلقائيون. فقط عليك أن تبتسم في وجه الشخص لتكسب ودّه. عندما أخرج من عمّان لأسبوعين تأخذني نفسي إليها، وأشعر كأنّني أريد العودة إليها بأيّ طريقة.

كنتِ من أوائل العاملين في الدوبلاج والوثائقيات… لماذا تعتبر عمّان المدينة الأقوى في هذه المجالات، فيما لا تزال ضعيفة في إنتاج الدراما؟

ـــ اللهجة الأردنية أساساً لا موسيقى أو لحن بالنطق فيها، ما يجعلك تلفظين اللغة العربية الفصحى بشكل صحيح وسليم، وهذا ضروري جدّاً في ما يتعلّق بالدوبلاج والأفلام الوثائقية. سابقاً، كان أهم منتج صوتي يخرج من الأردن، كما شهد هذا البلد تسجيل الأعمال الدرامية المصوّرة الأولى في العالم العربي. أمّا اليوم، وبعدما أصبحت المسلسلات تُصنع في كل بلد وفق لهجته الخاصة، لم تجد اللهجة الأردينة العامية مكانها لأنها لا تجذب كاللهجتين السورية و المصرية، تحديداً بالنسبة إلى الأعمال المُعاصرة.

لا سياسة اقتصادية مرتبطة بصناعة الدراما الأردنية، ما مدى خطورة هذا الأمر؟

ـــ العمل الدرامي في الأردن يُنتَج ارتجالياً. للأسف لا خطط محدّدة بما يتعلّق بالترويج والتسويق. كذلك، فإنّ جهات الإنتاج الأردنية ضعيفة باستثناء المركز العربي، المشكلة أنّهم لا يعتمدون على الفنّ لا كوثيقة تاريخية، أو كمصدر للدخل المادي، أو كمصدر للترويج السياحي والتاريخي للبلد، ولا حتى كنقطة وجود في الساحة الدرامية العربية. كل أحياء القاهرة وتاريخ مصر ورجالاتها المهمّين عرفناهم من وراء السينما.

ما يحدث في الأردن، غيابٌ لوعي أهمية الدراما وخطورتها، هذا غياب للنظر إلى المستقبل. هناك مشكلة وجهل بمدى أهمية الفن بكلّ أشكاله من مسرح وسينما ودراما، هناك ارتباك بالمشهد ككلّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى