حوار اقتصادي

فادي عبّود

يسعدني أنني أطلقت حواراً اقتصادياً بنّاءً، خاصة على صفحات جريدة «البناء» التي تستقطب قرّاء نخبويين التزموا الصمت بعدما انحدر مستوى الحوار والمناقشة في بلد تتنازعه الطوائف والمصالح. إلاّ أنني أؤمن بأنّ الحوار الاقتصادي هو الوحيد القادر على جمع الأفرقاء كافة، كونه علم الأرقام والواقعية، والحوار المجدي الوحيد، إذ يرسم في طياته حقوق الناس والمجتمع ويحدد أفق المستقبل وتطلعاته، فالاقتصاد قادر على تحقيق فرص الإنتاج والأحلام لشبابنا، وليست السياسة، ولذلك أطلقتُ حواراً اقتصادياً مع طلاب الجامعات أبدأه نهار الأربعاء في حوار تلفزيوني مع طلاب فروع الاقتصاد في الجامعة اللبنانية في المبنى الجامعي في الحدث، لفتح باب المناقشة مع الطلاب حول الواردات لتمويل الموازنة. حديث في الواقع والاستحقاقات الاقتصادية، نأمل في أن يستمرّ.

أما الأهم اليوم فهو الانتقال من المناقشة العامة في الاقتصاد الى المناقشة المحدّدة حول مشاكل وحلول واقعية بعيدة عن التنظير، ومناقشة أفكار عملية على أرض الواقع من حياتنا اليومية ومن نقاط ستنعكس مباشرة على شؤوننا الاقتصادية.

فلنحلل اليوم في ما طرحَته لجنة المال والموازنة واللجنة التي شكلت برئاسة النائب جورج عدوان، لنحلّل في واقعية الضرائب المقترحة ومدى جدواها، وقدرتها على تأمين التمويل اللازم:

ـ أولاً، بالنسبة إلى زيادة رسم الطابع المالي على رخص البناء بعد وضع تخمين من لجنة مُختصة لقيمة متر الأرض، يجب التفكير جدياً في جدوى هذا الإجراء، خاصة أنّ رخصة البناء في لبنان تعتبر من الأغلى عالمياً، وبالتالي يجب الغوص في المشكلة قبل فرض ضرائب عشوائية، ونرى ضرورة اعتماد التخمين المركزي بجميع عقارات لبنان والمنشور على الإنترنت، فالمخالفات والتجاوزات والاستنسابية في عمليات التخمين للتهرّب من دفع الرسوم كاملة تؤدي إلى ضياع لأموال الخزينة العامة. وبحسب الخبراء فإن التخمين المعتمد في لبنان لا يصل الى 60 من قيمة العقارات الحقيقية كمعدل إجمالي. قد يضاعف التخمين المركزي دخل رسوم التسجيل العقاري، ورسوم رخص البناء، وضريبة الأملاك المبنية المرتكزة على القيمة التأجيرية، وضريبة التحسين العقاري. فكيف نفكر في زيادة الضريبة عندما يستطيع المواطن صاحب «النخوة» خفض التخمين والأمثلة بالمئات. موضوع للتحليل الجدي كي نصل إلى حلول فاعلة. كما سينعكس موضوع لتخمين المركزي على تسويات الأملاك البحرية إذ يصبح أكثر فاعلية مع إصدار تخمين مركزي منشور على الإنترنت، فلو اعتمدت القيمة الحقيقية للأملاك، تكون التسويات أضعاف المبالغ، وإذا لم يعتمد التخمين المركزي يتحوّل هذا الموضوع الى «دكان» استنسابي معروف في لبنان، خاصة اذا تمّ التعامل مع كلّ ملف على حدة.

ـ ثانياً، كيف الاستمرار في التغاضي عن أعمال الكسارات والمرامل وفي الوقت نفسه «زيادة رسم الاستهلاك الداخلي للإسمنت بمبلغ 6 آلاف ليرة للطن لتأمين ما بين 30 و 40 مليار ليرة سنوياً». لِمَ التركيز على صناعة الإسمنت وترك منتجي البحص والرمل، فمعروفٌ المستفيد من الإنتاج وكيف تتمّ العملية! والأفظع من ذلك، معروفٌ أن نسبة كبيرة من مقالع البحص والرمل تعمل خارج منظومة الـTVA كلياً، فلو فرضنا «ضريبة مقالع» ستكون ذات دخل كبير لأنها ستفرض على المقالع ليس الضريبة المذكورة فحسب، بل ستجبر المقالع على دفع TVA أيضاً. وبالتالي يجب فرض ضريبة على أعمال المقالع والكسارات والمرامل المرخصة أو الحائزة مهلاً إدارية او حتى غير المرخصة، وفصل الضريبة عن موضوع الترخيص. وتفرض هذه الضريبة المرتبطة بالمالية على جميع أعمال استخراج رمل أو بحص أو صخور قبل البدء في عملية الاستخراج، بحسب مسح تدفع على أساسه الضريبة.

ثالثاً، إنّ زيادة الرسوم على المشروبات الروحية سيصبّ حكماً في مصلحة الأسواق الحرة على أنواعها، وستمسّ بالقطاع السياحي وبوجه لبنان المنفتح على العالم، كما أنّ مصنّعي «العرق البلدي» تصعب جداً مراقبتهم وفرض ضرائب عليهم في لبنان. هناك في المقابل، نشاط اقتصادي لا يدفع أي ضريبة تذكر، مثل ألعاب الميسر ودكاكين الـ video games المنتشرة، فنقترح تنظيم صالات الألعاب الإلكترونية المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة وقوننتها، وهي لا تدفع ضرائب تذكر للمالية، علماً أنّ الضرائب المتعارف عليها عالمياً لهذا النوع من النشاطات قد تصل الى 50 من الأرباح، وربطها إلكترونياً بوزارة المالية لتحديد عوائد الدولة منها. إنّ هذا الاقتراح يؤدي الى خلق فرص عمل خاصة في فنادق الجبل، خاصة إذا حصرت بهذه الفنادق التي كانت تتمتع بعائدات من الكازينو وألغيت وهي مهدّدة بالإقفال في المناطق الجبلية كلّها! وسيعود بعض الحياة إلى فنادق الجبل اذا حصرت هذه الألعاب بفنادق الجبل. من ناحية أخرى، إذا أُنشئت لـ Casino du Liban فروع في لبنان وأُدرجت المقامرة عن بعد من خلال الإنترنت من ضمن خدمات الكازينو، فنستطيع بحسب رأي الخبراء مضاعفة دخل الدولة خلال السنة الأولى بعد البدء، فيصل دخل الكازينو الى أكثر من 200 مليون دولار.

رابعاً، في موضوع الـTVA لا يجدي رفع نسبتها قبل اعتماد إجراءات جديدة بالنسبة إلى الـ TVA، فمن غير المقبول استمرار السماح بعدم إدخال الشركات التي لا يزيد حجم عملها TURN OVER على الـ100000 دولار في الـTVA ويجب خفض السقف الى الـ 10000 دولار، ومنع أي شركة غير مسجلة في الـTVA من استيراد بضائع بكميات تجارية. إنّ ضبط هذا الموضوع يؤمّن للخزينة مداخيل تفوق الزيادة المقترحة من خلال رفع الـ TVA الى 11 ، علماً أنّ البنك الدولي قدر نسبة الأعمال غير المسجلة في الـTVA بـ32 سنة 2007، وقد تصل النسبة الى 50 اليوم. أما بالنسبة إلى موضوع الرسم الجمركي فيجب التوضيح أنّ دول العالم كلّها تعتمد إجراءات جمركية تؤدي الى التنمية الاقتصادية والى تحفيز القطاعات الإنتاجية، أما في لبنان فلا تزال السياسة عشوائية. ففي البلد الذي يدعم الطاقة بأكثر من ملياري دولار، وفي البلد الذي يطالب فيه الصناعيون برسم طاقة على المستوردات من البضائع التي تدخل في إنتاجها طاقة مكثفة ولها مثيل في لبنان، يجب فرض ما يسمى «رسم طاقة» من 5 الى 10 على جميع المستوردات من بضائع «الطاقة المكثفة» التي يتمّ تصنيع مثيل لها في لبنان لحماية المنتج المحلي، ما يخلق فرص إنتاج ويشجع على الاستثمار في هذه الصناعات.

خامساً: يجب عدم المسّ بفوائد حسابات المودعين، إذ قد يؤدي ذلك الى خسارة موقع لبنان كبلد «صديق» للمودع في مصارفه. إن ضريبة على الفوائد هي بالواقع ضريبة على المودعين وليست على المصارف! يُستعاض عن هذا الموضوع برفع الضريبة على الأرباح المصرفية، وهذا موضوع يحتاج الى تحليل ومناقشة.

سادساً، فرض ما يعرف بالـWINDFALL TAX وهي ضريبة مرتفعة تفرض لمرة واحدة فحسب على أعمال استوفت أرباحاً مفاجئة وعالية بسبب ظروف معينة وبسبب عقود مع الدولة، والأمثلة على الأنشطة الاقتصادية لفرض هذا النوع من الضريبة متعدّدة، مثل أعمال الردم لسوليدير، السوق الحرة، شركات النفايات، الميكانيك وغيرها، وهذه الضريبة معمول بها في الديمقراطيات كافة في العالم.

يجب إطلاق مناقشة حقيقية حول هذه النقاط، من عقلية مثقفة ومطلعة تناقش الجدوى والنتائح بعلمية وواقعية، فضلاً عن ضرورة التفكير جدياً في طرائق محاربة الفساد وأسسها. وتهمّني الإضاءة مراراً وتكراراً على قانون الحق في الوصول الى المعلومات عبر الإنترنت، الذي ينصّ على نشر المعلومات المتعلقة بإدارة المال العام على الإنترنت والمواقع الرسمية للإدارات كي يتسنّى لكلّ مواطن الاطلاع عليها وتقويمها والتأكد من أنّ الضرائب التي يدفعها توضع في موضعها الصحيح.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى