سعد الحريري بعد انتكاسة أردوغان غير ما قبله…
روزانا رمّال
أفرزت الانتخابات التركية واقعاً جديداً بعدما تصدّر حزب العدالة و التنمية المشهد السياسي حكومة وبرلماناً لأكثر من 13 سنة.
حزبا المعارضة التركية والأكراد حققوا نتائج هامة في الانتخابات البرلمانية هذه السنة استطاعت قلب المشهد داخل تركيا بحيث لم يعد ممكناً لحزب العدالة والتنمية تشكيل حكومة من لونه، وبالتالي فإنّ أموراً كثيرة ستتغيّر وتتبدّل في الأيام المقبلة تماشياً مع هذا الحدث الديمقراطي في أيّ حال من الأحوال.
أردوغان الذي يسعى الى الديمقراطية وإلى بسطها في الجوار السوري حسب تعبيره، سيتقبّل نتائج هذه الديمقراطية لكن ليس وحده بل مع حلفائه وأصدقائه داخل تركيا وخارجها، فأردوغان هو رجل الاقتصاد أيضاً والاستثمارات وعليه ان يتقبّل الوضع الجديد للمستثمر الذي يضعف نفوذه في السلطة أيضاًن وهو العارف انّ رأسمال الحاكم المستثمر ليست أمواله وحدها من دون شك.
بين تركيا أردوغان ولبنان مشتركات وتداخلات، لكن أبرزها اسم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فقد ولدت في عهد الحريري آلية للتعاون المشترك بين لبنان وتركيا تمثلت باللجنة الاستراتيجية العليا للتعاون بين البلدين شملت مجالات سياحية وامنية وتجارية واقتصادية وعلى مستوى الطاقة أيضاً، وأكثر ما برز على صعيد العلاقة من آثار كان إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، ليصبح في إمكان السياح الأتراك ورجال الأعمال والاقتصاديين الدخول إلى لبنان من دون تأشيرة كما بات في إمكان اللبنانيين دخول تركيا بنفس الطريقة من دون تأشيرة، هذا كان في عام 2010.
أردوغان من جهته زار لبنان في تشرين الثاني عام 2010، وكان يومها رئيساً للحكومة التركية، وعبّر عن اهتمامه بتطوير العلاقات مع لبنان، وقد رعى افتتاح مراكز ومشاريع، ووقّع اتفاقات أثناء تلك الزيارة، كان بينها افتتاح المستشفى التركي التخصّصي لطب الطوارئ والحروق في مدينة صيدا بحضور الحريري، ورافقه وفد تركي رسمي كبير ضمّ وزير الخارجية آنذاك أحمد داوود أوغلو.
عام 2010 يعني قبل سنة من بدء الأزمة السورية عام 2011، حيث كان هناك الكثير من المشتركات بين آل الحريري وبين أردوغان خصوصاً الاجتماع على نفس الهدف، وبشكل مستميت، وهو السعي إلى إسقاط الدولة السورية المتمثلة بالرئيس بشار الأسد، فكان أن أعلنا هذا الموقف جهاراً ودعما أيّ وسيلة لإسقاطه.
طوال الأزمة السورية كان للبنان دور مبهم في تورّط بعض المجموعات فيه بدعم التحرك اللوجستي للإرهابيين، وكانت التقارير الأمنية تصوّب نحو فريق تابع لآل الحريري وصلت إلى حدّ الاتهام المباشر بتقديم تسهيلات أمنية ساهم فيها المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي وزير العدل الحالي أشرف ريفي، الذي حسب خصومه قدّم الدعم لبعض هذه الجماعات في طرابلس وغيرها، واليوم رسم الحريري وغير الحريري من فريقه خطوطاً حمراء على مواجهة «النصرة» كونها الفريق التابع مباشرة لأردوغان الذي سهّل لها طيلة الأزمة حركة المرور والتسليح والتدريب من دون ايّ إحراج.
معارضة الحريري الكبيرة للنظام السوري التي تصل حدّ المشاركة في المؤامرات عليه في ايّ محفل دولي علناً وجهاراً اشترك فيها مع أردوغان بشكل ملحوظ حتى انّ بعضاً من فريق الحريري بينه النائب عقاب صقر احتمى في تركيا منذ بداية الأزمة السورية وعمل على إتمام مهامه هناك، والاجتماع بما أسمته حكومة أردوغان مجلس اسطنبول، فكان فريق عمل الحريري جزءاً من فريق عمل الحكومة التركية بشأن المصير في سورية بل طرفاً فاعلاً واساسياً في المشهد هناك.
خسر ارددوغان السيطرة والقدرة والتفرّد، وسيتقبّل هذا قريباً، لا بل إنه قبل وابتلع الهزيمة منذ الليلة الأولى على ظهور الأكراد أمامه على هذا المستوى من النتيجة، فعرف ماذا ينتظره… لكن في لبنان على سعد الحريري تقبّل أنّ مصيره في الانتخابات المقبلة من المتوقع ان يكون مماثلاً لأردوغان إذا لم يتدارك اليوم قبل الغد أهمية التفاته نحو حلول المشاكل الداخلية الكبرى بينه وبين الأفرقاء اللبنانيين لعدة أسباب بينها:
1 ـ الوضع الأمني في سورية بعد انتكاسة أردوغان سيتجه الى مزيد من الحسم من قبل الدولة السورية، لأنّ «جبهة النصرة» ستضعف لا محالة ومعها اخواتها من المجموعات الإرهابية التي كانت تتخذ من تركيا معبراً ومسرحاً للتخطيط، لأنه ليس ممكناً بعد الجزم بأنّ الشركاء الرئيسيين لأردوغان في الحكم المقبل في تركيا سيسمحون بذلك.
2 ـ الوضع المالي لآل الحريري لن يتجه نحو الصعود بسبب الأزمات التي تمرّ بها العائلة المالكة في السعودية أساساً بين الحرب التي تديرها ضدّ اليمن، وبين هواجس التحجيم بعد الاتفاق الغربي النووي مع طهران، وبين خلافات الحكم السعودي داخل العائلة الواحدة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد كثيراً على تمويل حملة الحريري الانتخابية والإغداق بالأموال على الناخبين خصوصاً.
3 ـ الحريري المستند إلى ركيزتين سعودية وتركية يواجه خصماً لبنانياً يزداد قوة داخلياً وإقليمياً ويتقدّم حليف هذا الخصم الذي تمثله إيران ساحة المنطقة بلا منافس ومنازع، والحريري يرى حليفيه في مأزق الدور والقدرة، فعليه البحث عن مخرج قد يكون المسارعة إلى المصالحة مع حزب الله سعياً لدور لبناني يقوده الحريري عنوانه بيروت منصة الانفتاح العالمي نحو إيران وسورية، ويجد فيها مصلحة تجارية وسياسية كان والده الراحل رفيق الحريري يتباهى بالسعي إلى تحقيقها، فهل يفعل الإبن ما كان يحلم الأب بتحقيقه؟