ديمقراطية الإقطاع
وليد زيتوني
الديمقراطية عندنا مزدهرة. نحن فعلاً في جنة الديمقراطية.
في بستاننا السياسي، تزهر الديمقراطية وتثمر. تعطينا نماذج جديدة. نحن متقدّمون في هذا المجال، هجّنا زراعتنا. أنتجنا ديمقراطية توافقية، ديمقراطية طائفية، والآن طوّرنا ما يمكن تسميته بديمقراطية الإقطاع. بل هناك سباق محموم بين العائلات الإقطاعية لتقديم منتجاتها الأكثر نضارة، والأشدّ يناعة، والألمع حضوراً وقبولاً.
مشكور هذا الإقطاع، لم يترك لنا مجالاً للتفكير أو الخيار. هو يفكر بدلاً منا ويختار بدلاً منا، وكان سابقاً يتعلّم منا. لم يتعبنا بأيّ عمل. فقط علينا وضع ورقة نعم، نعم، للآتي الجديد، للزعيم الجديد، للقائد الجديد.
نحن فعلاً في جنة الديمقراطية. الموروث العثملي ما زال موجوداً، والموروث الفرنسي ما زال موجوداً، والإنكليزي ما زال موجوداً. غير أنّ جميعهم بثوب الكاوبوي الأميركي.
نحن فعلاً في جنة الديمقراطية. فرئيس الجمهورية جنسيته فرنسي، ورئيس الوزراء جنسيته سعودي، وبقية الجنسيات تتقاسم بقية المناصب. أما الانتساب للماسونية فحدّث ولا حرج، تكاد هذه المنظمة تعطي الجميع جنسيتها حتى مستوى الفئة الثالثة في وظائف الدولة.
آخر التقليعات الديمقراطية، ترشيح مكسيكي لرئاسة الحزب الأكثر ديمقراطية في تداول السلطة ضمن البيت الواحد. طبعاً قصدت فتى الديمقراطية والعلمانية الأغر سامي الجميّل. أليست الفالانج هي اشتقاق لديمقراطية الفاشيست؟ يكفي التسمية «كتائب» للدلالة الفاقعة على المدلول. فهي مع صنوتها بل وليدتها «القوات» تحمل كلّ المعاني والممارسات الديمقراطية. الله، الوطن، العائلة، كما التاريخ القديم والجديد ومحاولات إلغاء الآخر، وتهميش الآخر في الحزب وخارجه، هي الشكل الجديد للديمقراطية العنيدة، عفواً العتيدة.
هذا الحزب يعرّف عن نفسه في أدبياته القليلة أو النادرة بأنه منظمة شبه عسكرية، أسّسه بيار الجميل منذ عام 1936 ولم يزل في قبضة الأحفاد مروراً بالأولاد. وفي أدبياته وممارسته ومواقفه يجاهر بأنه حزب مسيحي، ولا ضير في ذلك، لولا طرح المرشح المكسيكي الجديد بأنه يعمل لمجتمع علماني. نقول مكسيكي، لأنه يحمل الجنسية المكسيكة لوراثة إحدى قريباته التي توفيت في المكسيك من دون ذرية. إذ تتجلى هنا مصلحة العائلة فوق كلّ مصلحة، باعتبارها ركناً من ثلاثية الحزب الذهبية.
لو عددنا بيت الجميّل فرداً فرداً، لما وجدنا إلا بالصدفة أحدهم لا يستفيد من مخصص مرتبط بأموال الدولة ومراكز الدولة العليا. هذا الحزب «الحرّ مالياً» كما جاء في البيان الانتخابي الكتائبي لسامي الجميّل، بل هذه العائلة تكلف الدولة ملايين الدولارات سنوياً. فمن مخصص بيار الجميل الجدّ نائباً ووزيراً، إلى أمين وبشير كرؤساء للجمهورية إلى بيار الحفيد النائب والوزير إلى سامي ونديم وصولانج كنواب إلى ورثة المرحوم موريس الجميّل. رقم كبير جداً، لو حوّل إلى المتن الشمالي لجعلها قبلة الأنظار. ولا ننسى في هذا السياق الصفقات التي حامت حولها الشبهات من صفقة البوما والأسلحة الأميركية عام 1983، وطائرات الهوكر هنتر المرممة من تشيلي إلى العقارات المتعلقة ببيت تمرز، والعقارات حول بيت المستقبل إلخ. للمناسبة بيت المستقبل الذي ذكره المرشح المكسيكي ليس من أموال أمين الجميّل كما ألمح، بل هو ثمرة تمويل من الألمان.
إن حلّ مشاكل الفقير «المعتر»، أيها الشيخ الديمقراطي، لا تكون باللامركزية الإدارية وغير الإدارية والتي تعني في قاموسنا التقسيم، بل بالتخلي عن الامتيازات المالية والسياسية التي تتمركز في جيوبكم وعقولكم وتصرفاتكم وممارساتكم الإقطاعية.
رحم الله سعيد تقي الدين، كفاكم محاضرات في العفاف.