العَلَم سيبقى عَلَماً

نسيب بو ضرغم

لقد فرضَت قوانين المادة أن يهوي جسد نبيل العلم إلى التراب الذي عشق، ولكنّ قوانين الخلود القومي كرّست نبيل العلم علماً باقياً يعلو الأرز وصنين وجبل الشيخ. ليس في الأمر مبالغة، ذلك أن ما أُعدّ قبل الاجتياح اليهودي عام 1982، ومنذ ما قبل بدايات الفتنة، عام 1975، هو عينه المخطط اليهودي الذي لا تنفك الصهيونية العالمية تحاول تنفيذه، سواء في لبنان أو في العراق أو في الشام… شأن يطول أساس الوجود القومي برمته.

نبيل العلم، كنت يا حضرة الأمين وسط ذاك الليل الحالك ضوءاً، فيما الأمة كلها بدءاً من لبنانها تقاوم اليهود عبر وكلائهم الذين أخذوا على عاتقهم إقامة دولة مسيحية في لبنان، على أنقاض الحضور اللبناني الآخر، وقبل كل شيء على أنقاض الوجود الفلسطيني واللبناني الوطني.

لم تكن دولة بشير الجميل التي عملت «إسرائيل» على قيامها ذات تداعيات على الساحة اللبنانية فحسب، بل كانت حلقة أولى في مخطط الهيمنة على كامل الرقعة القومية. دولة تجعل من نفسها إطاراً للتموضع اليهودي الاستخباري والعسكري والسياسي، الأمر الذي شاهده جميع اللبنانيين خلال الحوادث اللبنانية، ولم يعد الأمر في حاجة إلى إثبات.

تقدمت يا حضرة الأمين وسحقت رأس الحربة في الداخل، وأرحت لبنان والأمة من مسار يهودي كان سيتقدم أكثر… وستكون له تداعيات خطيرة، لو قدر لهذه الحرية أن تبقى وتنغرس في صدور المقاومين والوطنيين واللبنانيين كافة مسيحيين ومسلمين، ممن يرفضون هذا الجنوح إلى المعسكر اليهودي.

يرفضون العفو عنك وعن البطل حبيب الشرتوني، بذريعة أن القتيل كان رئيساً للجمهورية اللبنانية، لكأن موقع الرئاسة يمسح تاريخ الخيانة، فهم لم يقفوا عند حكم الإعدام الذي أصدره الجنرال ديغول في حق الماريشال بيتان، بطل فرنسا القومي في الحرب العالمية الأولى، ذلك لأن الماريشال بيتان تعاون مع الاحتلال النازي. هل شفعت للماريشال بيتان بطولته في الحرب العالمية الأولى، أم أن ارتكاب الخيانة هو أكبر الكبائر. وهل رئاسة الجمهورية، بل رئيس الجمهورية، أكبر من الجمهورية، وشعب الجمهورية، وكرامة الجمهورية، وهل تم انتخاب ذاك الرئيس بإرادة لبنانية حرّة، أم أن الجنود اليهود كانوا يجرّون النواب من أطواق قمصانهم إلى ثكنة الفياضية.

رئيس تعاون مع «إسرائيل» منذ النصف الثاني من عقد السبعينات، وشارك جيش اليهود وهو يتقدم في الأرض اللبنانية، أرض الجمهورية التي نصّب عليها رئيساً. وقف إلى جانب شارون سفاح فلسطين ولبنان، مكتوف الأيدي مثل التلميذ المطيع في منطقة كفرشيما، يراقب كيف يدكّ ذاك السفاح عاصمة الجمهورية التي ركبّوه رئيساً عليها. كيف لا يُطبّق في حق بشير الجميل قانون العقوبات اللبناني الواضح والصريح في إنزال عقوبة الإعدام بالمتآمر مع العدو على لبنان؟ وكيف يصبح حكم الإعدام في حقه، والمنفذ من قبل الشعب، جريمة، ويصبح منفذه مجرماً.

غريب أمر هذه الجمهورية، تعفو عن قاتل رئيس حكومة، وقاتل سياسيين وأبرياء، وتمتنع عن العفو عن نبيل العلم وحبيب الشرتوني. الجمهورية عينها، التي ستقدم بشير الجميل جيش الاحتلال لاحتلالها، ولم كان سعيداً يوم جلس شارون السفاح على كرسي وزير دفاع هذه الجمهورية في وزارة الدفاع اللبنانية. غريب أمر هذه الجمهورية التي تتبنى دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية، لكنها لا تأخذ بسلوكية تلك الجمهورية الفرنسية، سلوكية ديغول، يوم لم يساوم على شرف فرنسا وكرامة فرنسا وسلامة فرنسا، بل سمى الخيانة باسمها، وسمى الخائن باسمه، وأصدر القضاء الحكم الذي ينبغي أن يكون… وانتهى بيتان رمزاً لخيانة فرنسا في وجدان الفرنسيين. لكن، آتونا بديغول آخر!

اطمئن يا حضرة الأمين…

كل شبر من تراب الأمة هو ترابك، وأينما دفنت، الوجدان القومي حاضن لك. أنت أكثر من جسد، أنت نفسٌ فرضت حقيقتها على هذا الوجود. علماً كنت، وعلماً ستبقى، وأما الآخرون فبيتان في انتظارهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى