لكي أكون أنا!
نصّار إبراهيم
حين أقول ما أريد، لا ما يريده الآخرون… أكون أنا.
حين تتلاشى الحدود ما بين المعلَن والمضمَر في قولي وسلوكي… أكون أنا.
حين أقبِّل حبيبتي من دون أن ألتفت حولي حذراً أو حياءً… أكون أنا.
حين أختار حبيبتي لأنّني أحبها وتحبّني بعيداً عن جيناتها ولونها ودينها… أكون أنا.
حين أجلس كما أشاء وأسير كما أشاء وألبس كما أشاء… أكون أنا.
حين أرسم كما أشاء وأكتب كما أشاء وأغنّي وأعزف كما أشاء… أكون أنا.
حين أرى جمال الأشياء الداخليّ… أكون أنا.
حين تتقلّص المسافة بين الأنا والأنا الأعلى… أكون أنا.
حين تختفي المسافة بين الرمز والمدلول في لغتي… أكون أنا.
حين أجد كتاب «القصائد المحرّمة» لأبي نواس عند بائع الكتب على الرصيف، وحين لا أقرأه خلسة… أكون أنا.
حين ترسل ابنتي الوردة لحبيبها كتحية معلنة لا تمويها لرسالة حبّ… أكون أنا.
حين لا يعود الشرف لديّ مرتبطاً بالأعضاء الجنسية… أكون أنا.
حين تولد البنت ولا أقول «الله بيعوّض»… أكون أنا.
حين لا يرى ابني نفسه أفضل من شقيقته… أكون أنا.
حين يتوقف الحديث عن الحقوق المتساوية بيني وبين حبيبتي، زوجتي، ابنتي… أكون أنا.
حين يقرأ طفلي القرآن والإنجيل ولا يعود خائفاً من عذاب قادم… أكون أنا.
حين يحين موعد الصلاة فأصلّي في الكنيسة أو المسجد من دون دهشة… أكون أنا.
حين لا يسألني أحد عن ديني عندما نتعارف… أكون أنا.
حين أقرأ في المدرسة عن أهمية الحبّ كما الإنجيل والقرآن… أكون أنا.
حين يعلّمني المعلم أن أكون أنا لا كما يريد… أكون أنا.
حين أصبح قادراً على الرفض كما القبول… أكون أنا.
حين أحترم من يقول لي «لا» بالقدر ذاته الذي أحترم فيه من يقول لي «نعم»… أكون أنا.
حين أدرس ما أشاء وأحبّ كما أشاء وأتزوّج من أشاء، أو لا أتزوج… أكون أنا.
حين لا يرتعب طفلي من الذهاب إلى الامتحان… أكون أنا.
حين تصبح نظرة الاحترام هي الأساس لا تقبيل اليد… أكون أنا.
حين لا أحلم بالبندقية… أكون أنا.
حين أحترم الوردة على الرصيف… أكون أنا.
حين لا أرتبك عندما أفقد بطاقة هوّيتي… أكون أنا.
حين أتّجه إلى المطار بلا خوف… أكون أنا.
حين يكون الموت عندي طبيعياً كما الولادة… أكون أنا.
حين أرى الناس في نفسي وأرى نفسي فيهم…. أكون أنا.
حين يقل تخزيني الأشياء خوفاً أو شكّاً… أكون أنا.
حين لا أضطر لوضع القضبان على نوافذ بيتي وأنام مطمئناً… أكون أنا.
حين لا أفكر منذ الآن خوفاً من شيخوختي… أكون أنا.
حين لا أخاف أن يختفي رغيف الخبز غداً… أكون أنا.
حين أرى رجل البوليس صديقي… أكون أنا.
حين تختفي الجيوش ولا أخشى الغزو الخارجي… أكون أنا.
حين أتمدّد في حقل القمح ولا أخشى التلوّث… أكون أنا.
حين يصبح بيتي وسيارتي في خدمتي لا العكس… أكون أنا.
حين يكون الكتاب في صدر بيتي… أكون أنا.
حين لا أنتظر مكرمة الرئيس أو الملك أو الأمير… أكون أنا.
حين لا ينام جاري جائعاً وأنا متخم… أكون أنا.
حين أحترم أعلام الشعوب الأخرى كما علم بلادي… أكون أنا.
حين أرى لغتي من أجمل اللغات… أكون أنا.
حين أجرؤ على الكلام ولا أخفض صوتي خوفاً… أكون أنا.
حين أنتقد النظام السياسي والزعيم والملك والرئيس ولا أنتظر زوّار الفجر أو العصر… أكون أنا.
حين لا تصبح المظاهر سيدة الأحكام… أكون أنا.
حين أحترم موظف النظافة كما الطبيب… أكون أنا.
حين أتعلم أن أخفض صوت التلفاز لأنّ جاري مريض… أكون أنا.
حين لا أشتُم جاري لأنه أخطأ في رَكن سيارته أمام بيتي… أكون أنا.
حين أدرك أن المعرفة من أسرار الجمال… أكون أنا.
حين أرى الأرض وطناً لي… أكون أنا.
حين أكون كلّ هذا… أكون حينذاك حرّاً من الأنا…. فأكون أنا!