القوة الضاربة والنواة الصلبة للدولة السورية
جمال رابعة
في الأسبوع الفائت تم رفع السرية عن معلومات لجهة تشكيل «دولة داعش» عبر منظمة جوديشيال ووتش الحقوقية الأميركية تبيّن فيه الدور الأميركي الكبير في قيام ونشأة هذه الجماعة الإرهابية، إذ تمّ فيه الإفراج عن هذه الوثائق التابعة لوزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين من خلال أمر قضائي، وأهمّ ما تحويه هذه الوثائق بين طياتها أنّ واشنطن كانت على علم بتأسيس تنظيم باسم «داعش» ويهدف لتأسيس إمارة له في شرق سورية وغرب العراق وبدعم ومباركة أميركية، وفي تصريح صحافي لكولن باول وزير الخارجية الأميركي الأسبق لقناة «فوكس» الأميركية بقوله عن آل سعود أننا أخطأنا في رهاننا على جيش ضعيف ووزير دفاع ليس له فكرة عن كلمة حرب. وأردف قائلاً: نصحت أصدقاءنا السعوديين بالكف عن المهاترات لأنهم مكشوفون من قبل إيران وأن أي حرب مع إيران معناها عودة السعودية إلى ما قبل العصر الصناعي خلال ساعات. وفي كتاب بعنوان نظام العالم للسياسي المخضرم هنري كيسنجر ثعلب السياسة الخارجية الأميركية ومستشار سابق للأمن القومي يعترف فيه كيسنجر بقوله: لقد أخطانا في سورية، وعليه فإنّ الاعتراف بخطأ الإدارة الأميركية بالتعامل مع كلّ ما جرى في سورية فيه الكثير من المعطيات.
من خلال ما تقدم أستطيع القول إن ما يحكم سياسة الإدارة الأميركية هي سياسة المصالح والاستثمار وتعتمد على وجود عدة خطط بديلة تصب في تحقيق الهدف الاستراتيجي لمصالحها وحماية الكيان الصهيوني فكان لا بد وفق رؤية المحور الصهيو – أميركي والخليجي مباركة تأسيس دولة في غرب العراق وشرق سورية ترتكز على أسس طائفية تمهد لتأسيس دول أخرى بذات الأهداف يتم من خلالها شرعنة قيام الدولة اليهودية في فلسطين المحتلة ووضع المنطقة تحت ظل صراعات دموية تدوم أكثر من مائة عام على أساس الطائفية الإقليمية التي تعزز من وجود «داعش» والتعبئة الاجتماعية في الوطن العربي ضد الدولة السورية وإيران، إذ أعطي «داعش» و«القاعدة» حرية التصرف وأصبحت مواجهة الدولة السورية وإيران أولوية على مواجهة «داعش» بالنسبة لكثير من الأنظمة العربية على رأسهم آل سعود وآل ثاني في قطر. وتالياً من أجل تحقيق الأهداف بضرب محور المقاومة الذي يمتد من لبنان عبر سورية فالعراق وصولاً إلى إيران.
الهدف الآخر اقتصادي وهو قطع طريق الحرير الحيوي ذي الأهمية الاقتصادية للمارد الصيني ودول المنطقة وبما يحقق من عوامل نمو اقتصادي للصين والمنطقة في حال إعادة الحياة لهذا الطريق وفق الاستثمارات الطموحة كنقل الطاقة وسكة الحديد التي تربط بين المتوسط والصين. لكن كل ذلك مرهون بعدم توقيع الاتفاق النووي الإيراني. هذه استراتيجيتهم في حال عدم توقيع الاتفاق النووي الإيراني، لكن ما شهدناه من توقيع الاتفاق الإطاري، وباعتقادي أن هذا الاتفاق ناجز بنهاية شهر حزيران. وفي هذا السياق يمكن فهم خروج مجمل تلك التصريحات في مقدمها باول وكيسنجر التي تشير إلى أخطاء الإدارة الأميركية في سورية والتصريحات المتكررة من القادة الأوربيين والأميركان عن مسؤولية دول كتركيا والسعودية وقطر والإمارات بدعم وتمويل العصابات التكفيرية كـ»داعش» و«النصرة» وأخواتهما هو دليل وشاهد على أن هناك تبدلاً في استراتيجيات الأميركي وخططه البديلة في حال وقع الاتفاق النهائي مع إيران والاعتراف بها كدولة نووية وببرنامجها النووي ذي الأغراض السلمية، وحتى يتم ذلك لا بد من القضاء على هذه الدولة الوهمية ومحوها من خريطة عقول الواهمين ريثما تقوم الإدارة الأميركية باختيار المكان المناسب لتلك القطعان من الذئاب البشرية كـ»داعش» وأخواتها في مناطق أخرى من العالم، إذ تقوم أميركا وربيبها الكيان الصهيوني والغرب الأطلسي بتلميع «جبهة النصرة» بغطاء جديد تحت مسمى «جيش الفتح» وما تعنيه هذه الكلمة من دلالة تاريخية لذاك المحتل العثماني الطوراني التي يمكن وضعها في سياق استراتيجية الخطط البديلة من قبل إدارة أوباما ووراءه الحلف الصهيو خليجي لجهة الاستمرار باستنزاف مقدرات وإمكانات حلف المقاومة وعموده الفقري الدولة السورية بمكوناته العسكرية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما شهدناه في التطورات الميدانية الأخيرة في إدلب وجسر الشغور وتدمر.
في الختام أقول: إن إدارة أوباما تنوي الانسحاب من الشرق الأوسط بحسب المعلومات التي أوردها مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية السوري لجهة أن أميركا بدأت نقل مقر قيادتها الاستراتيجية من البحرين إلى أستراليا في محاولة لوضع إمكاناتها في مواجهة المارد الصيني إذ أن هناك طاقات اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط كبيرة للاستثمار ولا يمكن أن يتم ذلك من دون أجواء استقرار في المنطقة، ومن هنا نفهم الدور الإيراني ما بعد التوقيع على الاتفاق حيث يعتبر الرد الحقيقي على تصعيد «داعش» والمتطرفين المدعومين سعودياً وبعقد اتفاق كهذا مع إيران ووجود روسيا كلاعب دولي عنيد يستطيع الوقوف بقوة إلى جانب الدولة السورية، وعليه فإن الدولة السورية لم تستخدم حتى هذا التاريخ قوتها الضاربة بما تملكه من نواة صلبة جوهرها التلازم المتين في ثنائية الجيش والشعب والحضور الاستراتيجي في البعدين الإقليمي والدولي، الذي يعتبر عامل أمان واستقرار وانتصار للدولة السورية.
عضو مجلس الشعب السوري