أكراد تركيا سيقررون استمرار علمانية أتاتورك… أو «أخونة» أردوغان
غداً هو يوم الفصل في رسم مستقبل الجمهورية التركية، بحيث سيمثل استحقاق الانتخابات البرلمانية نقطة عبور إلى نظام حكمٍ جديد، بين تديين الجمهورية أو بقائها علمانية، وبين استمرار النظام البرلماني أو قيام حكم رئاسي، وبين استقرار الجمهورية أو انفجارها في حرب أهلية.
ستكون هذه الانتخابات مختلفة شكلاً وموضعاً عن سابقتها، لا سيما وهي مرتبطة بمدى امكانية تحقيق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لطموحاته المتجهة لتحويل مسار النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، فضلاً عن أجواء الاستقطاب السياسي التي تشهدها تركيا في الداخل وترقب الخارج للعملية الانتخابية خلال الفترة الراهنة، والتي وصفها نائب رئيس الوزراء يالجين بأنها «مسألة حياة أو موت» بالنسبة للحزب الحاكم.
ثمة دلالات كثيرة في هذا المشهد تشير إلى مخاوف الأتراك من المستقبل، وتنامي نزاعات القلق مما هو آتٍ، في ظل الخلاف والخصام بين مكونات المجتمع، واتساع رقعة الاستقطاب بين نخب الحكم والمعارضة، والأرجح أن السنوات القليلة التي مرت منذ تفجير الأزمة السورية وتغذيتها من قبل أنقرة بالنار المذهبية مدعومة بشذاذ الآفاق من كل مكان، كانت سنوات التناحر السياسي الداخلي في تركيا. لكن السؤال، هل ستستطيع نرجسية أردوغان وكل ما لديه من سطوة من ايقاف ارادة وانتفاضة شعبه ضد غطرسة سياسته؟
هذا ما ستقرره نتائج الانتخابات التي ستُجرى غداً.
استطلاعات الرأي والنظام الرئاسي
تشير استطلاعات الرأي الى تصدر حزب «العدالة والتنمية» السباق الانتخابي مع تراجع نسبة اصواته بالقياس مع انتخابات عام 2011، والتي كان حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان حصل فيها على نحو خمسين في المئة من الأصوات. وفي انتخابات الغد من المتوقع أن تتراجع هذه النسبة بين تسعة وثلاثين وخمسة وأربعين في المئة، وهي النسبة نفسها التي حصل عليها الحزب في الانتخابات المحلية الاخيرة التي أجريت في 30 آذار من العام الماضي.
ترى هذه الاستطلاعات أن حزب «العدالة والتنمية» سيواجه صعوبات في تحقيق الغالبية التي يحتاجها خلال الانتخابات، وهو ما يدفع أردوغان إلى التعويل على الخطة البديلة المتمثلة في نظام حكم رئاسي كأمر واقع يقول المحللون إنه يحمل في طياته بذور عدم الاستقرار.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة «توداي زمان» التركية إن استطلاعات الرأي في تركيا، ووفقاً لمركز جيزيشي، فإن الغالبية الساحقة من الأتراك يعارضون النظام الرئاسي الذي يسعى إليه الرئيس رجب طيب أردوغان ويعمل على الترويج له، وتضيف الصحيفة أن النتائج كشفت عن أن 77 في المئة من الأتراك لا يوافقون على النظام الرئاسي المقترح، في حين أن 22.9 في المئة موافقون، حيث أجري الاستطلاع على 36 محافظة تركية وعلى 4860 شخص.
وكان استطلاع آخر أجرته «مؤسسة سونار لاستطلاعات الرأي»، أظهر أن حزب «العدالة والتنمية» قد يخسر الغالبية في البرلمان ما يجعله مضطراً إلى تشكيل حكومة ائتلافية. وبحسب هذا الاستطلاع، سيحظى الحزب بدعم 41 في المئة، بينما يحظى منافسه حزب الشعب الجمهوري بتأييد 26 في المئة، في حين جاء حزب الحركة القومية في المرتبة الثالثة إذ نال تأييد من 18 في المائة من عينة الاستطلاع.
ومن شأن نتيجة كهذه في الانتخابات أن تحرم الحزب الحاكم من غالبية برلمانية مريحة يحتاجها أردوغان لتمرير تعديلات دستورية جديدة.
وكي يستطيع حزب العدالة والتنمية تعديل الدستور من دون الحاجة إلى مساعدة من أي طرف آخر، يجب أن يحصل على أكثر من ثلثي أصوات البرلمان أي ما مجموعه 367 صوتاً بالتحديد من أصل 550، وهذا الخيار صعب المنال، لذلك فإن الخيار الثاني المُتاح على لائحة أهداف الحزب هو الحصول على 330 صوتاً، هذا الخيار يتيح للحزب طرح التعديل الدستوري على الاستفتاء العام، وإذا ما نال الغالبية حينها، يمكنه أيضاً أن يصل إلى النتيجة النهائية نفسها ألا وهي التحوّل إلى النظام الرئاسي.
لقد انتهج أردوغان أسلوباً في الزعامة يعمل على استبعاد الأتراك الذين يشككون في مثله الإسلامية المتحفظة، الأمر الذي يعني أن من المستبعد أن يقنع المعارضة العلمانية متمثلة في حزب الشعب الجمهوري أو القوميين متمثلين في حزب الحركة القومية بتأييد خططه في استفتاء شعبي.
الدين سلاحاً
يدرك أردوغان أن الانتخابات ليست معركة ترفع فيها المصاحف على أسنّة الرماح، وليست محاضرة دينية، إنها الانتخابات التركية، ولكن أحدث أساليبه لكسب التأييد التلويح بالمصحف ليظهر للناخب المسلم العادي أنه حامي الدين في الدولة العلمانية.
استخدم أردوغان خطاباً دينياً لإقناع المحافظين الدينيين بدعمه، متعهداً أن يظل صوت الأذان يتردد في تركيا إلى الأبد، مستشهداً ببعض آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة للدفاع عن تاريخ فتح القسطنطينية وما ارتكبه الأتراك من مجازر.
وفي خطاب ألقاه في إسطنبول إحياءً لذكرى «الفتح العثماني» عام 1453، الذي حول عاصمة «الإمبراطورية البيزنطية» إلى مقر لـ«السلطة العثمانية»، قال أردوغان «لن نفسح المجال لأولئك الذين يعترضون على الأذان»، مضيفاً، بل «لن نفسح المجال لأولئك الذين يريدون أن يطفئوا جذوة الفتح التي تشتعل في قلب إسطنبول منذ 562 سنة».
وحتى تشق الدولة الدينية التي يتطلع أردوغان لإقامتها واستعادة الخلافة العثمانية التي سقطت قبل تسعة وثمانين عاماً لا بد أن يتخلص «الخليفة» الجديد من كل رموز الدولة العلمانية التي بناها أتاتورك بعد سقوط الخلافة، ويمثل «مركز أتاتورك الثقافي» واحداً من هذه الرموز.
وفكرة عثمنة الدولة التركية هي شأنها شأن كل يوتوبيات وأساطير «العودة إلى الماضي» هي فكرة رجعية، إذ إن العودة إلى الماضي هي مستحيلة اللّهم إلا في الحكايات والأشعار والروايات والأفلام… والممارسات التي يسعى عبرها أردوغان لاستعادة الماضي هي أشد رجعية لأنه سيزيل من الوجود مركز أتاتورك الثقافي حتى يزيح هذا المعنى من أذهان الأتراك أي معنى فصل الدين عن الدولة والرؤية العلمانية كلها، ولكن هذه الرؤية تجذرت في عقول وقلوب الأتراك وممارساتهم ليصبح محوها مستحيلاً.
وإمعاناً في تكريس الخطاب الإسلامي، استحضر أردوغان، ذكرى الفتح العثماني للقسطنطينية عام 1453 ، متعهداً بأن «يظل صوت الأذان يتردد في البلاد إلى الأبد».
وخلافاً لدستور البلاد الذي يمنع رئيس الجمهورية من ممارسة السياسة الحزبية، قال أردوغان أمام أعداد غفيرة من مؤيديه في إسطنبول أول من أمس، إنه وحزبه لن يتراجعا «بوجه أولئك الذين يريدون إخماد شعلة الفتح المشتعلة في إسطنبول»، في إشارة إلى أحزاب المعارضة العلمانية. وتمنى الرئيس التركي «أن يكون يوم السابع من حزيران يوم الانتخابات يوم فتح هو الآخر».
يعمل أردوغان من خلال خطابه الديني هذا على إقناع المحافظين الدينيين، بما في ذلك الأكراد والقوميون المتدينون، ليكونوا عاملاً أساسياً وفيصلاً في الانتخابات البرلمانية التي يأمل مؤسس حزب العدالة والتنمية أن تمنحه صلاحيات رئاسية أقوى، وهذا ما يراه المعارضون تهديداً للديمقراطية.
وفي هذا الشأن، وفي مسعاه لكسب تأييد الأكراد المتدينين قاد أردوغان حملة تشكيك في مدى التزام حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بالدين، ووصف المنتمين للحزب بأنهم من أتباع «زرادشت»، وقال الرئيس التركي «أعتقد أن إخوانيّ الأكراد الورعين سيعطونهم الرد المناسب».
الأكراد يخوضون الانتخابات حزبياً
تتركز الأنظار غداً على حزب الشعوب الديمقراطي بقيادة صلاح الدين دمرطاش بوصفه الحصان الأسود في المعركة الانتخابية. الحزب الذي يعتبر الممثل السياسي للكرد، والواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني المصنف «إرهابياً»، يدخل غمار الانتخابات للمرة الأولى في تاريخه بقوائمه الحزبية، طامحاً في تجاوز عقبة العشرة في المئة ليتمكن من إدخال نوابه إلى البرلمان.
حتى وقت قريب، كانت عملية السلام بين «العمال الكردستاني» والحكومة التركية هي الحدث الرئيسي في السياسة الداخلية التركية. لكن على رغم محوريّتها، لم تحظَ القضية الكردية بالأهمية المتوقّعة لها، إذ لم يتم تسليط الضوء عليها بما يكفي في البرامج الانتخابية للأحزاب التركية الرئيسية الأربعة، بما فيها حزب «الشعوب الديمقراطي»، الكردي.
وعلى رغم معارضته طرح أردوغان الذي يتنكر فيه لوجود «قضية كردية» وجعلها «مشكلة كردية»، كإحدى مشاكل المجتمع التركي، يستمر «الشعوب الديمقراطي» في تبني أطروحات زعيم الحزب عبدالله أوجلان التي تجعل من القضية الكردية، أيضاً، مشكلة ثانوية لأزمة الديمقراطية في تركيا، فلا يتحدث الحزب الآن عن القضية الكردية بوصفها محورية أو بوصفه حزباً كردياً، بل بات «الشعوب الديمقراطي» يطرح نفسه حزباً تركياً يسارياً يتناول القضية الكردية، كإحدى المشكلات التي نتجت من انعدام الديمقراطية، كقضية العلويين وبقية الأقليات الأخرى.
أشار صوت الانتخابات التي أجريت في الخارج إلى احتلال حزب الشعوب الديمقراطي المرتبة الثانية بعد «العدالة والتنمية» في القدرة على الحشد في أوروبا عددهم مليونان و876 ألفاً و658 ناخباً ، وذلك بسبب قاعدته الكردية القوية والمنظمة والمنتشرة في معظم الدول الأوروبية، بسبب موجات اللجوء الكردي التي سبّبها القمع ومن ثم الصراع العسكري الذي اندلع بين أنقرة والعمال الكردستاني في الثمانينات، الأمر الذي يؤكده الأستاذ المساعد في العلوم السياسية الدكتور إمرة أردوغان: «قد يستطيع الشعوب الديمقراطي تحقيق بعض النجاحات في الدول التي تحتوي على جالية كردية تركية كبيرة، مثل الدول الاسكندنافية كالسويد والنروج والدنمارك، وأيضاً في ألمانيا بسبب كثافة الجالية الكردية والعلوية هناك، لكن من غير المرجح أن يستطيع الحزب جذب الأتراك السنّة الذين يشكلون غالبية الجالية، لأنّ ما يطرحه من قضايا لا تبدو أنّها تعني الجيل الأول والثاني من أبناء العمال المهاجرين الذين يعانون من أزمات هوية يلبيها طرح اليمين التركي في شكل أكبر».
ان استطلاعات الرأي، تشير عموماً، إلى أن الحزب الكردي يمشي على حد السيف، بحيث أن أصواتاً قليلة قد ترفع النسبة فوق الحد المطلوب أو تهبط به تحته، فتحدد مصير الحزب للسنوات الأربع المقبلة، ومعه مصير المشهد السياسي العام في البلاد، إنها من سخريات الأقدار أن أردوغان كان يطمح أساساً إلى الحصول على موافقة نواب الحزب الكردي في التصويت على تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي، بما أن خصميه اللدودين في البرلمان الشعب الجمهوري والحركة القومية لن يمنحاه المباركة المطلوبة.
كانت الصفقة الأردوغانية المفترضة قائمة على تقديم تنازلات جوهرية إلى الطرف الكردي في مسار الحل السلمي للقضية الكردية، في مقابل موافقة الحزب الكردي على التغيير إلى نظام رئاسي. لكن معركة كوباني أيلول 2014 كانون الثاني 2015 قطعت شعرة معاوية بين الطرفين، بفعل موقفيهما المتعارضين من حصار كوباني من قبل مقاتلي «داعش». وكان طرد هؤلاء من البلدة الكردية السورية المنكوبة، بمثابة نصر للحزب الكردي التركي في صراعه الداخلي ضد الحكومة والرئيس أردوغان.
كاريزما دمرطاش
يعتبر قرار حزب الشعوب الديمقراطي الكردي دخول الانتخابات البرلمانية في شكل حزبي – خلافاً للانتخابات السابقة التي كان يخوضها نوابه في شكل مستقل ومن ثم يكونون كتلتهم الانتخابية تحت قبة البرلمان – قراراً مؤثراً على مسار الانتخابات البرلمانية وذلك لسببين، أولهما إيجاد خيار جديد للمواطن الكردي خصوصاً والتركي في شكل أعم – يمتلك أجندة مختلفة عن بقية الأحزاب السياسية، قد يكون قادراً على جذب أصوات الناخبين من الأحزاب الأخرى ورفع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، وثانيهما أن إمكانية حزب الشعوب الديمقراطي تجاوز عتبة العشرة في المئة، قد يكون كفيلاً بخفض عدد المقاعد التي يحصل عليها حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية، على رغم أن هناك احتمالية عكسية، فإذا لم يستطع حزب الشعوب الديمقراطي تجاوز عتبة العشرة في المئة، فإن نسبة المقاعد التي كانت ستحسب لحزب الشعوب الديمقراطي ستوزع على الأحزاب الأخرى، وخصوصاً حزب «العدالة والتنمية» الذي سيحصل على النسبة الأكبر منها.
قالت صحيفة «حرييت» التركية، إن صلاح الدين دمرطاش الرئيس المشارك لحزب الديمقراطية الكردية، أوضح أنه معارض للنظام الرئاسي الذي يسعى إليه الرئيس أردوغان بعد أن أصبح رئيساً للبلاد منذ آب الماضي، حيث أشار: «أنا لست طرفاً في المساوة حول مبادئنا، ولكن لا يمكن تجاهل أخطاء حزب العدالة والتنمية الحاكم من أجل الحوار الكردي، ونظام الحكم في البلاد».
وتظهر استطلاعات الرأي أن الحزب عند نقطة فاصلة ويتوقع عدد منها أن يسيطر على ما يكفي من المقاعد لحرمان حزب العدالة والتنمية الحاكم من الحصول على غالبية مما يحطم حلم الرئيس «الإخواني» في اقرار دستور جديد يخوّله صلاحيات موسعة.
ويدعو حزب الشعوب الديمقراطي الذي يقوده دمرطاش صاحب الجاذبية الشعبية إلى برنامج تقدمي يتبنى حقوقاً متساوية للمرأة وحماية البيئة واحترام المثليين. وقال دمرطاش في مقابلة «سنحصل على أصوات من الأكراد مثلما سنحصل على أصوات من باقي قطاعات المجتمع». وأضاف: «نحن الحزب الوحيد الذي يفتح ذراعيه للجميع… الذي يعكس تعددية تركيا».
وتمثل هذه التصريحات التي لا تقصي أحداً تحولاً حاداً في الهوية السياسية الكردية في حين تخرج البلاد من عقود من الصراع كما يقول عادل جور الذي يدير مؤسسة إيه آند جي البحثية. وتظهر استطلاعات المؤسسة أن الحزب سيتجاوز الحد اللازم لدخول البرلمان.
وقال جور إن الأكراد يمثلون 90 في المئة من ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي.
وإذا لم يحقق الحزب الحد اللازم فستذهب كل مقاعده تقريباً إلى حزب العدالة والتنمية حسب نظام التمثيل النسبي في تركيا مما يتيح للحزب الحاكم تغيير الدستور وتعزيز سلطات اردوغان من دون معارضة.
ووسع الحزب قاعدة مؤيديه من خلال التأكيد على حقوق العمال والمرأة والأقليات، كما أصبح دمرطاش محط إعجاب الأتاتوركيين والمعتصمين في حديقة جيزى في 2013 بعدما قال في البرلمان «لن نسمح لك أردوغان أبداً بأن توسع سلطاتك التنفيذية».
مآلات المرحلة المقبلة
في انتظار مآلات المرحلة المقبلة ستبقى تركيا تعيش تناقضاتها الحادة، فهي تريد مواكبة العصر الحديث واللحاق بالركب الأوروبي المتحضر بوسائل منقرضة وأفكار متخلفة. وتحارب الشعوب المتطلعة للحرية بأسلحة حديثة كما يُستعمل السيف المتخلف عند الذبح. هي تسعى للحاق بالإتحاد الأوروبي المتحضر من طريق العمامة العثمانية ودولة الخلافة الإسلامية، ولا يوجد جامع يجمع بين الفكرتين.
لقد أمحت تركيا أردوغان وبطانته الكثير من المفاهيم والصروح التي شيدتها الجمهورية الحديثة بقيادة كمال أتاتورك.
بهذا الشكل أو ذاك تنسج تركيا اليوم الحبال حول نفسها كما شبكة العنكبوت وستلتف عليها خيوط هذه الشبكة كلما سقطت الأقنعة والرياء أمام الشعب عن الوجوه الحقيقة لقادتهم.
آخر «الخوازيق» الأوروبية
لم يعد لتركيا ما تخفيه خلف أقنعتها الأناضولية المُستَهلَكة، خصوصاً بعدما فشلت محاولاتها الحثيثة للجلوس على طاولة أقطار الاتحاد الأوروبي. ثم جاء المد الأردوغاني ليدق آخر «الخوازيق» في جدران العلاقات الأوروبية، ويُغرق سفنه الدبلوماسية التي حاولت عبور مضيق البوسفور نحو الضفة الغربية لإسطنبول. الأمر الذي اضطرها إلى إحياء أحلامها التوسعية بالعودة إلى ولايات الإمبراطورية العثمانية. فركبت بغال التطرف الديني لإشعال فتيل الأزمات مدفوعة الثمن. وكانت هي اللاعب الأكثر خُبثاً في تأجيج الفوضى الأمنية والسياسية في عواصم الجمهوريات العربية، بينما بقيت العواصم العربية الملكية والأميرية بمنأى عن الخراب والدمار.
وفي انتظار وضوح المرحلة المقبلة عما إذا كانت ستقود إلى قيام حكم رئاسي في تركيا أو تبقى ضمن النظام البرلماني، سيمضي أردوغان في إحكام قبضته على مفاصل الدولة، وانتزاع كل الامتيازات السابقة من حليفه القديم وعدوّه اللدود حالياً، الداعية الإسلامي فتح الله غولن.
وفي وقتٍ افتتح أردوغان أول فرع لبنك حكومي إسلامي في تاريخ البلاد في مدينة إسطنبول، مطبقاً بذلك خطة توسيع دور التمويل الإسلامي في تركيا، وضع «صندوق التأمين وضمان الودائع» الحكومي التركي يده بصورةٍ كاملة على «بنك آسيا»، وهو أكبر البنوك الإسلامية في البلاد، والمعروف بقربه من جماعة غولن.
وفي افتتاح البنك الإسلامي في إسطنبول، قال أردوغان، إن ما حصل «خطوة تاريخية»، داعياً سائر البنوك المملوكة للحكومة إلى السير على خطى بنك الزراعة.