«التحريفيون الإيرانيون» ممنوعون من الصرف…!
محمد صادق الحسيني
في إشارة صريحة هي الأولى من نوعها منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 حذر الرجل الأول في إيران الإمام السيد علي خامنئي من خطر ظهور وتبلور ظاهرة «التحريفية الإيرانية» إذا ما استحضرنا تاريخ الاتحاد السوفياتي السابق والتحريفية السوفياتية، مع الفارق البتة.
هي النقطة الأهم والأبرز بلا شك أو ترديد، فيما ورد في خطابه بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لرحيل مؤسس الثورة الإسلامية وقائدها الأول الإمام روح الله الموسوي الخميني، والتي ينبغي التوقف عندها طويلاً من الآن فصاعداً.
«لقد ظل الإمام الراحل حتى اللحظة الأخيرة من حياته يعتبر أميركا هي الشيطان الأكبر… ومعلوم عندما يكون طرفك المقابل شيطاناً كيف يجب عليك التعاطي معه».
قد تكون هذه العبارة هي الأهم سياسياً في ما ورد من أدبيات في خطاب الرجل الأول في إيران، وهو يقرأ على كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في بلاده صورة مجملة عن تقديره للموقف السياسي في ظل الظروف الإقليمية والدولية العاصفة.
خامنئي الذي بدا عليه اختياره الدقيق لكل كلمة كان يقولها والتي كان يعود فيها إلى نصوص للإمام المؤسس في ما ذهب إليه، وتوصيته لمن يريد أن يدلي بدلوه بالعودة إلى أدبيات الفقيد الراحل، عرض بالشرح والتفصيل لسبع نقاط أساسية اعتبرها بمثابة نماذج أساسية لنقاط الانعطاف والفصل بين من يريد المضي على طريق الثورة أو من يخطط للمسيرة التحريفية، ألا وهي: 1 – إتباع الإسلام المحمدي الأصيل بدلاً من الإسلام الأميركي بشقيه الليبرالي الغربي أو المتحجر المروج له من قبل فقهاء السلاطين، واللذين اعتبرهما وجهين لعملة واحدة تنتعشان تحت الخيمة الأميركية.
2 – اعتماد مقولة التوكل على الله واعتماد الوعد الصادق له وعدم الاتكاء أو الثقة أو حسن الظن بالقوى الغربية أو المهيمنة ومنها أميركا. معتبراً الظانين بالله ظن السوء ملعونين. مذكراً بوعود ريغان وآخرين لإيران… بمليارات من الدولارات وإغراءات كثيرة لم يعر لها الإمام الراحل أي اهتمام.
3 – اعتماد مقولة الثقة بالناس وإرادتهم وقوتهم… ومخالفته لأسلوب تركيز القوة بيد الحكومة أو السلطة، مطالباً المسؤولين بحسن الظن بالناس وخياراتهم.
مذكراً بالسنوات العشر من حكم الإمام المؤسس بينها 8 سنوات من الحرب العالمية المفتوحة على البلاد والتي لم تدفعه لا إلى إعلان حالة الطوارئ ولا تعطيل الانتخابات ولو لمرة واحدة، بل ولا تأجيل مواعيدها ولا ليوم واحد.
ما يعني ضرورة احترام القيادة لخيارات الناس وانتخابهم، واعتبارهم ولي نعمة المسؤولين وليس مجرد رعايا مذكراً بقول القائد المؤسس بأنه كان يفضل ويتمنى أن يخاطب بخادم الناس وليس زعيمهم.
4 – اعتماد مقولة الميل والاهتمام بالعامة من الناس واتخاذ الموقف لمصلحة المحرومين والفقراء من العامة، ومكافحة ظاهرة المترفين وأرباب الثروة ومحاربة مقولة انعدام المساواة في النظرة إلى الناس، والابتعاد عنهم من خلال العيش في القصور، «وسكنتم مساكن الذين ظلموا».
بالتالي، مقابل ذلك حسن الظن بالطبقات الفقيرة والمحرومة والاتكال على سكان الأكواخ، واعتبارها هي الطبقات الوفية لمبادئ الثورة، وأن الاهتمام بها هو الضمانة لقيام العدل والقسط بين الناس.
5 – اعتماد مقولة الوقوف بصراحة ضد المهيمنين الأجانب وعدم الوقوف موقف الحياد منهم بقوة ناهيك عن الركون إليهم… نعم ضد المستكبرين ومع المستضعفين من دون أي مجاملة. وعدم التصالح مع أي أحد منهم أياً كانوا… ومقارعة الاستكبار والشيطان الأكبر… وهو ما يعني الكثير الكثير. أي عدم الاستسلام لأميركا أو التصالح معها… ومواجهتها في كل الميادين. فأميركا هي من أسست لحكم الشاه ودعمت سلطته الشاهنشاهية. وبقايا وورثة أميركا هم من ظلوا يسعون حثيثاً لإعادة أميركا ونفوذها مجدداً إلى الداخل الإيراني.
لذلك كانت فلسطين قضيتنا الأولى بعد الانتصار والتي يجب أن تظل كذلك إلى الأبد ولا يحق لأحد إخراجها من أجندتنا مطلقاً.
«داعش» و«أف بي آي» وجهان لعملة واحدة. ولذلك كنا ولا نزال ضد حصار غزة كما ضد العدوان على اليمن والبحرين وأفغانستان والباكستان ووو.. ضد الظالم مع المظلوم… حتى لو لم يقم البعض من أهل الداخل الفلسطيني مثلاً بوظيفته كما يجب.
6 – اعتماد مقولة الاستقلال ورفض التبعية للخارج بأي شكل من الإشكال ذلك لأن استقلال القرار السيادي يساوي حرية الأمة والشعب والوطن والدولة الوطنية.
7 – اعتماد مبدأ الدفاع عن الوحدة الوطنية بقوة وثبات، ورفض التفرقة والتشتت والشقاق والانقسام.
اليوم الأميركيون يراهنون على هذا الموضوع، وعلى كل المستويات، إحداث الشقاق بين السنة والشيعة، وشق صفوف الشعب من خلال تحريك الاثنيات والأعراق و…
وهو ما وكلوا للقيام به خدمهم من الدرجة الثانية من قوى الرجعية في المنطقة، الذين منهم من يتحدث عن الهلال الشيعي، ومنهم من يدعم التكفيريين وفقهاء السلاطين من أتباع واشنطن أو لندن أو غيرها من عواصم الغرب الهيمني المستكبر.
خامنئي الذي أجمل مصاديق التحرر من أخطار «التحريفية الإيرانية» و«التحريفيين الإيرانيين» من خلال اللجوء إلى المبادئ الثورية الخمينية الآنفة الذكر كان حازماً وجازماً في الختام بأنه ومعه الشعب الإيراني لديهم المناعة الكافية تجاه مثل هذا الخطر، لكنه لم ينس أن ينبه مع ذلك بقوة إلى وجود البعض ممن لا تزال تراوده نفسه بتحريف شخصية الإمام الراحل ومدرسته الفكرية والسياسية، مما دفعه لإعادة التأكيد مجدداً على خطر هؤلاء بالقول:
لن نسمح لأحد اللعب في مربع العدو من خلال تحريف هذه المدرسة الثورية، كما نؤكد لكل من يهمه الأمر بأننا نعرف تماماً بأن التسنن الأميركي والتشيع اللندني هما وجهان لعملة واحدة وكلاهما أولاد الشيطان الأكبر.
وأن «داعش» و«القاعدة» وأخواتها كلهم من جنس الشيطان ولعبته القذرة. وأن العدو يريد العودة إلى التسلط على بلدنا، ومنعنا من دعم وإسناد حركات التحرر في فلسطين ولبنان وسائر المستضعفين، وهذا ما لن يكون لهم بتاتاً بإذن الله.
ولما كان العدو يضيف خامنئي: يعرف أن الدين والشعب وبخاصة المقاومين لنفوذه هم أعداؤه الحقيقيون لذلك لا يريد لمدرسة ومنظومة الإمام الفكرية والسياسية والاجتماعية أن تظهر على حقيقتها وتبقى صافية نقية كما هي لأنها الجامع الحقيقي الفذ لمقولة الدين الثائر والشعب العقائدي.
وعليه فإن العدو سيظل يحاول ومن خلال التحريفيين هؤلاء التسلل إلى داخلنا ليشوه ويمسخ صورة المدرسة الخمينية الناصعة وإبدالها بإسلام وخميني لا هوية ولا طعم ولا رائحة له!.
إسلام وخميني لا مبال لما يحصل من ظلم وإجحاف بحق الناس والشعوب والأمم المختلفة!.
إسلام وخميني متصالح مع الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر!.
وهذا ما لن يسمح به شعب إيران العظيم ولا تلامذة الإمام الحقيقيين وأنصاره المكافحين بإذن الله، ولن يمر مثل هذا المشروع إلا على أجسادنا… كما فهم من خطابه… لذلك ختمه بالقول: اللهم أرزقنا موتة الشهداء.
إنها المعركة الجديدة المرتقبة بين الثوريين والثابتين الأشداء من أعداء أميركا والاستكبار العالمي، من أتباع الإمام الخميني وفي مقدمهم الإمام السيد علي خامنئي وأطياف واسعة من الشعب الإيراني ومعه قوات الجيش والحرس الثوري والتعبئة كما يعتقد المراقبون المطلعون وبين من سيحاولون إظهار أنفسهم بأنهم الأقربون دون غيرهم لمدرسة الإمام المؤسس ونهجه أو المتسللون إلى جسم الثورة والدولة الوطنية ممن أطلقوا على أنفسهم بالإصلاحيين، ودائماً باسم الدين والإمام الخميني، لكنهما سيبحثان باستمرار عن تأويل أو تفسير أو تعديل في مدرسة الراحل بما يفتح الباب لمصالحة ما مع الشيطان الأكبر بحجة وذريعة تحول الظروف وتغيرها وتطور الحاجات البراغماتية لأجل استمرار بقاء الدولة.
وساحة الاختبار لهذا السجال والنزال ستشمل كل الملفات وربما ملف التفاوض مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً سيظهر بمثابة المكان الأبرز كما يعتقد متابعون.