هل خطر تقسيم سورية قائم؟
حميدي العبدالله
تزايد الحديث في الآونة الأخيرة، بعد سيطرة «داعش» على مدينة تدمر وسيطرة «النصرة» على إدلب وجسر الشغور وأريحا، عن تقسيم سورية، ونشرت مقالات عديدة في الصحف العربية والصحف الغربية تتحدّث عن هذا التقسيم.
لا شك أنّ رغبة الدول التي تشارك في الحرب على سورية، سواء الدول الغربية أو دول المنطقة في تقسيم سورية هي رغبة قائمة، لا سيما إذا عجزت عن الاستيلاء عليها لمصلحة التحالف الغربي.
لكن ثمة فارقاً بين الرغبة في التقسيم والقدرة على تنفيذه.
اليوم أطراف الصراع الرئيسية داخل سورية تتوزع إلى ثلاثة أطراف، وهي التي تسيطر على الجغرافية السورية، الطرف الأول والأساسي، حيث يتواجد أكثر من 70 في المئة من سكان سورية، هو الدولة السورية. الطرف الثاني، تنظيم «داعش» الذي يسيطر على محافظة الرقة، وعلى أجزاء واسعة من محافظة دير الزور وجيوب من ريفي حلب والحسكة. الطرف الثالث «جبهة النصرة» التي تسيطر على غالبية إدلب، ولها جيوب في محافظتي درعا والقنيطرة.
الدولة السورية من جهتها تتمسك بوحدة الأراضي السورية من القامشلي في أقصى الشرق إلى درعا في أقصى الغرب، وهي تعمل بكلّ جهدها من أجل القضاء على «داعش» و«النصرة»، وإعادة المناطق التي تحت سيطرتهما إلى كنف الدولة السورية، وبهذا المعنى فإنّ سلوك سورية الدولة هو سلوك مقاوم بحزم لأيّ محاولة لتقسيم سورية، حتى ولو أدّى ذلك إلى سقوط عشرات آلاف الشهداء، وهذا هو الذي يفسّر انتشار الجيش السوري على كامل الجغرافية السورية، على الرغم من الكلفة الباهظة لهذا الانتشار، والعامل الأساسي والوحيد الذي دفع الدولة السورية إلى اعتماد هذه الاستراتيجية المكلفة هو الحفاظ على وحدة سورية.
تنظيم «داعش» بدوره يتطلع ليس إلى السيطرة على منطقة واحدة في سورية، بل يسعى إلى السيطرة على كلّ أنحاء سورية إذا قيّض له ذلك، وهو شنّ الهجوم على تدمر، وشنّ الهجوم على مواقع مسلحي «الجبهة الشامية» في ريف حلب الشمالي من أجل الوصول إلى هذه الغاية.
«جبهة النصرة» بدورها تسعى إلى السيطرة على كلّ أنحاء سورية، سواء المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، أو المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش».
في ضوء هذا الواقع يمكن الاستنتاج أنّ الصراع مستمرّ في سورية بين الأطراف الثلاثة، ولكن لا يمكن الاستنتاج أنّ سورية باتت مقسّمة بين هذه الأطراف الثلاثة.
بمعنى آخر أنّ مسار هذا الصراع سيفضي في النهاية إلى سيطرة واحد من الأطراف الثلاث على كلّ أنحاء سورية آجلاً أو عاجلاً، والتالي فإنّ تقسيم سورية أمر غير قائم، وجلّ ما هو موجود الآن سيطرة جماعات إرهابية، لا سيما بالقرب من الحدود التركية في محافظة إدلب وجزء من ريف حلب، وبالقرب من الحدود الأردنية، وبعض البلدات في ريفي القنيطرة ودرعا، وفي محافظة الرقة، وهذا حتى الآن وضع يشبه الوضع القائم في باكستان في كوتيا ومنطقة القبائل، ومثل الوضع القائم في تركيا في المنطقة الشرقية الجنوبية، حيث الأغلبية الكردية، فهل باكستان وتركيا مقسّمتان؟