مقاتلو حزب الله: معركة كاملة وحقيقية
روزانا رمّال
يبرز مقاتلو حزب الله اليوم على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية بشكل يلفت الأنظار منذ أن شاركوا في المعارك السورية التي اندلعت في مناطق ومحافظات عدة، فرسمت علامات استفهام في البداية، ما لبثت أن أجابت قدرات الحزب عنها بالعرض والنتائج الحسية الملموسة ليرسم أسئلة من نوع آخر عن أسرار هذا القتال وأساليبه.
بشكل لافت ومتسارع يتقدم اليوم حزب الله في جرود عرسال اللبنانية التي يخوض معاركها من دون النظر إلى الداخل اللبناني، في إطار قد يلهيه عن الاستراتيجية الحاسمة التي قرر أن يتبعها في مواجهته مع الإرهاب. حزب الله أوضح في ما يخصّ الدخول إلى عرسال البلدة أكثر من مرة آخرها على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله أنّ ذلك من واجب الدولة والجيش اللبناني، لكنّ مصادر مطلعة أكدت لـ«البناء» أنه لا يمكن النظر إلى معارك عرسال المتشابكة والمرتبطة المنافذ بالجرود والحدود كمعركة عادية يمكن للجيش وحده أن يخوضها من دون تنسيق مع القوى الأخرى الموجودة في الجوار، وبينها أساساً حزب الله، والتي قد تتطلب على الأرض مستجدات تستدعي تدخل حزب الله ولو بطرق محدّدة».
هذا التقدّم ليس محصوراً بعرسال أو بجرودها أو بالقصيْر، إنما يتوزع على مجمل المناطق ارتضى حزب الله القتال فيها منذ قرّر دخول المعارك على خط الأزمة السورية حتى وصل مقاتلوه إلى العراق وكلّ هذا مدعوماً دائماً بكلام من السيد نصرالله يؤكد فيه جاهزية حزب الله التامة والكاملة على الحدود الجنوبية، بمعنى أنّ عين حزب الله في الجوار لم تؤثر على جهوزيته لقتال «إسرائيل» لا بل شنّ عمليات حدودية أبرزها عملية مزارع شبعا الأخيرة والتي لم يكتف بشنها فقط كردّ على استهداف موكب له في القنيطرة السورية، إنما استطاع رسم معادلة جديدة تحمي مقاتليه في عز أزمات الجوار.
يجيد مقاتلو حزب الله انتهاج خطى والامتثال إلى دروس قادته الكبار ومسيراتهم كالشهيد السيد عباس الموسوي، ويعرفون جيداً كيف يترجمون وصاياهم، وقد قال السيد الموسوي يوماً ما لهم: «عندما نخوض حربنا سننتصر، أما إذا تخلينا عن بعض الساحات لمصلحة ساحات أخرى فإنّ الله سيرفض حتى النظر إلينا من الثقافة إلى العسكر وعندما تصبح معركتنا شاملة ومتسعة تصبح معركة كاملة وحقيقية».
معركة كاملة وحقيقية يخوضها حزب الله من لبنان إلى سورية والعراق فاليمن سياسياً وعسكرياً ولوجستياً، حتى بات مقاتل واحد من حزب الله هو عمل ودرس وبحث كامل تتطرّق إليه كبرى مراكز الأبحاث العسكرية الدولية نفسياً ولوجستياً وقدرة وطبيعة حياة.
سقط منذ زمن اعتبار حزب الله حزباً، فهو لم يعد مجموعة قتالية تحتمل القول فيها فصيل أو فريق أو الفصل فيه بين أعضاء ومؤيدين، لأنّ مؤيدي هذا الحزب هم الاحتياط العسكري فيه إذا صحّ التعبير عند الحاجة، وقد أثبتت الأزمة السورية اندفاعة غير مسبوقة من الناس للقتال في صفوفه، عكس ما كان متوقعاً أن تفرز الأزمة السورية انقساماً في الموقف داخل قاعدته الشعبية على اعتبار أنها أزمة طالت، وأن ليس للبنانيين علاقة بها.
يروي أحد الراغبين بالقتال في سورية لـ«البناء» المعاناة والصعوبة التي واجهها لأخذ إذن أو تصريح من المكتب المكلف دراسة وضع الراغبين بالمشاركة في القتال أو التطوّع للتدرّب والانضمام إلى صفوف المقاتلين بعد الحصول على الموافقة. ويقول: «الأمر صعب جداً وقد ظننت أنّ قبولي سيكون سهلاً وسيتمّ تخطي فكرة أنني شاب وحيد في العائلة بين والدتي وأخواتي فيتمّ قبولي وأحقق حلمي بالقتال إلى جانبهم إلا أنني للأسف لم أوفق على الإطلاق».
سابع قوة قتالية في العالم حسب بني غانتس رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» السابق، بعد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين و«إسرائيل» هو حزب الله. قالها غانتس في أحد مؤتمرات هرتزليا وأكد حينها أنّ خطر مقاتلي حزب الله على الحدود لن يختفي وعلى «إسرائيل» القلق من المواجهة مع حزب الله لأنّ القتال في سورية أكسبه قوة كبيرة ستعود بأضرار لوقت من الزمن حال المواجهة. حزب الله قوة عسكرية هائلة ولديه صواريخ تستطيع أن تغطي كلّ مساحة «إسرائيل».
تتعاطى «إسرائيل» كما العالم اليوم والجوار الإقليمي مع مقاتل حزب الله على أنه واحد من كل أي واحد من أصل جيش منظم مدرب خرج من منظومة الأحزاب منذ زمن بعيد، و«إسرائيل» بترتيبها إياه كسابع قوة في العالم أدرجته بطريقة غير مباشرة بين الجيوش، وقصدت من خلال ذلك إيصال رسالة إلى من ينظر إلى فشلها في مواجهاتها معه أنّ عدوها ليس سهلاً وأنه جيش قوي والحرب معه مقلقة ومكلفة ولتسقطوا التساؤلات.
لوقت طويل سيبقى النظر إلى أي مقاتل من مقاتلي حزب الله كحالة في حدّ ذاتها تحتاج إلى دراسة ومتابعة تحكي كيفية تحويل القناعة والثبات إلى نوع جديد من الأسلحة.