كيف يُحصِّنُ العراق وسورية المشرق العربي؟

د. وفيق إبراهيم

تبدو الفكرة مجنونة للوهلة الأولى، لأنّ البلدين مأزومانِ ومستهدفان من قبل حلفٍ كبيرٍ يجمع بين الدولي والإقليمي والعربي والداخلي… وتتعرض مدنهما وقراهما لهجمات لم يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية تؤدي إلى تدمير البلدين منهجياً على مستويي البشر والحجر.

أصبحت هذه الصورة الحقيقية تقليدية لا لبس فيها، لكنّ الوجه الآخر المشرق الذي ينشر التفاؤل يتجسد في الانتصارات التي يسجلها الجيش العربي السوري في سورية كلّها بأداء محترف لا نظير له… وكذلك ينفذ الجيش العراقي، على تواضع إمكاناته، أعمالاً عسكرية كبيرة بدأت تدفع الإرهابيين التكفيريين إلى الفرار من ساحات المعارك.

للارتباط النسبي بين بطولات الجيشين لوجستياً تداعياته على مسار المعارك، فميادين الجيشين متصلة جغرافياً بين الأنبار وحوران، والأدوات التكفيرية أيضاً واحدة بهيكليةٍ تنظيميةٍ وتسليحٍ وتمويلٍ ولوجستياتٍ واحدة، لذلك يخدم الجيشان السوري والعراقي بعضهما بعضاً. لكنّ القضاء على «النصرة وداعش والجبهة الإسلامية وما يسمى «الجيش الحر» هو قضاء عليها أيضاً في وسط العراق حيث تصول وتجول برعاية تركية وسعودية. والعكس صحيح. فتدميرها في العراق يؤدي إلى تسللها في سورية.

هذا عسكرياً. لكن للانتصار التدريجي للجيشين حكماً تبعات سياسية لجهة انكفاء الدورين السعودي والتركي اللذين يحاولان حالياً التخفي في إطار إعادة بناء التنظيمات الإرهابية نفسها في عناوين سياسية جديدة للتمويه، مع إيهام الغرب أن السعودية وتركيا الداعمتين باستمرار لسائر أنواع الإرهاب في سورية والعراق، تقفان اليوم ضده بعدما استفحل شره وطغى. وينسحب التراجعُ على الدور المركزي الأميركي، الباحث بدوره عن تنظيمات جديدة في سورية والعراق لتكمل عمليات التدمير في البلدين. ويتضح أن هناك تنسيقاً غير مباشر وربما بالحدود الدنيا بين الجيشين السوري والعراقي يخدم مجابهة الإرهابيين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لِمَ لا يكون التنسيق العسكري أكبر للتعامل مع الحرب المفتوحة على البلدين منذ أكثر من ثلاث سنين. فيمثل هذا التنسيق العسكري المنشود ترداد إمكانات البلدين على غير جبهة وصعيد، علماً أنهما يربطان بين المتوسط والخليج وإيران وتركيا والسعودية، وهي الدول الإقليمية الأساسية في المنطقة، ما يشير إلى استراتيجية تنسيقهما.

لكي لا يتوهم أحد أننا نطلق أحلاماً، نَضعُ نتائج الانتخابات المرتقبة في خدمة التنسيق العسكري. انتخابات العراق التي انتهت بفوز كتلة رئيس الوزراء نوري المالكي بالحصة الكبرى هي مؤشر على عودة القوى المناهضة للإرهاب في العراق. وتعود هذه القوى بشكل أقوى مع برنامج عمل واضح هذه المرة وبإرادة من حديد أصبحت تعرف كيف تتعامل مع موجات التكفير من جهة، وكيف تستعيد المعدل الأكبر من الوحدة الداخلية من جهة أخرى.

أما لجهة انتخابات الرئاسة في سورية، فهي لن تكون إلاّ إعلاناً جديداً لشرعية الرئيس بشار الأسد، باعتبار أن الانتخابات مثلما تعرضها العلوم السياسية المنبثقة من الأكاديميا الغربية هي بديل من الأحزاب والصراعات المسلحة الداخلية وآلية مهمة لتكوين السلطة. فلماذا تؤيد القوى الغربية الديموقراطية والانتخابات في كل مكان، وترفضها في سورية وتشكك في نتائجها في العراق في حين تتغافل عن الديكتاتوريات في ممالك السبات العميق الخليجية التي لم تعرف انتخابات منذ تأسيسها في النصف الثاني من القرن العشرين. السبب موجود بالطبع في النفط وملياراته.

هكذا تتضح ضرورة الجمع بين السياسي المستند إلى شرعية الانتخابات والعسكري الذي يكتسح مشاهد القتال في البلدين، في تنسيق يجب أن يرتقي إلى مستوى الاتحاد الكونفدرالي الذي يحفظ خصوصيات البلدين وبناهما السياسية المستقلة، على أن يضعا مشروعاً كونفدرالياً موسعاً لعلاقات عسكرية وأمنية واقتصادية راسخة تكون على مستوى التحديات والأخطار.

بلى، المطلوب إتحاد كونفدرالي يدافع عن المشرق العربي بعراقيين وسوريين تعدادهما ثمانية وخمسون مليون نسمة على مساحة تزيد على أربع مئة وخمسين ألف كيلومتر مربع معظمها خصب ومياهها وفيرة وفيها نفط وغاز وعقول علمية. واتحادٌ كهذا يستطيع أن يضع حداً للهيمنة التركية على مياه دجلة والفرات ويعيد الأراضي المحتلة من الكيان الغاصب ويحمي لبنان والأردن والخليج ويربط المشرق بشبكات كهرباء وقطارات وتفاعلات اقتصادية وعلمية ـ ذلك كله بعد نجاح الاتحاد المنشود في إعادة الهدوء إلى أرض الرافدين وبلاد الشام.

بلى، إن اتحاداً عراقياً سورياً موسعاً يحمي المشرق من جهل شيوخ النفط وإرهاصاتهم ويخفف من اندفاعة السياسة الخارجية الأميركية، والأهم أنه يصون الإسلام المعتدل بإنقاذه من براثن الوهابية الجاهلية التي حولته إلى عدو لروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي وأميركا وآسيا الوسطى وأستراليا وكندا… من بقي إذن؟ إمارة أم القيوبيين أم رأس الخمية؟

المرجع أن قيادتي البلدين لن تبدّدا هذه الفرصة التاريخية… وقد تفتحها لجميع العرب في المشرق. لكن الملاحظة الواجب ذكرها تتعلق بمصر التي تتجه إلى انتخابات رئاسية يبدو أن صاحب الحظ فيها هو المشير السيسي الذي أعلن التزامه بكامب دايفيد كنظام إقليمي، مع الاتكاء على السعودية عربياً للتمويل وأميركا للتغطية الدولية، وهكذا ينتج «مباركاً» جديداً لا حول له ولا قوة وقد يترقب من يزجّ به خلف القضبان.

على أمل أن يعود السيسي إلى رشده، يبقى الأمل معقوداً على سورية والعراق للدفاع عن المشرق الكبير والإسلام الأممي، بما يحفظ أهمية المنطقة ويدفع أهلها إلى الالتحاق بركب العصر على مستوى التقدم والتصنيع والوسطية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى