السيناتور جون ماكين واحتمالات النهاية: التهور والتطرف يلاحقانه انتخابياً

تزامن بدء الفرصة السنوية مع احتفالات «ذكرى الشهداء» مطلع الأسبوع المنصرم، مما انعكس ايضاً على حجم إصدارات واهتمامات مراكز الفكر والأبحاث الأميركية المختلفة.

التطورات في الداخل الاميركي فرضت نفسها على سلم الاولويات. سيستعرض قسم التحليل مسيرة السيناتور جون ماكين، في سياق تغطية سباق الانتخابات الأميركية، وحضوره الإعلامي ونفوذه الطاغي في كافة مناحي السياسات الاميركية الخارجية والدفاعية أيضاً.

ماكين أعلن عن ترشحه لدورة أخرى في مجلس الشيوخ، بيد أنّ لوحة المرشحين أفضت الى تقدم منافسين لماكين، لا سيما عضو مجلس النواب الحالية عن الحزب الديموقراطي، آن كيركباتريك، وتراجع شعبية ونجم ماكين بين صفوف ناشطي الحزب الجمهوري لولاية اريزونا.

عودة إلى دموية «الربيع العربي»

اعرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن خيبة أمل الاوساط السياسية الاميركية والغربية مما آلت اليه اوضاع بلدان «الربيع العربي»… والتعويل على دمقرطتها.» بل ان النتائج كانت مغايرة وأفضت الى «عودة الاوضاع السابقة» إلى حالها، على الرغم من بعض التفاؤل والنجاح النسبي الذي سجلته التجربة التونسية». واضاف ان «تسلّم الاسلاميين دفة الحكم في المغرب لم يفعل الا القليل للحدّ من دور ونفوذ المخزن» السياسي الملكي في الحياة السياسية والاقتصادية في المغرب. واردف انّ «مصر تمثل اوضح المفارقات… اذ اتت بأحد كبار القادة العسكريين الى سدة الحكم»، كما ينبغي الاقرار بحجم التأييد الواسع للرئيس عبد الفتاح «السيسي والمستبدّين الاخرين في المنطقة»، الذي يعود «جزئيا الى الخشية من الفوضى ومجاهل المستقبل… فاستمرار العمليات الإرهابية تذكر المواطنين بضعف حالهم امام الارهابيين».

سورية

شدد معهد كارنيغي على انه لا يجوز اعتبار «الطائفية جزءاً من الحل لسورية»، خاصة في ظلّ التوزع الديموغرافي والاحتقانات الراهنة التي لو قدّر لها النجاح في «انهيار الدولة السورية، فإنّ تلك الانقسامات ستترجم تفتيتاً لأسس الدولة»، وحذر من اعتماد صيغة يجري تداولها في الاروقة الدولية راهناً ترمي الى تقسيم سورية على أسس طائفية… بيد ان التجربتين اللبنانية والعراقية تشكلان شاهداً حياً» على بطلان ذلك التوجه اذ انّ «حلّ الصراع قصير الأجل المذكور من شأنه ان يؤدّي إلى نزاعات طويلة الأمد في المستقبل».

فلسطين

تناول معهد كارنيغي «الصدامات» بين حركة حماس والتنظيمات السلفية «التابعة لما يُسمى الدولة الاسلامية في القطاع، التي تنذر بتصدّع «العلاقة المعقدة» بين الطرفين. واشار المعهد الى انّ التنظيمات السلفية «ليست ظاهرة جديدة» في غزة، بينما شهد القطاع بروز تنظيمات تصف نفسها «بالسلفية الجهادية… قبيل الانسحاب الاسرائيلي عام 2005»، وحافظت على «روابط عقائدية مع تنظيم القاعدة». واوضح ان دور السلفية تعزز منذ العدوان الصهيوني عام 2014 «وصعود الدولة الاسلامية» في المنطقة. وحذر المعهد من تداعيات «الشلل السياسي وتعثر إعادة الإعمار وتفاقم الحالة الاقتصادية» في قطاع غزة وانعكاساته على «استقرار القطاع في المدى الطويل…» وحفز المستائين والمتضرّرين الانضمام الى المجموعات المتشددة.

إيران

تحسّن العلاقات الثنائية بين ايران وروسيا مؤخراً كان موضع اهتمام معهد كارنيغي، اذ اعتبر التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب دفع الاولى «لتسريع خطواتها وتطويرها مع ايران… وفي نفس الوقت خاب أمل ايران من التوصل سريعاً الى اتفاق نووي وازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها». ورأى المعهد انه يتعيّن على الجانبين، الروسي والايراني، «اعادة النظر بقدراتهما الذاتية لتطوير علاقة متعددة الأبعاد… والذهاب بها الى ما بعد مرحلة تبادل الآراء…»

اعرب معهد المشروع الاميركي عن اعتقاده بأن ايران «لا زالت راغبة في التوصل لاتفاق نووي… بيد ان التحديات الجادة التي تواجهها من قبل تنظيم داعش والحكام العرب تشكل المحرك الحقيقي لسياسة ايران الخارجية في الوقت الراهن». وحث صناع القرار في واشنطن على عدم الاستخفاف «بالمدى الذي يمكن لطهران الذهاب اليه… من ترتيبات وتعاون موقت ضدّ داعش في العراق للحفاظ على مصالحها في بغداد والدفاع عن دمشق، والضغط على الرياض. .. او اخراج الولايات المتحدة من المنطقة».

اميركا: التجسّس الداخلي

استعرضت مؤسسة هاريتاج الجدل الدائر حول تجديد الكونغرس سريان مفعول بعض فقرات قانون الباتريوت، التي تتيح التجسّس على كافة المواطنين الاميركيين ونشاطاتهم اليومية. وذكرت اعضاء الكونغرس بواجبهم الاكبر ممثلاً «بالالتزام بنصوص الدستور، ومادة التعديل الرابعة بشكل خاص التي توفر الأمن للافراد ومنازلهم ومقتنياتهم الخاصة وحمايتها ضد عمليات تفتيش وضبط غير معقولة». واستدركت بالقول انه يتعيّن على المشرِّعين إدراك حقيقة ملكية السجلات الهاتفية «التي تعود لشركات الاتصالات…» والتي ينبغي ان تبقى محتوياتها خاضعة لقوانين الحماية الشخصية ويتعيّن على الممثلين «التوصل الى صيغة متوازنة بين الجانبين». وحذر من عدم الإقدام على سنّ مشروع او تجديد العمل بالقوانين السائدة وبأنّ ذلك «يخلو من الحكمة وتصرّف خطير، خاصة في زمن الصراعات المسلحة».

تحفل وسائط الاعلام العربية المختلفة باهتمام كبير للسيناتور الجمهوري جون ماكين، وتعجّ بالمبالغات لدور هذا السياسي المخضرم، وتسند له ميزات قد لا يستحقها، وترسم حوله هالة سياسية غير عادية لشخص يهوى الاضواء. بيد ان هناك شبه اجماع على دوره كممثل وفيّ للنخبة السياسية الاميركية وتيارها الأشدّ عدوانية واستعداداً للمغامرات العسكرية الاميركية في المنطقة العربية، والتي تصبّ في خدمة الكيان الصهيوني.

نرى لزاماً علينا اماطة اللثام عن هذه الشخصية ووضعها في سياقها ووزنها الحقيقيين، والتأكيد على انّ ماكين لا يتصرّف بمفرده، بل يعبّر عن مصالح النخب السياسية المتنفذة في اميركا. يترأس «المعهد الجمهوري» منذ عشرين سنة ونيّف، ويتمتع المعهد بعلاقة وثيقة مع الاجهزة الاستخبارية الاميركية، لا سيما وكالة «سي أي آي». يتأهب ماكين لخوض جولة اخرى من الانتخابات طمعاً في الاحتفاظ بمركزية دوره في لجان الكونغرس الهامة، القوات المسلحة والخارجية.

في الشق المقابل، قلة قليلة من المراقبين للمشهد الاميركي توقعت اضمحلال دور ماكين وتراجع شعبيته داخل صفوف الحزب الجمهوري، ويواجه اليوم تحدياً من امرأة تشاركه عضوية الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، مدركة انّ نجم ماكين إلى أفول.

صقور الحزب الجمهوري أمام استحقاق

في البداية، كانت القاعدة الانتخابية تتململ من وطأة الحروب العبثية، واحجمت عن المواجهة العلنية مع قادتها وممثليها. تدرّج التململ داخل الحزب الجمهوري الى اعتراض ومواجهة، واضحى منافساً حقيقياً في الجولة الانتخابية المقبلة، 2016، لا سيما انّ أحد اهم صقور الحزب، جون ماكين، سيترشح مرة اخرى للاحتفاظ بمنصبه في مجلس الشيوخ عن ولايته اريزونا، بعد تبوئه المنصب لثلاثة عقود متتالية منذ عام 1986، وهو البالغ 78 عاماً.

القاعدة الحزبية المحافظة تتطلع إلى «التخلص من ماكين»، منذ زمن ولأسباب عدة، أبرزها دفاعه المستميت عن غزو واحتلال العراق وتداعياته الاقتصادية والسياسية على السواء. يتمتع ماكين بنفوذ طاغ في صنع السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة، لا سيما ترؤسه لجنة القوات المسلحة وعضوية لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وسجل طويل من الخبرة السياسية.

الحزب الجمهوري في ولاية اريزونا لا زال في مرحلة التفتيش عن مرشح مناسب تتوفر فيه/ا فرصة للفوز، ولديه متسع من الوقت. وجاءه الردّ من حيث لم يحتسبه، عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، آن كيركباتريك، لتعكر أجواء المرشحين المحتملين عن الحزب الجمهوري. وأعلنت مؤخراً عن نيتها الترشح لمقعد ماكين في مجلس الشيوخ، اعتبرها العديد من المراقبين خطوة من شأنها «تعقيد المشهد الانتخابي للحزب الجمهوري»، لا سيما ان عضويتها في مجلس النواب لا تعاني من منافسة قوية او معتبرة لو أرادت الترشح للمنصب مرة أخرى.

مفاجأة كيركباتريك شكلت صدمة بيّنة لأقطاب الحزب الجمهوري، وعلق المستشار السياسي للحزب، سكوت ماهاسكي، بالقول انّ منافسة كيركباتريك لماكين «تشكل احد أغرب الخطوات السياسية التي شهدناها في ولاية أريزونا منذ 15 عاما».

سبق اعلان كيركباتريك صدور نتائج استطلاع للرأي بين الناخبين المدرجين في خانة الحزب الديمقراطي، الشهر الماضي، الذين أعربوا عن «دعم فاتر» لجون ماكين كما اشارت الى ارتفاع معدلات عدم الرضا عن ادائه بين صفوف الحزب الجمهوري. وتجدر الإشارة الى مركزية اصوات الناخبين من اصول لاتينية في ولاية اريزونا الحدودية، والذين استهدفهم الحزب الجمهوري في سياساته المتشدّدة ضدّ المهاجرين، ضمن سلسلة اجراءات اخرى أقصتهم عن تأييد ممثليه وسياساته. يشار الى ان الرئيس اوباما الذي خسر ولاية اريزونا التي تحسب في خانة الحزب الجمهوري، في الدورتين، لكنه فاز ايضاً عام 2012، بنسبة تعدّت 70 في المئة من تعداد الجالية اللاتينية.

ماكين والعرب

يصنف السيناتور جون ماكين في خانة أشهر صقور السياسة الأميركية، يتميّز بالمثابرة وسرعة الغضب، في آن، ويتمسك بقناعاته. لماكين حقد عميق ضدّ كافة الدول والحكومات التي لا تسير في فلك الولايات المتحدة، ويصفه البعض بأنه يعمل علناً على زعزعة استقرارها والاطاحة بها. الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو وصف تطرف ماكين بأنه «يشعر بالارتياح عندما يصدر الرئيس اوباما أوامره بإطلاق صواريخ اكثر باتجاه القوات السورية».

يعتبره البعض، عن حق، بأنه وزير الحرب المتنقل لأحداث «الربيع العربي»، وله دور ظاهر في كافة الأحداث العالمية، اذ «بعد ظهوره في اي مكان نشهد اراقة الدماء»، وكان تحركه لدعم الجماعات المسلحة بارزاً في كلّ من سورية وليبيا، قبل وبعد اندلاع المواجهات ضدّ حكومتي البلدين.

مستقبل ماكين

نظراً إلى تقدّم ماكين في العمر، 78 عاماً، لا ينظر اليه بارتياح داخل اوساط الحزب الجمهوري الذي «يعتقد» انه سيفوز بالبيت الابيض في الانتخابات المقبلة، وعقب اعلانه عن نيته لاعادة ترشيحه وجد نفسه في مواجهة مرشحة عن الحزب الديمقراطي تنافسه على المقعد.

الانتخابات المحلية في ولاية اريزونا لها ما يميّزها من تعقيدات واجراءات. اذ من المتوقع ان تصدر المحكمة العليا الفيدرالية قراراً حول شرعية اعادة ترسيم الخريطة الانتخابية في اريزونا، كما ارادها الحزب الجمهوري. القضية امام المحكمة تضع قطبين في الحزب الجمهوري في مواجهة بعضهما: كونغرس الولاية تحت سيطرة الجمهوريين ولجنة اعادة ترسيم خريطة التمثيل التي صادق عليها الكونغرس عينه. كيركباتريك استبقت القرار المنتظر صدوره خلال بضعة اسابيع ربما لإحراج قادة حزبها الديمقراطي وكسب تأييده مبكراً.

القراءة الأولية لمداولات المحكمة العليا تشير، وانْ ليس يقينا، بميلها للمصادقة على حق برلمانات الولايات المحلية اعادة ترسيم خرائطها وفق ما تقتضيه النسب الديموغرافية وفي حال اريزونا فانها تميل لصالح الحزب الجمهوري. عندئذ سيذهب مقعد كيركباتريك لصالح مرشح عن الحزب الجمهوري وفق خريطة التمثيل المستحدثة التي تحرم تواجد أغلبية شعبية مؤيدة للحزب الديمقراطي في الدوائر المختلفة.

احدث استطلاعات الرأي، 1 – 3 أيار الماضي، أشارت الى تقدم جون ماكين بنسبة 42 في المئة على كيركباتريك 36 في المئة، واحجام نحو 23 في المئة من الناخبين عن تأييد اي منهما في الوقت الراهن. كما انّ ماكين حافظ على نسبة تفوّقه امام مرشحين ديمقراطيين آخرين. يشار الى انّ اغلبية الناخبين المصنفين بالمتردّدين تميل الى تأييد الحزب الجمهوري في المحصلة النهائية.

يتفوّق ماكين ايضاً على كيركباتريك مادياً، اذ لديه سيولة نقدية يبلغ حجمها 3,6 مليون دولار مقابل 297,000 لمنافسته.

جولة الانتخابات الابتدائية، للمرشحين الجمهوريين، ستعقد قبل الانتخابات العامة في شهر تشرين الثاني المقبل وهي الجولة التي سيواجه فيها ماكين تحدياً ومنافسة داخلية عقب توجيه اللوم له من قبل أعضاء الحزب في الولاية، منتصف العام الماضي، للإعراب عن عدم الرضى لسياساته نحو مسألة الهجرة.

اعرب عدد من المرشحين المحتملين عن الحزب الجمهوري نيتهم دخول السباق الانتخابي لمنافسة ماكين، معلقين آمالاً على غضب القواعد الانتخابية وإحجامها عن تأييد ماكين. في الجولة السابقة، استطاع ماكين سحق منافسيه داخل حزبه. مقاطعة ماريكوبا الكبرى التي تضمّ العاصمة فينكس تعدّ معقلاً لعدد من معارضي ماكين.

خزينة ماكين وسيولة النقد الجاهزة قد تسعفه في تجاوز عقبة المرحلة الابتدائية، وتؤهّله دخول الجولة النهائية أكثر اطمئناناً خاصة ان ولاية اريزونا تميل بغالبيتها لتأييد مرشحي الحزب الجمهوري.

ماكين في السياسة الخارجية

يعدّ جون ماكين أحد أهمّ الأقطاب نفوذاً وتأثيراً على صياغة السياسة الأميركية الخارجية لاعتبارات عده، أبرزها علاقته الوثيقة بمراكز رؤوس الأموال وشركات تصنيع الأسلحة، وهو المؤيد الموثوق للتدخل العسكري الأميركي عبر العالم، لا سيما في العالم العربي ودول اوروبا الشرقية سابقاً. في نهاية شهر شباط 2011 شوهد ماكين في لقاء له مع بعض السياسيين الليبين وطلب منهم تنظيم عمليات نقل الأسلحة من مخازن الجيش الليبي الى سورية.

يتهمه البعض بالتهوّر وجاهزيته للمغامرة العسكرية وهو الداعي الدائم إلى استخدام تفوّق سلاح الجو الاميركي لمواجهة ايّ تحديات تتراوح بين الدولة الاسلامية وتشمل سورية وايران. ويعتبر أفضل تجسيد للمأثور الشعبي الاميركي «انْ لم يتوفر لديك سوى مطرقة، تصبح كافة العقبات امامك مسماراً».

يولي ماكين أهمية عالية لهيكلية سلاح البحرية على خلفية خدمته الإلزامية كقائد طائرة مقاتلة في سلاح البحرية الاميركية، ويمارس نفوذه في المصادقة على تعيين قادة البحرية الى اقصى الحدود. كما يمثل امامه كافة المرشحين لمناصب سياسية وديبلوماسية رفيعة طمعاً في نيل مصادقة لجنته وفق النصوص الدستورية. الأمر الذي يضاعف نفوذ وهيبة ماكين في نظر الجميع، لنهاية العام المقبل على الأقل.

ما ينتظر ماكين بعد 2016 يبقى رهن نتائج الانتخابات المقبلة، وهو يدنو من عامه الثمانين انْ فاز بالانتخابات. أقطاب حزبه الجمهوري تسعى إلى فرز مرشح أصغر سناً من دون المساس بهيبة ماكين، الأمر الذي ستحسمه الأيام المقبلة داخل فرع الحزب في ولاية اريزونا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى